ماذا يجري وراء الكواليس وفي الغرف المغلقة

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

قرار الرئيس الأمريكي باراك اوباما الأخير بتعيين سفير لأمريكا في سورية دون العودة إلى الكونجرس وتحدي أعضائه يضع أمام المراقب والمهتم بشأن العلاقات السورية الأمريكية إشارة استفهام وتساؤل: من أين هبطت هذه الشجاعة على الرئيس الأمريكي كي يتخذ مثل هذا القرار من خلف الكونجرس الذي هو من يحكم الولايات المتحدة وليس الرئيس مهما بلغت قوته أو شعبيته.

فقد تحدى أوباما في قراره بتعيينه (روبرت فورد) بمرسوم سفيراً لبلاده في سورية، الذي اتخذه يوم الأربعاء 29 كانون الأول، الأكثرية من الجمهوريين، مستغلاً في ذلك عطلة الكونغرس للالتفاف على (العرقلة غير المسبوقة) التي يمارسها خصومه الذين سارعوا إلى التنديد بما اعتبروه (تنازلاً) أمريكياً لدمشق لا مبرر له، فيما رحبت أوساط سورية رسمية بهذه الخطوة، معتبرة أن من (شأنها أن تسهم في رفع مستوى التعاطي بين حكومتي البلدين برغم تأخر هذه الخطوة بعض الوقت).

فقد رحب السفير السوري عيسى درويش، معاون وزير الخارجية السابق والعضو البارز حالياً في لجان تطوير فكر حزب البعث الشمولي الحاكم، التي أنشأتها قبل مدة القيادة في دمشق قائلاً:

 (إن الرئيس أوباما أعلن أكثر من مرة رغبته العمل الجاد على إحلال السلام في المنطقة سواء عبر خطاباته من عواصم إقليمية فاعلة سواء في القاهرة أو أنقرة بُعيد تسلمه مهامه أو من أماكن أخرى) . وأوضح (سورية بلد حاضر في المنطقة، من البحر حتى أفغانستان ومن مصلحة واشنطن العمل مع دمشق على أمن واستقرار المنطقة، فهذه الخطوة المتأخرة مرحب بها، خاصة أن لدمشق تقاطعاتها لدى شعوب المنطقة ومن الطبيعي أن تهتم الولايات المتحدة ببلد مثل سورية).

وكان أوباما أحال إلى الكونغرس في 22 شباط الفائت قراره تعيين الدبلوماسي روبرت فورد سفيرا للولايات المتحدة في سورية، وهو منصب شاغر منذ قرابة الست سنوات حين استدعت واشنطن سفيرها في دمشق إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في تفجير في بيروت في 14 شباط عام 2005. غير أن الجمهوريين في مجلس الشيوخ قطعوا الطريق على المصادقة على هذا التعيين، وأفشلوا نفاذه.

فهل يمكن القول أن واشنطن بتعيينها سفيراً لها في دمشق بعد غياب طويل مؤشراً إلى أن هناك صفقة تعقد بين دمشق وواشنطن لإعادة إحياء المفاوضات بين دمشق وتل أبيب بعد إخفاقات باراك اوباما في دفع الفلسطينيين واليهود إلى مفاوضات الوضع النهائي لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة كما تسوق واشنطن والسلطة الفلسطينية.

فقد أكدت صحيفة (الرأي) الكويتية ذلك قائلة: (أن الولايات المتاحدة فتحت قناة سرية مع المسؤولين السوريين، من أجل التوصل إلى إبرام اتفاقية سلام شامل بين سورية وإسرائيل.
وقالت الصحيفة في موقعها الإلكتروني، يوم السبت الأول من كانون االثاني، نقلا عن مصادر مطلعة، إن وزير الخارجية السوري وليد المعلم -الذي تربطه صداقة بدينيس روس، مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون منطقة الخليج، منذ كان المعلم سفيراً لبلاده في واشنطن، خلال تسعينيات القرن الماضي- بعث بإشارات إيجابية إلى الأمريكيين قبل أسبوعين، مفادها إن "السوريين مستعدون لإعادة مباشرة الحوار مع الإسرائيليين والتوصل إلى سلام).

