إلى اللّوبي الإيراني التطوّعي من أهل السنة

د. محمد بسام يوسف*

[email protected]

لِفَهْم ما يجري في منطقتنا حالياً، نذكِّر بما قلناه في مناسباتٍ سابقة، بأنّ المشروع الفارسيّ الصفويّ الشعوبيّ، يرتكز إلى ركيزتَيْن أساسيّتَيْن، تماثلان إلى حدٍ بعيدٍ ما يرتكز عليه المشروع الصهيو-أميركي ضد الأمَّتَيْن العربية والإسلامية:

1- الركيزة الأولى: غَرْسُ بذور الفتنة الطائفية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كالذي يجري بوضوحٍ في العراق وسورية ولبنان، وفي الكويت والبحرين والسعودية واليمن.. وذلك عن طريق استهداف أهل السنّة، وزيادة النفوذ الشيعيّ، بواسطة بناء الحوزات والحسينيات والجمعيات الخيرية والمراكز الثقافية والمؤسّسات الطبية والصحية واستغلال فقر الفقراء.. وبواسطة تغيير التركيبة السكانية، بتشجيع الهجرة الشيعية إلى تلك المناطق، وبتهجير أهل تلك المناطق منها.. وما يرافق ذلك من حملات التشييع النشطة في المجتمع السنيّ، لاسيما في سورية، تلك الحملات المدعومة بكل الوسائل المادية والسياسية والأمنية، وبالتغطية الكاملة من قِبَل النظام الطائفيّ السوريّ.

2- الركيزة الثانية: الدفع باتجاه تفتيت الكيانات السياسية العربية والإسلامية القائمة أو إضعافها، بقصد الهيمنة عليها، إما بشكلٍ مباشر، أو عن طريق الوكلاء الطائفيين الذين يُزرَعون في مجتمعاتنا، بعد إمدادهم بكل أسباب القوّة المالية والتسليحية والأمنية والاقتصادية والبشرية والإعلامية والشعاراتية، مقابل تقديم الولاء الكامل لوكيل الإمام الغائب المنتَظَر أو (الوليّ الفقيه) القابع في طهران، وهو علي خامنئي حالياً والخميني سابقاً، وتنفيذ أوامره بدقةٍ والتزامٍ كاملَيْن، بناءً على عقيدةٍ دينيةٍ صفوية، تستند إلى عقيدة: الإمام الشيعيّ الغائب، المنتَظَر خروجه من سردابه الذي دخله طفلاً منذ مئات السنين!.. وهذا ما يعبّر عنه الرئيس الإيرانيّ (أحمدي نجاد) في كل مناسبة: (إنّ الإمام المهدي يُدير العالَم، وإننا نرى يده المدبِّرة في شئون كل البلاد، وقد حان الوقت لننهض بواجباتنا العالمية، فإيران ستكون محور قيادة العالَم)!.. (خطاب نجاد في 7/5/2008م).. وكان نجاد قد قال بعد انتخابه رئيساً لإيران في عام 2005م: (إنّ المؤمنين بالتعاليم الإلهية، يفعلون ما بوسعهم للتعجيل بعودة المهديّ المنتَظَر)!.. (الشرق الأوسط، نجاد يعوّل على المهدي المنتظر، 8/5/2008م).. وهم يعتقدون أنّ الإمام الثاني عشر الغائب المنتَظَر، سيظهر ليقتل (غير) الشيعة، كما يعتقدون أنّ توسّعهم وتمدّدهم وامتلاكهم القوّة والنفوذ، سيعجّل في ظهور إمامهم الغائب هذا!..

على هذا، فقد أعلن زعيم حزب خامنئي اللبنانيّ أكثر من مرةٍ على الملأ.. أعلن ولاءه للوليّ الفقيه الفارسيّ الإيرانيّ (خامنئي)، وجدّد بيعته له، واعتبر نفسه الوكيل الشرعيّ له في لبنان، وهذا في الحقيقة هو الإسفين الرئيسيّ الذي زرعه أصحاب المشروع الفارسيّ الصفويّ، لانتزاع ولاء الحزب وأنصاره من ولاءٍ للوطن اللبنانيّ ومصالحه الوطنية، إلى ولاءٍ مُطلَقٍ لطهران وقمّ، ولمصالح إيران ومشروعها التوسّعيّ الطائفيّ، وقد انكشفت هذه الحقيقة بوضوح، بأنها الناظم الرئيس لكل سياسات الحزب وتوجّهاته وتحرّكاته ومخطّطاته وممارساته على الأرض اللبنانية.. فكل ذلك كان وما يزال يتم، بهدف تنفيذ مخطّطاتٍ خارجيةٍ طائفيةٍ إيرانيةٍ مشبوهة، مؤسَّسَةٍ على عقيدةٍ دينيةٍ معشّشةٍ في رؤوس القائمين على تنفيذ المشروع المشبوه، على طريق ابتلاع لبنان، واستخدامه ورقةً في المساومات الدولية والإقليمية على اقتسام النفوذ مع أميركة والكيان الصهيونيّ!..

