ندوة دولية حول امن الخليج

د. صالح بكر الطيار

د. صالح بكر الطيار

رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي

 في إطار الأنشطة التي ينظمها مركز الدراسات العربي الأوروبي في باريس منذ ان تأسس في مارس/ اذار عام 1992 ، وتحت شعار " حوار باريس " الذي تندرج في ظله مؤتمرات وندوات وملتقيات وطاولات حوار متخصصة فقد ارتأى المركز تخصيص ندوة حول " أمن الخليج " لما لهذه المنطقة من اهمية جيو استراتيجية ، ولما تواجهه اليوم من تحديات من شأنها التأثير على الأمن بمفهومه الشامل الإقليمي والدولي . وبناء عليه انعقدت هذه الندوة بتاريخ 15/12/2010 في صالون " هوش " في باريس بحضور نحو مائتي شخصية من مختلف بقاع العالم من سياسيين ورسميين ودبلوماسيين وباحثين وأكاديميين ورجال مال وأعمال واعلاميين عرب وأجانب ، وبمشاركة نخبة من المحاضرين المختصين الذين بلغ عددهم نحو الخمسة والعشرين محاضراً ، والذين قدموا اوراق غنية بمضامينها ، ومرئيات ذات ابعاد استراتيجية معتمدين في ذلك على الدقة والموضوعية والطروحات العلمية المستندة الى الواقع وما يحيط به من تحديات ومخاطر ، وفي ظل اجواء سادتها حرية الرأي والتعبير . وكان الفضل الأكبر للحضور الذين عبر مشاركتهم في النقاشات قد اغنوا اعمال الندوة وعمقوا من حواراتها المفتوحة والتي كانت متاحة للجميع . ولقد تم بدء اعمال لندوة بجلسة افتتاحية تحدث فيها رئيس مركز الدراسات العربي الأوروبي الدكتور صالح بكر الطيار ورئيس معهد EUROMED وزير خارجية فرنسا الأسبق النائب هيرفي دي شاريت اللذان قدما مداخلات شكلت إطاراً عاماً لأهداف الندوة وأبعادها وللأمال المنتظرة منها ، وتبع ذلك اربع جلسات عادية ، وأخيراً جلسة ختامية كانت اشبه بطاولة مستديرة . أولاً / جاءت الجلسة الأولى تحت عنوان : " القوى الإقليمية وأمن الخليج : الواقع والتطلعات " وعالجت من خلال الأوراق التي قدمها المحاضرون المعنيون دور دول مجلس التعاون الخليجي ، وتركيا ، وإيران ، والعراق ، واليمن في حفظ امن الخليج . وتم التطرق في هذا الجلسة الى قضية الجزر العربية المحتلة من قبل ايران ، وقضية الحوثيين والحراك الجنوبي ، وملف العراق وتأثيراته المتعددة على امن المنطقة ، والدور الذي تضطلع به ايران على مستوى المنطقة سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً ، والواقع التركي وما يُلقى على انقرة من مهام اختارتها لنفسها من منطلق حرصها على الإستقرار والوئام ،والأطماع الإسرائيلية وإنعكاساتها ليس فقط على امن الخليج بل ايضاً على امن منطقة الشرق الأوسط بأكملها ، كما تم التطرق الى الأمن النفطي والإقتصادي والغذائي والمالي والتجاري والمائي والتضخم السكاني والتحديات الأخرى ذات الأبعاد المتعددة . وخلص الجميع الى التأكيد على مايلي :

1. تعزيز الحوار مع الأخر بعيداً عن اجواء التشنج والتوتر ، ولأن التصادم لن يؤدي إلا احداث المزيد من التعقيد فيما الحوار البناء والعلمي والموضوعي والصريح والصادق يتيح كل فرص ايجاد حلول نهائية للأزمات قبل استفحالها .

2. ان الحوار بين الدول الإقليمية يجب ان يكون مفتوحاً ودائماً للتوصل الى تفاهمات تزيل مخاوف القوى الضعيفة من مشاريع الدول القوية ،

3. التأكيد على مفهوم الحوار مع الأخر من منطلق ان هذا المبدأ مأمور به دينياً ، ومعتمد انسانياً وأخلاقياً وحضارياً .

4. المشاركة في بناء منظومة امنية تكفل الإستقرار والسلام بعيداً عن مبدأ الهيمنة او التبعية او التفرد ،

5. المشاركة ايضاً في صياغة استراتيجية تنموية تشمل الإقتصاد والمال والأعمال والسياسة والثقافة والتربية والإعلام لما في ذلك من فتح افاق جدية للتقدم والإزدهار والتطور بدلاً من توظيف الطاقات والإمكانيات لدى بعض دول المنطقة في مجال التصنيع العسكري الذي لن تنجم عنه سوى الحروب .

ثانياً / جاءت الجلسة الثانية تحت عنوان : " القوى الدولية وأمن الخليج : دورها الحالي وإستراتيجياتها " وقد تمت معالجة الدور الأميركي والأوروبي والصيني والروسي والقوى الأخرى الفاعلة على المستوى العالمي وكيفية إداء هذا الدور بما يحمي امن الخليج .

ولقد اجمع المشاركون والمحاضرون على مايلي :

1. ان العالم اصبح كناية عن قرية كونية من الصعب معها فصل المناطق في العالم عن بعضها بحيث تظهر كل منطقة وكأنها جزيرة معزولة ،

2. تبين ان المصالح والمنافع متداخلة ومتشابكة وتحتاج الى التعاون والتفاهم ولكن شريطة ان تراعى خصوصية المنطقة وسيادة دولها وامن وأستقرار اهلها بعيداً عن أية وصاية وعن سياسة المحاور ، وبمنأى عن اخذ المنطقة اسيرة لتصفية حسابات لصالح هذه الدولة او تلك .

3. حث المشاركون دول المنطقة على ضرورة الإنفتاح على كل القوى العالمية الفاعلة لخلق نوع من التوازن في العلاقات يسمح بالإستقرار والإزدهار لطالما ان كل الدول العظمى باتت تنتهج ايديولوجية ليبرالية بعد ان انحسر النزاع العقائدي وهيمن تنافس المصالح وفق مبدأ الإقتصاد الحر .

ثالثاً / جاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان : " المشاريع النووية وتأثيراتها على امن الخليج " وناقش فيها المجتمعون بصراحة ووضوح مخاطر الملف النووي العسكري الإسرائيلي ، وتداعيات الملف النووي الإيراني ،     وكانت وجهات النظر متفقة تماماً على :

1. ضرورة جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل لأي جهة كانت تابعة وذلك من منطلق ان القدرة النووية العسكرية لا تشكل فقط خطراً على الدول الأخرى في المنطقة ، بل ايضاً على الدولة نفسها التي تمتلكها بسبب الحدود الجغرافية المتقاربة، والتوزيع الديموغرافي المتشابك ،

2. كما ان سعي بعض الدول الى امتلاك القدرة النووية العسكرية سيدفع بدول اخرى الى حذو حذوها بدافع الخوف ، او درءاً للخطر ، او من اجل خلق توازن في موازين الرعب الأمر الذي يدخل المنطقة في سباق محموم لا تحمد نتائجه .

3. يضاف الى ذلك ان اي مشروع نووي ذات طابع عسكري من شأنه ان يبقي المنطقة قابعة على فوهة بركان ويجعل التوتر سائداً بشكل دائم .

4. ضرورة إحترام إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة للقرارات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل . رابعاً / اما الجلسة الرابعة فقد جاءت تحت عنوان : " الإرهاب والتطرف وأثرهما على امن الخليج " وقد تم التطرق إلى مواضع الإرهاب ومكامنها في المنطقة وخاصة في العراق واليمن حيث وجد الإرهابيون أرضا خصبة للقيام بأنشطتهم التي تهدد الإستقرار والأمن في المنطقة بأكملها دون استثناء .

وكانت الدعوة ملحة من جميع المشاركين على :

1. أثنى المشاركون على الدور الهام الذي تقوم به المملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله خاصة وأن تطورات الأحداث الأخيرة قد بينت ان السعودية لم تعد فقط قادرة على ضبط الإستقرار والأمن داخل اراضيها بل نجحت ايضاً بالمساهمة في احباط عمليات إرهابية ضخمة كانت تستهدف الولايات المتحدة من خلال طرود بريدية ، وعمليات أخرى كانت تستهدف اهم المراكز السياحية في عدة دول اوروبية وذلك بفضل الإنجازات المعلوماتية التي توصلت اليها اجهزتها المختصة .

2. اكد المشاركون ضرورة التفكير جدياً في التجاوب مع دعوة خادم الحرمين الشريفين الرامية إلى إعلان المركز الدولي لمحاربة ومكافحة الإرهاب من منطلق انها أفة تستهدف العالم اجمع وتستوجب بالتالي تضافر كل الجهود من اجل القضاء نهائياً عليها .

3. ضرورة تكاتف جهود كل القوى الإقليمية المعنية بأمن الخليج من اجل مواجهة آفة الإرهاب للتخلص منها .

4. إعادة تصويب صورة الإسلام الحنيف الذي يدعو في مضامينه الى الأخاء والتسامح والمحبة بعد إن تم تشويه هذه الصورة على ايدي التكفيريين الذين تستروا وراء الإسلام وأتخذوا منه قناعاً يحمي مشاريعهم المشبوهة خاصة هؤلاء الذين يتعمدون اثارة النعرات الطائفية والمذهبية لخلق الفتن ، او هؤلاء الذين يستهدفون ابناء الأقليات الدينية او العرقية ويستبيحون اعراضهم وأرواحهم دون وجه حق لا ديني ولا انساني ولا اخلاقي .

وختاماً كانت الطاولة المستديرة التي اكدت على التالي :

1. ضرورة صياغة استراتيجية لبناء مستقبل افضل لمنطقة الخليج يقوم على الحوار بين دولها من اجل تحديد طبيعة التحديات المحدقة وسبل مواجهتها بالتكاتف والتعاون بين الجميع ،

2. ضرورة التكاتف بين دول الخليج وجيرانها للوصول الى بناء تنمية مستدامة تكفل لشعوب المنطقة الرفاهية والإزدهار والتقدم على قاعدة عدم تدخل اي دولة بشؤون دولة أخرى ، وعلى قاعدة احترام كل دولة لسيادة الدول الأخرى ولخيارات شعوبها ولطبيعة انظمتها ودساتيرها ومعتقداتها وتقاليدها وكل ما يمت الى هويتها الخاصة بها.

3. ضرورة تعزيز مفهوم الثقة بين دول الخليج العربية وجارتها إيران بغية حل كافة المشاكل التي تحول دون تعزيز تلك الثقة وعلى رأسها إعادة الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التابعة لدولة الأمارات العربية المتحدة إلى السيادة الأماراتية بالطرق السلمية .

4. توجيه نداء لإيران وللقوى الدولية المعنية بضرورة العمل على التعاون المشترك لتحقيق امن وإستقرار منطقة الخليج والرقي بها الى مستويات متقدمة من الإزدهار والنمو والتقدم.