منهجيّة النظام السوريّ في تدمير سورية
منهجيّة النظام السوريّ في تدمير سورية
د. محمد بسام يوسف*
يأتي قرار فصل سبعةٍ من (دكاترة) كلية الشريعة بجامعة دمشق، بعد سلسلةٍ من العدوانات السافرة على المسلمين السوريين والمسلمات السوريات، في سلك التربية والتعليم الجامعيّ، وذلك خلال الأشهر القليلة الماضية.. ومنذ أكثر من أربعة عقود، يقوم النظام الحاكم بعملياتٍ منهجيةٍ لتقويض كل مقوِّمات الحياة في سورية، وذلك على صعيد الإنسان، والدولة، والمجتمع.. فمنذ أن قفز حزب البعث إلى السلطة بانقلابه العسكريّ في الثامن من آذار عام 1963م.. بدأت عملية ممنهَجَة لتدمير سورية: الإنسان والمجتمع والأرض والدولة والوطن.. وتبع ذلك، قَفْزُ الطائفيين إلى هذه السلطة، ثم آلت الأمور (بعد التفريط بالجولانَ السوريَّ في حرب حزيران عام 1967م) بكل مفاصلها، إلى العائلة الأسدية والزمرة الفاسدة التي تتحكّم بكلّ تفاصيل الدولة والحياة السورية وجزئياتها.. وخلال أكثر من أربعين سنة، كانت محنة البلاد أشدّ محنةٍ تمرّ عليها في العصر الحديث!..
انقلاب البعث، وما تبعه من حكمٍ عائليٍّ طائفيّ اتخذ من الحزب مركباً للركوب على ظهر سورية.. قضى نهائياً على كل نسمة حريةٍ في بلد الحرية والحضارة والقِيَم، فجعلوا من الإنسان السوريّ آلةً مِطواعةً محطّمة الإرادة، مستخدمين بذلك كلَّ أساليب القمع والقهر والاضطهاد، ضمن حياةٍ استبداديةٍ رعيبةٍ لم يعد هناك مثيل لها في العالَم كله، إذ وصلت إلى أوج سُوئها وخبثها ورعونتها في عهد الوريث بشار أسد، فطبعت حكمه بطابعٍ خاصٍ شديد الخطورة خلال السنوات المنصرمة من تسلّطه!..
* * *
على صعيد السياسة الداخلية، تُحكَم سورية بالمادة الثامنة لدستور أسد، التي تعتبر الحزبَ الحاكمَ الوحيد، هو (الحزب القائد للدولة والمجتمع)، وحول هذا القطب تدور كل الدوائر، كان آخرها صناعة مجلسٍ من العملاء والوصوليين، أطلقوا عليه اسم: (مجلس الشعب)، وكان أول إنجازٍ لهذا المجلس المسلوب الإرادة والكرامة، هو (البصم) على ترشيح المرشَّح الوحيد من قِبَل ما يُسمى بالقيادة القطرية لحزب البعث الحاكم: بشار حافظ أسد، وهو نفس المجلس الذي قام بأكبر عملية احتيالٍ على الشعب السوريّ في صيف عام 2000م، عندما عدّل ما يُسمى بدستور أسد (الدائم)، فلوى عنق المادة رقم (83) من ذلك الدستور، لتناسب سنّ بشار أسد، فجعل الحدَّ الأدنى لعمر رئيس الجمهورية (34) سنةً بدل (40) سنة، لا لشيء، سوى لأنّ عمر بشار هو (34) سنة في ذلك الوقت.. فحوّل بذلك سوريةَ إلى أول جمهوريةٍ وراثيةٍ طائفيةٍ أسرويةٍ في التاريخ!..
وقد انتُهِكَت حقوق الإنسان بشكلٍ سافرٍ لم يسبق له مثيل أيضاً، فضُربَت منظمات المجتمع المدنيّ، وازدادت وتيرة الاعتقالات والمحاكمات الاستثنائية، واعتُقِل الأحرار من كل الشرائح السياسية والاجتماعية والعمرية، واستمر العمل بالقانون القاتل رقم 49 لعام 1980م، واستمرت أحكام الإعدام والسجن وعمليات الملاحقة، وكذلك استمرّت محنة المفقودين والمهجَّرين وسجناء الرأي من مختلف الأحزاب السياسية المعارِضة لهذا النظام المستبدّ!.. وزاد على ذلك، صناعة محنةٍ جديدةٍ للأشقاء (الأحوازيين العرب) اللاجئين في سورية، فشُنَّت بحقهم أبشع حملات الملاحقة والاعتقال والسجن والتنكيل، وتم تسليم بعضهم إلى الحليف الفارسيّ الصفويّ، الذي قام بإعدام عددٍ منهم بتهمة المقاومة السياسية والمدنية للاحتلال الإيرانيّ الفارسيّ!.. (انظر تقارير منظمات حقوق الإنسان السورية).
على صعيد السياسة الخارجية، وصلت سورية إلى أسوأ أيامها بعلاقاتها الخارجية، و(شطحاتها) السياسية، فتقطّعت أوصال العلاقات السورية عربياً وإقليمياً ودولياً، سوى العلاقات الطائفية الحميمية الإستراتيجية مع العدوّ الفارسيّ الصفويّ، ومع حزب خامنئي اللبنانيّ، ومع بعض ميليشيات القتل والجريمة الطائفية الشيعية العراقية.. وسوى العلاقات المبطّنة مع العدوّ الصهيونيّ والاستخبارات الأميركية، التي ظهرت في أوضح تجلّياتها بمصافحة بشار أسد رئيسَ الكيان الصهيونيّ (موشي كاتساب) الشهيرة، وبالمفاوضات السرّية السورية-الإسرائيلية، عبر الوسيط الطائفيّ (إبراهيم سليمان).. وكان إطلاق بشار أسد على بعض القادة العرب مصطلح: (أنصاف الرجال)، بعد انتهاء مؤامرة حرب تموز 2006م، التي فجّرها في لبنان الثلاثيّ: (إيران-النظام الطائفيّ السوريّ-حزب خامنئي اللبنانيّ).. كان ذلك ذروة التخبّط والغوغائية لسياسة هذا النظام!.. وهكذا، بدأت في سورية، التي فتح بشار أسد ونظامه كلَّ أبوابها أمام أصحاب المشروع العدوانيّ التوسّعيّ الصفويّ الفارسيّ.. بدأت حملات طائفية واسعة، يقودها أصحاب العمائم السود من فُرس (قمّ) و(طهران) الصفويين، ويتولّى كبرها السفيرُ الإيرانيّ في دمشق، بالتنسيق والتعاون مع أجهزة المخابرات السورية الطائفية وبعض أجهزة الدولة الفاسدة، وذلك لنشر التشيّع في سورية السنية، وقد بلغت هذه الحملات مَبلغاً بالغ الخطورة، فخلّفت احتقاناً اجتماعياً ودينياً أوشك أن يصلَ إلى حدّ الانفجار الشامل.. وكل مَن يعارض موجة التشييع الديني-السياسي التي تقوم بها المؤسّسات الإيرانية، المتواصلة في سورية عامةً، وكل مَن ينتقد أو يعارض أو يعبّر عن (عدم) سروره ورضاه لهذا العدوان الشيعيّ السافر.. يكون مصيره الاعتقال من قبل وحدات الأمن السورية، ويُتَّهم بالتهم العديدة.. فيما يتم التضييق المتعمَّد على أهل السنة، وعلى المؤسسات الدينية للأكثرية الكاثرة الساحقة السنية!.. (انظر صحيفة الشراع، أحمد الأيوبي، بتاريخ 22/10/2006م).
على الصعيد الاقتصاديّ والماليّ والإداريّ، لم تصل سورية في تاريخها من العجز الاقتصاديّ والماليّ، إلى ما وصلت إليه في عصر بشار حافظ أسد، فقد نمت طبقة الطفيليين من آل أسد ومخلوف (أقرباء بشار وشركائه التجاريين)، إلى درجة أنّ ابن خال بشار، الشاب (رامي مخلوف) الذي لم يتجاوز عمره الثلاثينات.. قد امتلك إمبراطوريةً ماليةً واقتصاديةً عائليةً خاصة، بمليارات الدولارات، لصالحه وصالح الأسرة الحاكمة، التي تنهب بجنون، وتسرق قوت الشعب وتدمِّر الاقتصاد السوريّ بخطىً حثيثةٍ مجنونةٍ لا يعلم إلا الله عز وجل إلى أين ستسوق بواسطتها الوطنَ السوريّ!.. كما بلغ الفساد درجاتٍ لم يسبق لها مثيل، فانهارت كانهيار (سدّ زيزون) منذ سنوات، معظمُ مؤسّسات الدولة، وانتشرت الرشوة، وترعرعت العصابات النهّابة في إدارات الدولة، ونمت شبكات الدعارة والمخدّرات والشذوذ، المحميّة من قِبَل أجهزة النظام، وانعدم الأمن الاجتماعيّ، وأفلست مؤسّسات الدولة المختلفة، وتراكمت الديون عليها بمئات الملايين.. وبلغت مديونية الدولة في عام 2006م إلى أكثر من (22) مليار دولار!..