*     *     *

لتكميل وصف المشهد، الذي يرسمه بعض المتفيهقين الذين أغلقوا عقولهم، واكتفوا بالاستماع للشعارات المدوّية المزيّفة، التي يبرع في إخراجها وإطلاقها أحفاد ابن العلقميّ.. هؤلاء المنتمون إلى ما يسمى بالنخبة المثقّفة من بعض التيارات السياسية القومية والإسلامية، يرون أنه أسهل شيءٍ على المرء أن يُجَمِّدَ عقله الذي أنعم الله عزّ وجلّ به عليه، كي لا يتعب في محاكمة ما يجري محاكمةً عقليةً سويّةً توصله إلى الحقيقة، واقتصروا على محاكمة الموقف الحالي والمواقف التي سبقته، من خلال الشعارات المرفوعة، مع أنّ أي مواطنٍ عربيٍ أو مسلمٍ في طول العالَم وعَرضه، بات يعرف حقيقة أصحاب شعارات: الوحدة والحرية والاشتراكية، وأصحاب الشعار الاستهلاكيّ: أمة عربية واحدة، ذات رسالةٍ خالدة.. وأصحاب شعارات المقاومة والممانعة والأخوّة الإسلامية والعربية، وما إلى ذلك من أساطير تُسفَح على إيقاعها كرامةُ الإنسان العربيّ والمسلم، بنفس الطريقة التي يُسفَح فيها دمهما وعِرضهما وتُزهَق فيها روحهما، بأبشع صورةٍ ممعنةٍ في الحقد واللؤم والجريمة، وذلك في العراق وسورية وإيران ولبنان، على أيدي أبناء التَّقِيَّة، التي يعتبرونها شرطاً، لاكتمال إيمانهم بدينهم الباطنيّ.. وهذا ما يدفعنا للتساؤل:

1- هل سأل المغشوشون من بعض قيادات الحركات الإسلامية والأحزاب القومية وبعض شخصياتها، الذين صدعوا رؤوسنا بتنظيراتهم وتحليلاتهم السياسية العجيبة، التي تُبَرِّر كلَّ الممارسات الإجرامية لميليشيا حزب خامنئي اللبنانيّ، وتدافع عن أربابه الإيرانيين والنظام السوريّ، تلك التحليلات البعيدة عن الواقع والمسؤولية ومعايير العقيدة والنخوة والمروءة والحميّة، على الرغم من انكشاف كل الحقائق.. هل سألوا أنفسهم، لماذا يزور الرئيسُ الإيرانيّ (نجاد) بغدادَ المحتلّة علناً، بحماية الجيش الأميركيّ، مع أنّ الرئيس الأميركي (بوش) نفسه، كان يزورها سرّاً؟!.. ومع أنّ شعارات العداء بين الطرفين لا تُبقي ولا تَذَر؟!..

2- وهل سألوا أنفسهم، لماذا دمِّرَت بيروت واعتُدِيَ على أهل السنّة في لبنان، بالوقت نفسه الذي يقوم فيه النظام السوريّ (الممانِع)، الحليف الاستراتيجيّ للمعتدين على بيروت، بمفاوضة العدوّ الصهيونيّ عن طريق الوسطاء؟!..

3- وهل سألوا أنفسهم، كيف تكون قيادات الشيعة العراقية وأحزابها وجماعاتها وحكومتها، التابعة للوليّ الفقيه، عميلةً لأميركة والكيان الصهيونيّ في العراق.. ويكون حليفهم حزب خامنئي اللبنانيّ، التابع لنفس الوليّ الفقيه، مقاوِماً لأميركة والكيان الصهيونيّ في لبنان؟!..

4- وهل كلّفوا أنفسهم، بالبحث عن الطبيعة الأخلاقية الإسلامية، في ممارسات إيران وعملائها بحق بلاد العرب والمسلمين؟!.. فهل تحوّلت البلاد العربية والإسلامية إلى مَطيةٍ لمساومة أميركة على النفوذ والمصالح، مهما قُتِلَ من أبنائنا، ومهما دُمِّرَ من أوطاننا، ومهما نُهِبَ من ثرواتنا؟!.. إيران التي تحتلّ الجزر الإماراتية الثلاث، وتؤجّج نيران الفتنة في اليمن، وتستبيح العراق ولبنان، وتتمدّد في سورية بكل الأشكال، وتزرع عوامل الفرقة في دول الخليج العربيّ.. هل هي دولة إسلامية -كما تزعم وتزعمون- يا بعض النُخَب الثقافية والإسلامية والقومية؟!..

ليعلم هؤلاء المضلِّلون، بأنّ التاريخ لا يرحم، لأنّ الخطأ التاريخيّ الذي يقترفه زعيم أو قائد أو ذو شأن، ليس كخطأ تلميذٍ في مسألةٍ حسابية، فالخطأ التاريخيّ يترتّب عليه مستقبل شعوبٍ وأمم.. وليعلم هؤلاء، بأنهم سيرجعون إلى مليك السماوات والأرض، الذي سيحاسبهم على أي تفريطٍ بحمل الأمانة على وجهها المشرق الأصيل، من غير تسويفٍ أو محاباةٍ أو تضليل:

(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).. (البقرة:281).

               

* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام