تفجير القديسين وتفجير القانون

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أدانت كل القوى الإسلامية ما جري ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة من تفجير خسيس أمام كنيسة القديسين في منطقة سيدي بشر بالإسكندرية ، الشعب المصري مع كل ما يجري له ومنه لا يحب العنف ، ولا يميل إلى العدوان ، ويكره الدم ، ويرفض التعامل بمنطق النبوت ضد خصومه  من أهله أو أقاربه أو جيرانه ؛ أيا كان معتقدهم أو مذهبهم ، ولم يكن غريبا أن يتأذّي الناس العاديون مما جرى ، ويجمعون أن الحادث صناعة غير مصرية ، وغير إسلامية ، وأن ما جرى غريب على شعبنا ، وبعيد عن طبائعنا ، مثله مثل حادث نجع حمادي الذي جرى في ليلة عيد الميلاد ، وجاء بطريقة غامضة غريبة يلفها الشك والريبة نتيجة علاقات سابقة بين أسقف الكنيسة والذين وُضعوا في قفص الاتهام !

الحادث بعيد عن الدين ، لأن الدين لا يقر ذلك ، ولا يجيزه ، ولا يسمح به ، ومهما صدر عن المتمردين الطائفيين الخونة من تجاوزات وانتهاكات ، فإن الإسلام لا يدعو إلى القصاص منهم عن طريق الأفراد أو الجماعات ، بل الأمر متروك للسلطة الحاكمة ، حتى لو تراخت ، وجاء تراخيها على حساب الإسلام والمسلمين !

ونرجو أن لا يُغلق التحقيق ، بتقديم أشخاص للقضاء قد لا تكون لهم صلة بالتفجير ، سعيا لإسكات أصوات المتمردين الخونة في الداخل والخارج ، بل يجب أن تُعالج الأسباب الحقيقية التي تتيح فرصة لأعداء الإسلام ومصر ، كي يقوموا بمثل هذه التفجيرات ، وأعتقد أن أهم هذه الأسباب على الإطلاق هو تفجير القانون من جانب الكنيسة الأرثوذكسية ، وسكوت السلطة على هذا التفجير ، بل استرضاء من يفجّرون القانون والطبطبة عليهم بحجة حماية الوحدة الوطنية ، وأذكّر القراء ببعض ملامح تفجير القانون والصمت عليه:

التحرش بالإسلام من خلال المطالبة بإلغاء المادة الثانية من الدستور ، عن طريق المتمردين الطائفيين والعلمانيين الذين يحملون أسماء إسلامية ، ويبيعون إسلامهم بثمن بخس .

تحول الكنيسة إلى دولة داخل الدولة ، تتحكم في الطائفة اجتماعيا واقتصاديا ، وثقافيا ، وإقناع أفرادها أنهم شعب مستقل بذاته ـ لا علاقة له بالأغلبية التي تمنحه نسغ الحياة ، وتمده بالثروة والسلطة .

ازدراء القانون المتمثل في حكم القضاء ، وأبرز الأمثلة على ذلك حكم الإدارية العليا في موضوع الزواج الثاني ، حيث أعلن رئيس دولة الكنيسة أنه لن يخضع له أو لأي حكم يخالف الإنجيل وفق تفسيره الشخصي ، ووصل الأمر بالسلطة المنبطحة إلى إصدار قرار من المحكمة الدستورية بإيقاف الحكم حماية للتمرد الطائفي المتعجرف ، مع أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا كان يعتمد على قانون 1938 الذي صنعه أساقفة فضلاء وباحثون محترمون ، فسروا الإنجيل تفسيرا يتواءم مع الطبيعة البشرية  .. أضف إلى ذلك ما صرح به الأساقفة المتمردون عن ضيافة المسلمين في مصر على النصارى ، وعدم الرضوخ للقانون ، وإعلان أن الرضوخ للقانون معناه الدم والشهادة !

إن إطلاق سراح المعتدين الطائفيين المجرمين في أحداث العمرانية الذين قاموا بقطع الطريق العام ، وتدمير سيارات المواطنين الأبرياء ، والاعتداء على حي العمرانية ومبني المحافظة وتكسير واجهاته الزجاجية ، وإصابة لواءات الأمن والضباط والجنود ، بأسلحتهم البيضاء والمولوتوف ، دون تطبيق القانون عليهم والمحاكمة العاجلة لهم ، كان من أبشع صور تفجير القانون التي تشحن النفوس والقلوب بالغضب وعدم الرضا .

ما جرى من إقامة سجن خاص تسيطر عليه الكنيسة لتحبس فيه من يقدم على الانتقال إلى الإسلام ، هو تجاوز صارخ للقانون ، خاصة حين يقال لمن يستنكرون ذلك : وانتم مالكم؟ فالقانون لا يجيز لشيخ الأزهر مثلا أن يقيم سجنا يحبس فيه من يتحول عن الإسلام أو من لم يتحول . فالحبس لا يأتي إلا بحكم محكمة ووفقا لنظام يحدده الدستور ، ولكن الكنيسة تفجر القانون بمؤازرة بعض أجنحة السلطة التي باعت دينها وإسلامها من أجل مكاسب رخيصة . إن إسلام الشخص أو عدم إسلامه لا يسمح للكنيسة أو غيرها أن تحبس شخصا ما أو تحرمه من حياته العادية .

هناك أمثلة كثيرة ونماذج متعددة لتفجير القانون مارستها الكنيسة معتمدة على حماية أميركا والغرب ، وابتزازا للظروف التي يعيشها النظام ؛ وهو أمر لا يجوز مهما كانت الظروف السياسية التي تمر بها البلاد صعبة ، وغير مؤاتية ، ولا يجوز للإمبراطورية الإعلامية التي تملكها الكنيسة وتستخدم فيها من باعوا دينهم ووطنهم أن يقلبوا الحقائق ويميعوا المواقف ، ويحجبوا المعلومات الصحيحة عن الناس .

إني أعجب كيف ركزت وسائل الدعاية الطائفية والحكومية على ما جرى في الكنيسة دون أن تشير إلى ما قامت به القطعان المتعصبة التابعة للتمرد الطائفي ، وهي تهاجم رجال الأمن ، وتصيب أفراده ، ثم تنتقل إلى المسجد المقابل أو القريب من كنيسة القديسين فتهاجمه ، وتحدث به خسائر غير مبررة ، فضلا عما يقال من عدوان على المسلمين البسطاء الذين لا حول لهم ولا طول ؟

غريب أمر الإعلام المصري البائس الذي يركز على ما يسمى التطرف الإسلامي دوت أن يشير إلى ممارسات المتمردين الطائفيين الخونة الذين لا يكفون عن إهانة الإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم – في المواقع الطائفية التي تغذي التمرد وتمده بأساليب العدوان والإجرام ..

لقد استيقظت صباح التفجير في كنيسة القديسين على رسالة بذيئة وقحة يرسلها طائفي جبان باسم مستعار يسب فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين ، وهذا الطائفي الجبان الذي لا يمل من إرسال رسائله البذيئة على مدار اليوم والليلة يعنون رسالته بأمة حمادة الأمي ( يقصد الرسول – صلى الله عليه وسلم ) ويقول : إن حادث كنيسة القديسين أثبت أنها بالفعل أوسخ (؟!) أمة أخرجت للناس ! وأعتذر للقراء عن إثبات لفظه البذيء .

إن هذا الجبان الطائفي الذي يمثل - لا شك - واحدا من المتمردين الخونة؛  متأكد أن المسلمين لن يسبوا المسيح عليه السلام ، لأنهم يؤمنون بالمسيح  ويجلونه ، ويعظمونه كما يحثهم دينهم الحنيف ، وهو متأكد أيضا أن المسلمين لن يسبوه مع أنهم قادرون على فعل ذلك أضعافا مضاعفة ، وأنهم في كل الأحوال قادرون على الوصول إليه وتقديمه للعدالة  .. ولكنه يقدم نموذجا لتفجير القانون تشبهه نماذج كثيرة لا تكف عن ترديد الترهات المتعلقة بأصل البلد ، والدين الكاذب ، والغزاة البدو الأجلاف ، والاستعمار الإسلامي ..

إننا نطالب السلطة أن تطبق القانون على جميع الناس ، وأن تتكلم أبواقها التي تصدع رءوسنا عن الدولة المدنية والمجتمع المدني من أجل تطبيق القانون على الكنيسة وأتباعها ، مثلما تطبقه استثنائيا على المسلمين ، وتقبض على الأبرياء بتهمة الإسلام هو الحل ، وتلقي بهم في السجون لمدة خمسة عشر يوما مع التجديد أو خمسة وأربعين يوما مع التجديد ، وكأنهم قتلوا الملايين أو نهبوا المليارات ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ويا عقلاء النصارى ـ قفوا ضد المتمردين الذي يلعبون بالوطن وبالنصارى لعبة خاسرة ، لن يستفيد منها غير أعداء مصر ، وأعداء النصرانية في الشرق .