لا يا سيد عباس الحرب مع الصهاينة دينية في الأساس وبامتياز

لا يا سيد عباس

الحرب مع الصهاينة دينية في الأساس وبامتياز

ولا تسترجع المقدسات بالمفاوضات بل بالانتفاضات

محمد شركي

[email protected]

جرت العادة أن الجهة الفلسطينية التي اختارت سبيل المفاوضات مع الكيان الصهيوني تسارع إلى إدانة عمل الجهة التي اختارت المقاومة إرضاء للعدو . فبمجرد تنفيذ عملية الهجوم على الكنيس الصهيوني بادر الرئيس عباس إلى الإدانة الشديدة بالرغم من كون الصهاينة حملوه مسؤولية العملية واتهموه بالتحريض عليها . ولم يقف عباس عند حد إدانة العملية الفدائية بل حذر من تحويل الصراع مع الكيان الصهيوني مما سماه صراعا سياسيا إلى صراع ديني . ويستغرب هذا التصريح من رجل أوكل إليه الشعب الفلسطيني الدفاع عن قضيته العادلة وهي إنهاء الاحتلال الصهيوني في أرض فلسطين العربية الإسلامية . ومعلوم أن الدافع وراء احتلال الصهاينة لأرض فلسطين كان دافعا دينيا قبل كل شيء ، وهو ما سماه الفيلسوف الفرنسي المسلم رجاء جارودي "الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل " وأكبر أسطورة قام عليها وجود الكيان الصهيوني هي أسطورة الهيكل المزعوم ، وهي أسطورة دينية حيث يزعم الصهاينة أن لهم حقا دينيا تاريخيا في أرض فلسطين . ولم يكن في يوم من الأيام الصراع مع المحتل الصهيوني سياسيا بل كان منذ نشأته دينيا بامتياز . وعباس الذي ندد بالهجوم على الكنيس واعتبره تحولا من السياسة إلى الدين لم يندد باقتحام وتدنيس الصهاينة مسؤولين ومستوطنين المسجد الأقصى واعتقال أهله المرابطين فيه ، والاعتداء على المرابطات بخلع حجابهن وتمزيق وتدنيس نسخ القرآن الكريم . ولم يعتبر عباس أن الهجوم على الكنيس الصهيوني إنما هو رد فعل على الهجوم على المسجد الأقصى ، وأن الصهاينة يعتبرون الصراع مع الفلسطينيين دينيا في حين يحذر عباس من تحول الصراع من سياسي إلى ديني. ومعلوم أن عباس يروم بتصريحه هذا النيل من شركائه الفلسطينيين الذين يختلفون معه في طبيعة التعامل مع الكيان الصهيوني ذلك أنه اختار أسلوب التفاوض ، والتفاوض أساسه التشارك والتساوي والحقيقة أن التفاوض بين عباس والصهاينة لا وجود للتساوي أو التشارك فيه حيث يمثل الصهاينة الجانب الأقوى ، وعباس الجانب الأضعف . وفي مثل هذه الحالة لا يمكن تسمية الحوار بين جانب أقوى وآخر أضعف بالتفاوض بل هو الإملاء حيث يملي الأقوى على الأضعف ما يشاء . ومعلوم أن عباس وهو على رأس التيار المراهن على التفاوض يرتزق بمكاسب التيار المراهن على المقاومة . والكيان الصهيوني في حقيقة الأمر لا يلقي بالا لتيار عباس بل يستعمله من أجل تسخيره لإضعاف تيار المقاومة وسحب البساط من تحت أقدامه . والكيان الصهيوني لا يقلقه تيار عباس بل يقض مضجعه تيار المقاومة . ولولا هذه المقاومة لما التفت الكيان الصهيوني مجرد الالتفات إلى تيار عباس . ومن المعلوم أن اليهود معروفون تاريخيا بالخبرة في إدارة الجدال الفارغ الذي لا طائل من ورائه ، وقد مارسوه حتى مع أنبياء الله صلواته وسلامه عليهم ، فما بال من كان دونهم مكانة . ويظلم البيزنطيون عندما ينسب إليهم الجدل العقيم والحقيقة أن يسمى الجدل العقيم جدلا يهوديا ، وهو جدل صوره القرآن الكريم بشكل جلي ، ذلك أن القوم الذين جادلوا الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في أمور معجزة كبقرة موسى ومائدة عيسى عليهما السلام لا ينتظر منهم إلا الجدل العقيم فيما سوى ذلك . والمفاوضات التي انطلقت مع الصهاينة منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود هي نموذج واضح على الجدل اليهودي العقيم حيث لم يحصل الطرف الفلسطيني على شيء ، وكانت مدة الجدل العقيم كافية لتحقيق ما يصبو إليه الكيان الصهيوني من استيطان وتكريس للاحتلال. ومعلوم أن الاحتلال الصهيوني هو أول مستفيد من الأحداث التي تجري في العالم وخصوصا في العالم العربي حيث يسخرها لصالحه . فالغرب يتذرع بما يسميه الحرب على الإرهاب من أجل الإجهاز على ثورات الشعوب العربية في ربيعها ، وإفراغها من دلالتها عن طريق زرع العصابات الإجرامية المسلحة ، وهي صناعة مخابراتية وسط ثورات الشعوب العربية الثائرة على الأنظمة الفاسدة مخافة أن تفضي هذه الثورات إلى بروز ما يسميه الغرب الإسلام السياسي كما كان الشأن في مصر التي دبر فيها انقلاب عسكري لمنع التجربة الديمقراطية التي أوصلت حزبا إسلاميا إلى مركز القرار . والكيان الصهيوني يرتزق بذريعة محاربة الإرهاب ذلك أن الإرهاب بالنسبة إليه هو تيار المقاومة الرافض لاحتلاله للأرض الفلسطينية . ووجد الكيان الصهيوني الذريعة المناسبة لوصف تيار المقاومة بالإرهاب خصوصا وأن فصائل من هذا التيار إسلامية التوجه . ولا يميز الكيان الصهيوني بين إسلام المقاومة الفلسطينية وإسلام الأحزاب السياسية التي وصلت إلى مراكز القرار بعد ثورات الربيع العربي كما هو الحال بالنسبة لحزب العدالة والحرية المصري . والغرب مع الكيان الصهيوني في تعريفه للإرهاب ، ذلك أن كل فرد أو جماعة تتبنى التصور الإسلامي الرافض للهيمنة الغربية والاحتلال الصهيوني يدخل في دائرة الإرهاب . وبتوظيف العصابات الإجرامية وهي صناعة مخابراتية غربية في بعض بلاد الربيع العربي سهل على الغرب وعلى من يخضع له ويسير في فلكه توجيه تهمة الإرهاب لكل من فيه رائحة الإسلام بما في ذلك جمعيات العلماء والجمعيات الخيرية والحقوقية ... وكل من طالب بتخليص المسجد الأقصى والقدس الشريف من التهويد يحسب على الإرهاب لا محالة . ومن أجل تلطيخ سمعة الأقصى نسبت إليه صناعة مخابراتية سرعان ما ربطت بالصناعة المخابراتية في العراق وسريا ،وهي ذريعة توظف من أجل رمي عصفورين بحجر :الأول هو تشديد الحصار على المقاومة الإسلامية في قطاع غزة ، والثاني هو تبرير الانقلاب على الشرعية والديمقراطية في مصر ، وهو عبارة عن جريمة حرب لا غبار عليها ولا يقل جرما عن جرائم الحرب الصهيونية في قطاع غزة التي سكت عنها ما يسمى العالم الحر سكوت الشيطان الأخرس علما بأن العالم الحر يدعي الوصاية على الديمقراطية في العالم ولكنها الديمقراطية التي توصل إلى مركز القرار من كان على ملة الغرب وهواه فقط . والمؤامرة الكبرى التي تطبق اليوم في العالم العربي وبخبث ومكر بإيعاز من الغرب والكيان الصهيوني هو الخلط بين المقاومة وثورات شعوب بلدان الربيع العربي وبين العصابات الإجرامية التي صنعت صناعة مخابراتية بغرض تشويه المقاومة والثورات النظيفة كثورة الشعب السوري والشعب العراقي ضد الاستبداد والحكم الطائفي . ولقد بدأت بوادر هذه المؤامرة تطفو على السطح من خلال وضع دول عربية لوائح لتنظيمات إرهابية أدرجت ضمنها تنظيمات علماء دين ، وجمعيات خيرية .... ، ومن خلال اعتقال دول عربية أخرى من يدين ممارسات تهويد المسجد الأقصى والقدس الشريف حيث يعتبر محرضا على قيام انتفاضة جديدة من شأنها أن تحول دون مؤامرة التهويد التي تستهدف ما يسمى تقسيم المقدسات زمنيا تمهيدا لتقسيمها مكانيا والانتهاء إلى إقامة ما يسمى الهيكل والذي من أجل إقامته وقعت فلسطين تحت الاحتلال خلاف ما يعتقد عباس الذي استنكر الخلاف الديني مع الكيان الصهيوني الذي لا يخفي أن خلافه مع الفلسطينيين وعموم العرب هو خلاف ديني ، وذلك من خلال حملات تدنيس المقدسات من طرف مسؤولين صهاينة ومستوطنين من المتطرفين المحسوبين على التدين .ولن تسترجع يا سيد عباس المقدسات بالمفاوضات بل بالانتفاضات التي لولاها ما قبل الصهاينة الجلوس على طاولات الجدل اليهودي العقيم معك.