أبناء الحركة الإسلامية
أ.د. حلمي محمد القاعود
إن شاء الله تعالى ، ستنهض مصر العربية المسلمة من كبوتها ، وستنتصر على القهر والظلم والجبروت ، وستحقق العدل والحرية والكرامة ، وستمضي شامخة عزيزة أبية بين العالمين ، وذلك بفضل الله جل وعلا ؛ ثم بفضل شبابها المؤمن الصابر الذي يتعلم ويعمل بلا كلل ولا ملل ؛ نصرة لدينه ووطنه وأمته ، ولا يعبأ بحجم التضحيات والبذل والعطاء ، ويحتسب كل نقطة عرق في سبيل الله ، وكل لحظة جهاد عند الله " إن أجري إلا على الله " .
ومن ثم ؛ فإني لا أرى مسوغا لحالة الإحباط التي أصابت جموع الشباب خاصة والشعب المصري عامة ، عقب الجريمة التي ارتكبها حزب السلطة فيما سماه الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا ، وأسقط فيها القانون والعرف والأخلاق ، واستخدم البلطجة والعنف والتزوير وشراء الأصوات وتقفيل اللجان ، والضحك على بعض الأحزاب الورقية لتدخل الانتخابات وتذيع فيلم " طيور الظلام " دعما لصفقاتها معه ، ثم الغدر بها بعد أن وعدها ببعض المقاعد ولم يف بوعده ، والاعتماد على كلاب الحراسة التي تنبح بالباطل ، وتقلب الحقائق ، وتشهّر بالشرفاء ، في سبيل الفتات الذي تتلقاه من عرق الشعب المصري البائس وأمواله ..
الشباب والشعب يعلمون أن الانحياز إلى حزب السلطة ذو فوائد عديدة ، مادية ومعنوية ، أموال وأرصدة وأراض ، ووظائف ومناصب وامتيازات بلا حساب في كل المجالات وحصانة برلمانية ورضا أجهزة الأمن ، وشهرة إعلامية ، و علاج على نفقة الدولة ، وسيارات فاخرة وبودي جارد وحفلات وأضواء ...إلخ.
أما الانحياز للإسلام فهو مكلف ، وله ثمن غال ، بدءا من الحرمان من التجنيد وجنة الحكومة ووظائفها وكلياتها العسكرية والشرطية والسلك القضائي ، حتى الصحافة والإعلام والجامعة والتعليم والمؤسسات الأخرى ، ثم المطاردة والملاحقة والمراقبة والاعتقال والمحاكمة أمام المحاكم العسكرية والاستثنائية بالتهمة الشهيرة المضحكة : تشكيل تنظيم سياسي غير مشروع ومحاولة قلب نظام الحكم ، وكأن الحكم مجرد حلة مملوءة بالماء يقوم الشخص أو مجموعة الأشخاص بقلبها على السائرين ، وكأنه ليس هناك جيوش جرارة من المدفعية والمدرعات والطائرات والصاعقة والمظلات تدك شعبا بأكمله إذا فكر في الانقلاب على السلطة ، ناهيك عن جيش الأمن الداخلي الذي يفوق الجيوش النظامية ، وجيش الكذبة والمنافقين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ؛ من الخدم والمرتزقة المعادين لله وللإسلام وللمسلمين !
الانحياز للسلطة يؤمن صاحبه من الحساب والعقاب ، فيسرق بالقانون ، ويفسق بالقانون ، ويزوّر بالقانون ، وينهب ويظلم ويكذب بالقانون ، ويغتني ويشتهر ويلمع بالقانون ، لأن قانون الغابة هو سيد الموقف، وهو قانون حزب السلطة الذي لا يمكن إسقاطه ..
يكفي أن العالم كله شهد على تزوير الانتخابات التشريعية ، وخرج مسئول كبير ليقول إنها كانت انتخابات نموذجية ! وعندما سئل عن التزوير وشراء الأصوات والبلطجة وتقفيل اللجان وتسويد الأوراق قال إنها تجاوزات فردية ، وحين سئل عن مقاطعة بعض القوى لانتخابات الإعادة قال : إنها سلبية ، وعندما قيل له إن المظلومين في الانتخابات كثر ، قال : على المظلوم أن يلجأ إلى القانون . ونسي المذكور أن سيد قراره ( المزوّر ) هو القانون والمرجع والحكم !
لا تبتئسوا يا شباب الأمة ، ولا يدفعنكم قهر السلطة الغشوم إلى الإحباط أو رد الفعل العنيف ؛ فالعنف لا يحل مشكلة بل يعقدها ، واليأس ليس من أخلاق الإسلام ، والمسلم الحق هو الذي يعلو فوق الجراح ، ويقاوم ، ويجاهد ويصنع المستقبل .
إن هدف الأشرار هو الإسلام ؛ يريدون محوه والقضاء عليه ، و لا يريدون له أثرا في الحياة أو المجتمع أو النفوس ، وحين يقف مسئول كبير يقول إن الدستور يمنع تكوين أحزاب مرجعيتها دينية ؛ فإنه يضحك على نفسه قبل أن يضحك على الناس ، لأن المادة الأولى والمادة الثانية في الدستور الذي صنعه حزب السلطة تؤكدان أن مصر إسلامية الدين والحضارة ، وهو ما يعني أن كل شيء فيها يجب أن يتم وفقا لمنظور الإسلام ومفاهيمه وتصوراته ولو كان حزبا سياسيا ، والحزب الذي يدعو إلى ما يناقض الإسلام يجب إلغاؤه ومحاسبة قادته وفقا للدستور !
ويجب أن نعترف أيها الأحبة أن النظام البوليسي الفاشي الذي يحكم مصر منذ ستين عاما قد نجح في تفريغ أجيال مصر من الإسلام ، مما جعلها في مؤخرة العالم ، وأصبحت لا تتقن إلا فن الحصول على الأصفار ، صفر المونديال ، صفر اليونسكو ، صفر الانبطاح ، صفر الإنتاج ، صفر الخيبة الكبرى في العلم ، صفر الفشل الذريع في التعليم ، صفر الغياب العظيم في السودان والعالم العربي وحوض نهر النيل ....
بينما دولة عربية صغيرة مثل قطر استطاعت أن تحصل على تنظيم المونديال من أول مرة ، وأن يكون لها حضور ونجاحات في لبنان والسودان واليمن وفلسطين ... وأن تشغل الدنيا بقناة الجزيرة !
المهمة الأولى الإستراتيجية لأبناء الحركة الإسلامية اليوم وإلى أن يشاء الله ، هي استعادة الإسلام بمفهومه الصحيح الفاعل والمتفاعل ، لبناء النفوس والقلوب والعقول والوطن والأمة . إن تربية الشباب تربية إسلامية في ظل غياب المسجد والمدرسة والجامعة والإعلام والكتاب وأجهزة التثقيف والترويح ، عن تقديم الإسلام بأصوله وثوابته وقيمه وتاريخه ، يمثل ضرورة عاجلة وأساسية ، لمواجهة الواقع المتردي الذي لا يعلم أفراده مفاهيم الحلال والحرام ، ليس بالدلالة الشرعية وحسب ، ولكن بالدلالة الحضارية أيضا .
وهذا الأمر يقتضي مزيدا من الصبر والتضحيات والنزول إلى الناس في الشارع والمدرسة والجامعة ، والوسائط الممكنة التي توصل صوت الإسلام وتعرف به ، وتحوله إلى سلوك أو قرآن يمشي على الأرض .
إن أشرار العالم يصرون على حذف الإسلام من الوجود ، ويصطنعون لذلك نخبا فاسدة ، تعتر من هويتها وأوطانها ولغتها ودينها وثقافتها ، ويمنحونها في المقابل ، شهرة وسلطة وسطوة وجوائز ومغانم ، حتى صار الهجوم على الإسلام ، وسب الإسلاميين طريقا إلى الوصول ، و"سبّوبة " للغنى والثراء الحرام ، وهذا يفرض على شباب الإسلام ودعاته ومفكريه ومثقفيه أن يتفاعلوا ، أو يبذلوا المزيد من التفاعل مع هموم الناس ومشكلاتهم ومواجهتها بالمفهوم الإسلامي الذي يحبذ العدل ، ويحيي التضامن الاجتماعي، ويصنع الحلول الممكنة والمبدعة التي تكون عزاء للناس في ظل السلطة الأنانية المستحوذة على خيرات الوطن وإمكاناته لحسابها وحساب أتباعها من العبيد وكهنة آمون !
ولعل في تجربة أتباع سعيد النورسي في تركيا نموذجا يحتذي ، حيث ضمت الملايين من الشباب والشيوخ ، من الرجال والنساء ، وصنعت قاعدة شعبية على امتداد قرن من الزمان ؛ تملك الإرادة واليقين ، وتقوم بإزهار الشجرة من جذورها وليس من فروعها ، وقد عملت على بناء البشر قبل الحجر ، فأثمرت في أيامنا حالة من العمل المنظم المثمر الذي شعر به الناس على أرض الواقع ،وقدم للدنيا حكومة عالجت الخلل الشنيع الذي صنعته العلمانية الكافرة التي لم تبال بالإنسان ولا الحيوان ، وتنكرت للإسلام ، وعلقت علماءه على المشانق في شتى أرجاء تركيا ، وحرمت اللغة العربية ، وأعلنت تبعيتها الصريحة والكاملة لدول الإجرام الاستعماري الصليبي .
وليس من المعقول أن تنبري بعض الفصائل الإسلامية لمهاجمة بعضها الآخر ، والنفخ في قراب الخصومة واللدد ، والانحياز إلى السلطة البوليسية الفاشية ، بسبب بعض الخلافات المحتملة فقهيا أو حركيا . فالعدو الذي يريد محو الإسلام لا يفرق بين مسلم ينتمي إلى حركة ما أو تنظيم ما أو حزب ما أو جماعة ما . إنه يضع كل المسلمين حتى من يدعون منهم الليبرالية والعلمانية والماركسية في سلة واحدة ، يسعي لنسفها وتحويلها إلى رماد .. فهو عدو فاجر لا يعرف الرحمة ، ولا يقبل بالتسامح ، وكذلك أتباعه وأعوانه ممن يحملون أسماء إسلامية ويسرقون الأوطان والشعوب ، ويسلبونها حريتها وكرامتها ومستقبلها .
إن خدمة الإسلام لا تعني منصبا أو وظيفة أو جاها أو فرضا لرؤية ذاتية معينة ، والذين يتصورون أن الحركة الإسلامية فيها مغانم دنيوية فعليهم أن يذهبوا إلى حزب السلطة ففيه حصانة وأموال وامتيازات ، غير مشروعة ، ولكنها تشبع الطامحين إلى الدنيا !