ساعة السلام حلت على بلاط صاحبة الجلالة

وتحول القتلة إلى ملائكة يدعون إلى نبذ الخلاف

بين العواصم العربية

حسام عبد البصير

تجريف العقل السياسي المصري!...والجامعات في قبضة الأمن

القاهرة ـ «القدس العربي»أخيراً قدر لدعاة الفتنة في الفضائيات والصحف المصرية أن يتوقفوا، وأن يخبئوا بضاعتهم الفأسدة،.. كتاب الغفلة والندامة الذين ظلوا يمثلون شاهد الزور صبيحة كل يوم من أجل أن يشعلوا الحرائق ضد العواصم العربية، آن لهم الآن التوقف عن تقديم بضائعهم المسمومة، التي كانوا يرسلونها للقراء المخدوعين على أمل أن يحصدوا الغنائم.. ونظرة عابرة لصحف الجمعة سترى تغييراً لا تخطئه العين، فالذين كانوا يكتبون بالدم بدلاً من الحبر تحولوا في غمضة عين لملائكة يدعون للوحدة بين العواصم العربية ويتحدثون عن الدوحة، وكأنهم يتحدثون عن «يتيمة» لا بد من العطف عليها والتودد إليها، بعد ان كانوا يرون فيها «الشيطان الرجيم». هي ساعة السلام إذن حلت على بلاط صاحبة الجلالة، حيث تحول القتلة إلى ملائكة يتحدثون عن حق المسلم على المسلم وأهمية القضاء على الفرقة ونبذ الخلاف بين العواصم العربية والتطلع لغد يسوده الوئام والمحبة. 

تبددت السحب السوداء عن الصحف في ما يخص العلاقات العربية ـ العربية، وإن كانت روح العاشق تلك التي تقمصها الكثير من الكتاب لم تعرف طريقها عند الحديث عن الإخوان وأنصارهم، فهؤلاء لازالوا الخطر الاكبر الذي ينبغي تصعيد الهجوم ضده على مدار الساعة. وإن كان معظم دعاة الفتنة قد ابتلعوا ألسنتهم إلا ان قليلا منهم لازالوا يشعلون النار كنوع من المزايدة، فراحوا يشككون في إمكانية التوصل لصلح مع قطر، وظلوا على عنادهم داعين الرئيس وأركان حكمه لليقظة والحيطة، وقد شهدت صحف أمس المزيد من الهجوم ضد سائر التيارات الإسلامية، خاصة تلك التي أعلنت دعمها لانتفاضة الشباب المسلم المقرر أن تتم في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، ودعا الكثيرون من الكتاب الشرطة لقتل المتظاهرين بالرصاص الحي، لقمع تلك الانتفاضة. كما تناولت الصحف العديد من القضايا واستمر الكتاب الداعمين للرئيس السيسي في تهنئته بعيد ميلاده وإلى التفاصيل:

وشهد شاهد من أهلها.. السيسي انقلب على مرسي

لا يستطيع المراقبون الذين يتمتعون بالحيادية بين المعسكر الداعم للرئيس السيسي، أن يصمتوا للابد، عما حدث من إنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، وها هو عمرو الشوبكي، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يؤكد، ان الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، تمت بطريقة غير شرعية. وأضاف الشوبكي خلال جلسة لمؤتمر معهد الشرق الأوسط، بعنوان «متاعب التحول في مصر وتونس وليبيا واليمن»، أن العملية الديمقراطية في البلاد تسير بشكل خاطئ. وأشار إلى أن الأزمة التي تمر بها البلاد راجعة في الأساس إلى فشل التجربة الأولى. وأضاف: «هناك مؤيدون داعمون للرئيس الحالي للبلاد، وهم قارنوا الوضع بما يحدث في سوريا والعراق وليبيا، واختاروا الدولة الوطنية السلطوية أفضل من الفوضى». وفي سياق مواز حلت حالة من الصدمة على المهتمين بحقوق الإنسان على إثر اعتقال القيادي الاخواني محمد علي بشر، وقد أعربت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عن قلقها لإلقاء القبض عليه، مطالبة بالافراج عنه وعن الذين لم يرتكبوا أعمال عنف أو قاموا بالتحريض عليه. وكانت قوة من مباحث قسم شبين الكوم والأمن الوطني والأمن العام، ألقت القبض على الدكتور محمد علي بشر، بتهمة التحريض على العنف والتظاهر ضد الدولة. وجددت المنظمة في بيان لها، مساء الخميس، رفضها للدعوة لمظاهرات يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني، وأكدت على ضرورة مواجهة هؤلاء الذين يدعون للعنف بشكل واضح وانزال حكم القانون عليهم. ومن جانبه، أكد حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة، أن الدعوة للتظاهر ليست جريمة طالما انها سلمية، مشيرًا إلى أن بشر من الشخصيات التي ترفض العنف».

 

 

الشعب المصري تم تجريفه ليعيش على هامش الحقل السياسي

 

لسان الحال أبلغ من أي مقال، ولسان الحال في مصر يقول الآن إن الدين للأزهر والوطن للعسكر، كما يؤكد السعيد الخميسي في «الشعب»: «ليس تهكما أو سخرية أو استهزاء من أحد، بقدر ما هو واقع يبصره كل ذي عينين، ويشعر به من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. الواقع يقول إن الوطن تم اختزاله في مؤسستين من مؤسسات الدولة ألا وهما الأزهر لفرض الوصاية الدينية، والمؤسسة العسكرية لفرض الوصاية السياسية. أما الشعب المصري من ألفه ليائه فهو بعيد عن المشهد، وتم تجريفه ليعيش على هامش الحقل السياسي كالأصم الذي لا يسمع والأعمى الذي لا يرى. ولست هنا بصدد نقد الأزهر كمؤسسة، لان فيها أوفياء بالعهد والوعد. ولكنى بصدد علماء السلطان الذين ينامون على سرير كل نظام من فصيلة علماء «أضرب في المليان» ويلفت الكاتب الانتباه إلى أنه لا ينتقد الجيش بأكمله، بقدر ما انتقد نفرا قليلا من القادة دسوا أنف الجيش في تراب السياسية، وغبروا وجهه بغبارها. ولاينسى التاريخ الشيخ علي عبد الرازق كما يشير الخميسي، وهو من علماء الأزهر وكتابه الذي صدر عام 1925. وقد رفض الشيخ في هذا الكتاب أن يكون الإسلام دينا ودولة. وزعم أن الإسلام دين فقط. كان في هذا الوقت في مصر علماء يزنون ثقل الجبال في العلم والفهم والفقه. فوقفوا له بالمرصاد وأدحضوا حججه وفندوا مزاعمه. لقد أدى هذا الكتاب إلى ضجة سياسية ودينية كبيرة آنذاك، ما جعل هيئة كبار العلماء بالأزهر تنعقد لمحاكمة علي عبد الرازق، وتخرجه من زمرة علماء الأزهر، وتسحب منه رسالة الدكتوراه وتفصله من العمل كقاض شرعي. ويرى الكاتب ان هناك شريحة من علماء السلطان اليوم يريدون أن يحتكروا الإسلام وكأن معهم صكوك الغفران كتلك التي كانت في أوروبا في العصور الوسطى».

الجامعات في قبضة الأمن حتى إشعار آخر

العسكر يفتشون في ضمائر أهل الجامعة وقلوبهم، ويصدرون فرماناتهم بتحديد نظامها، وطريقة الدخول والخروج منها، ويفتشون الأساتذة والطلاب، ويدّعون عليهم بتهريب الأسلحة إلى داخلها، من دون أن نجد لهذه الأسلحة نشاطا يتحدث عنه الناس، أو حتى أبواق الانقلاب، فهي أكاذيب يردّدونها لتبرير تدخل العسكر السافر في قمع الجامعة، كما يقول حلمي محمد القاعود في «الشعب» حيث يندد بتركيع الجامعات وإذلالها وتكميم أفواه أبنائها وفرض التخلف عليها وتحويل بعض منسوبيها (الوطنيين) إلى بصّاصين مأجورين للإبلاغ عن الأساتذة والطلاب. «لقد صادروا إرادة الأساتذة في اختيار من يتحمل مسؤولية الرئاسة والعمادة، وانطلقت الأبواق الأمنية المأجورة تتحدث عن أن الأساتذة لا يحسنون اختيار المسؤولين، وهو أمريثير الضحك في زمن البكاء. إذا كان أساتذة الجامعة صفوة المجتمع في العلم والثقافة، لا يحسنون اختيار مسؤوليهم، فهل يستطيع الأقل ثقافة أن يحسن الاختيار، ويضع على رأس المسؤولية الشخص الأفضل؟ لقد منح الانقلابيون أنفسهم حق تعيين رؤساء الجامعة وعمداء الكليات وبقية وظائف النواب والوكلاء، وعدلوا قانون الجامعات ليس من أجل تحسين أحوال الأساتذة والطلاب، ولكن من أجل التنكيل بهم وتحويلهم إلى كائنات تسمع وتطيع وتسبح بحمد البيادة. انظر مثلا إلى عدد الذين تم إقصاؤهم من الجامعة بسبب رفض الانقلاب وعدم تأييده وفقا لإحصاء «حركة جامعة مستقلة»؛ حيث تعرض منذ الانقلاب 218 عضو هيئة تدريس في 26 جامعة حكومية وخاصة ومراكز بحثية للفصل والسجن والنقل، بالإضافة إلى مقتل ثمانية، واعتقال181 (أخلي سبيل 20 منهم)، ومطاردة 25، وفصل 8 عن العمل لانتمائهم السياسي، وآرائهم الفكرية، وإقالة رئيس جامعة بورسعيد المنتخب. ومن بين الأساتذة المعتقلين 3 عمداء كليات، منتخبين بجامعات دمياط وطنطا وحلوان، إضافة إلى الدكتور محمد مرسي الأستاذ بجامعة الزقازيق».