وأضافت الصحيفة، (أن إدارة الرئيس باراك أوباما، التي تواجه مصاعب في دفع العملية السلمية قدما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تعتقد أن سلاماً بين سورية وإسرائيل من شأنه أن يحدث اختراقا في العملية السلمية ككل، ويمكن البناء عليه للتوصل إلى سلام في الأراضي الفلسطينية).

وتابعت الصحيفة قائلة: (إنه في الوقت الذي لم ترشح فيه تفاصيل حول فحوى مفاوضات روس مع السوريين، إلا أن روس أبلغ الإدارة أنه "لمس استعداداً سورياً غير مسبوق للابتعاد عن إيران، وتخفيف العلاقات مع حزب الله وحماس، والتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب).

واستطردت الصحيفة قائلة: (وفي المقابل، أبدت إسرائيل استعداداً تاماً لإعادة الجولان كاملاً إلى السوريين، والتوصل إلى اتفاقات حول تقاسم المياه، والمباشرة بتطبيع العلاقات فورا).

ومما يدعم ما نشرته جريدة الرأي الكويتية ما قيل من أن الأسد _ كما أعلن التلفزيون الإسرائيلي يوم الاثنين 3 كانون الثاني الحالي – (أن مبعوثاً خاصاً من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو مالكولم هونلاين، وهو من رؤساء التنظيمات اليهودية في الولايات المتحدة، زار مؤخراً العاصمة السورية دمشق سراً، حيث تلقى الزعيم اليهودي دعوة رسمية وشخصية من الرئيس بشار الأسد، الذي استقبله في قصره الخاص، وعقد اجتماعاً مهماً مع الرئيس بشار الأسد، تناول – بحسب ما أذاعته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي – سبل إحياء العملية السلمية بين تل أبيب ودمشق، وتحسين أوضاع اليهود الذين مازالوا يعيشون في سورية، وأكدت القناة أن الولايات المتحدة كانت على علم مسبق بهذه الزيارة).

كما وأن لقاء وزير الإعلام السوري محسن بلال بنظيرته الأمريكية هيلري كلينتون ليل الأحد 2 كانون الثاني الجاري على هامش مشاركتهما في حفل تنصيب رئيسة البرازيل الجديدة في العاصمة برازيليا، ترجح إلى ما ذهبت إليه جريدة الرأي الكويتية، وقد أعربت كلينتون لبلال – في ذلك اللقاء – (عن سعادتها بقرار تعيين فورد سفيراً لبلادها في دمشق، آملة أن يكون هذا التعيين خطوة في تحسين العلاقات السورية – الأمريكية).

وإذا ما صدقت مصادر صحيفة الرأي الكويتية فإننا سنشهد في الأيام القابلة مزيداً من الحراك السياسي في دفع المفاوضات السورية الإسرائيلية لتكون فوق الطاولة وليس تحتها، وستكون ولا شك مفاوضات مباشرة بين فريقين منتدبين من حكومتي دمشق وتل أبيب لإبرام صفقة سلام شبيهة باتفاقية (كامب ديفيد) التي عقدت بين القاهرة وتل أبيب عام 1979، وبالتالي إلغاء الدور التركي وإبعاده عن هذا الملف الذي سيكون شرطاً أمريكياً وإسرائيلياً، ولابد لدمشق أن تقبل به لقاء وعود بنجاح هذه االمفاوضات ودفعها حتى عقد اتفاقية سلام شامل بين تل أبيب ودمشق.

دمشق إذا ما خلطت الأوراق واتخذت هذه الخطوة فإن ذلك يعني تخليها عن الفصائل الفلسطينية المتواجدة فيها، وفك عرى التحالف مع حزب الله وطهران، والتخلي عن القضية الفلسطينية طالما كانت لعقود تتبنى هذه القضية وتجعل منها مبرراً لوجود نظام البعث فيها، وبالتالي – إذا ما تمت هذه الصفقة - فسيكون الخاسر الأكبر هم الفلسطينيون الذين سيفقدون كل الأوراق الضاغطة على تل أبيب لدفعها إلى مفاوضات الحل النهائي بينهما، وقد راهنت السلطة الفلسطينية على إنهاء القضية الفلسطينية عبر السلام الشامل والإستراتيجي مع إسرائيل، والركون لوعود واشنطن والغرب في تمكين الفلسطينيين من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في حدود عام 1967 إلى جانب دولة إسرائيل، والتخلي عن خيار المقاومة ودفنه إلى الأبد من قاموسها وثقافتها.