على صعيد الفقر، فقد سجّلت الإحصائيات الرسمية ازدياد أعداد السوريين الذين يعيشون (تحت) خط الفقر، فوصل الرقم إلى (2,2) مليون نسمة في عام 2005م، مع تأكيدات الأوساط المختصة، أنّ هذا الرقم هو أقل بكثيرٍ من الأرقام الحقيقية التي تبلغ الملايين.. وأكثر منهم أولئك الملايين الذين يعيشون على خط الفقر تماماً!.. (انظر مقاربات، أسامة المصري).
على صعيد البطالة، فقد قُدِّر عدد العاطلين عن العمل في سورية حسب نتائج مسحٍ متعدّد الأغراض أُجْرِيَ في عام 1999م.. قُدِّر بـ (432) ألف شخصٍ عاطلٍ عن العمل، وارتفع هذا العدد مع نهايـة العام 2001م إلى (750) ألف شخص، وفي عام 2005م أصبح عدد العاطلين عن العمل أكثر من (1,2) مليوناً، ودائماً حسب التقديرات الرسمية، التي تقلِّل كثيراً من حجم المشكلة!.. (انظر مقاربات، أسامة المصري).
وعلى صعيد الأمّية، فقد بلغت نسبتها 28% من عدد السكان البالغ (17) مليون نسمة (في عام 2005م)، وذلك بعد ما يقارب النصف قرنٍ من حكم البعث، أي أنّ ثلث عدد السكان تقريباً أمّيون، ودائماً حسب الإحصاءات الرسمية التضليلية التي تقلِّل من شأن المشكلات الوطنية!.. (انظر مقاربات، أسامة المصري).
* * *
ماذا يريد العدوّ الصهيونيّ وأصحاب المشروع الأميركيّ أكثر من كل تلك الانتهاكات والممارسات، والنتائج الكارثية، التي يسوق نظامُ بشار أسد بها وإليها سوريةَ بشكلٍ ممنهَجٍ مدروس، لتدمير البنية الاجتماعية والأخلاقية والدينية والتربوية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتعليمية والعسكرية والأمنية، ولتدمير الكرامة الإنسانية السورية، وإيصالها إلى درجةٍ شديدة الإحباط، مع انعدامٍ تامٍ للثقة بالنفس؟!.. وذلك ليحوِّل سوريةَ من بلد المواجهة الرئيس القويّ لـ (إسرائيل)، إلى بلدٍ ضعيفٍ بلا كرامةٍ ولا مقوِّماتٍ ولا خطةٍ تحريريةٍ حقيقية.. وإلى دولةٍ بائسةٍ يتسوّل إنسانها رغيفَ الخبز وحبّةَ الدواء، وقد قتل الأسديون فيه كل مقوِّمات الإنسان، وكلّ عناصر الرغبة في المقاومة وتحرير الأرض والعِرض والشرف؟!.. فهل نستوعب ضمن هذه الحقائق الكارثية، معنى تصريحات قادة العدوّ الصهيونيّ المتكرّرة، بأنّ نظام بشار أسد هو (خيار صهيونيّ إسرائيليّ) ينبغي دعمه والمحافظة عليه، خوفاً من قدوم نظامٍ بديلٍ غير معروف الهوية لهذا العدوّ المجرم، الذي يحتل أرضنا، ويعيث فساداً بمقدّساتنا وأوطاننا؟!..
وبعد ذلك كلّه، يأتينا مَن يثرثر ببدع النظام الحديثة التضليلية التي يتّهم بها مُعارضيه: توهين نفسية الأمة، وإضعاف الشعور القوميّ..!..
بشار أسد ونظامه خيار صهيونيّ بصريح العبارات (الإسرائيلية)، فكيف يمكن أن يكونَ خياراً وطنياً سورياً لتحرير الأرض المحتلّة، وهو يدمِّر كل عوامل الحياة الوطنية السورية، ويقوِّض كل أسباب القوّة لشام التاريخ المشرق؟!..


* عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام