وأد الفتنة 1

وأد الفتنة..!!(1ـ4)

حسام مقلد *

[email protected]

تفاعلت في مصر على امتداد الأشهر الماضية أحداث طائفية كثيرة ومتداخلة أدت إلى حدوث احتقان طائفي ملغوم ألقى بظلال كئيبة على الكثيرين من عشاق هذا الوطن العزيز الغالي، وفجَّر لدى قطاعات واسعة داخله وخارجه قلقا بالغا ومخاوف مفزعة، زاد من حدة وقسوة كآبتها القاتمة ما نراه من محاولات محمومة للتفتت والتشظي والانقسام، تجري حولنا في عدد من دول المنطقة كالسودان ولبنان والعراق والصومال.

وبدلا من أن تتعامل مختلف أجهزة الدولة المصرية بشكل جاد وسريع، وتتحرك تحركا فوريا لتطويق الأزمة وحلها واحتوائها في أسرع وقت ممكن وجدنا هذا الكم الهائل من البلادة واللامبالاة وعدم الاكتراث، بل وربما التجاهل المتعمد؛ لحسابات ضيقة خاصة، أو لمصالح سياسية متبادلة ـ كما يعتقد الكثيرون...!!! ـ وعندما تصاعدت الأحداث، ولم تخمد النيران بدأ ـ على استحياء ـ بعض المسؤولين يتعاطون مع هذه القنبلة الموقوتة بنفس الأسلوب العتيق، الذي عفا عليه الزمن وأكل عليه الدهر وشرب، والقائم على المسكنات وعبارات المجاملة من هنا وهناك لِلَملمة الموضوع وتجميد الأزمة ونزع فتيل انفجارها!!

لكن الوضع لم يهدأ لاستمرار أسباب الأزمة المباشرة وغير المباشرة، وحاول البعض ـ في تبسيط مخلل وساذج ـ الزعم بأن هذا الاحتقان قد نشأ بسبب نقد الدكتور محمد سليم العوا لتصريحات الأنبا بيشوي الرجل الثاني في الكنيسة القبطية والتي زعم فيها: أن الأقباط هم "أصل البلد" وأن المسلمين "ضيوف عليهم" وأبدى بيشوي في هذه التصريحات استعداده لـ "الاستشهاد" دفاعا عن آرائه وتوجهاته (...!!!) ونشرت بعض الصحف والمجلات التابعة للحكومة صورتي كل من الدكتور العوا والأنبا بيشوي على اعتبار أنهما سبب هذا الاحتقان الذي يهدد السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية!!

ولا شك أن محاولة التهوين من خطورة الاحتقان الطائفي الأخير واختزال أسبابه في تصريحات لشخصين من كلا الجانبين ـ لا شك أن ذلك يعد كارثة في حد ذاته؛ فالاحتقان الطائفي المتصاعد بشدة هذه الآونة تغذيه عوامل كثيرة ومتنوعة منذ سنوات طويلة قدرها البعض بنحو أربعة عقود من الزمن (وبالتحديد39سنة...!!) ولا يجادل أي عاقل في أن هذا الاحتقان الطائفي يحمل في طياته أبلغ النُّذُر المهددة بأوخم العواقب إن استمر الوضع كما هو عليه الآن، ولابد من المناقشة الهادئة الموضوعية والمنصفة لهذه المشكلة الخطيرة من كافة أبعادها وأسبابها وتداعياتها المختلفة للوصول إلى حل ناجع لها.

 المؤامرة على مصر:

لن أدخل في جدل بيزنطي حول الفكر التآمري، ونظرية المؤامرة وهل هي حقيقة أم مجرد أوهام؟!! ولن أناقش هنا صدق أو كذب ما يقال عن مؤامرات وتسريبات استخباراتية نشرتها بعض الصحف والمجلات من السعي إلى تفكيك العالم العربي، وتقسيم مصر إلى أربع دويلات هشة...!! لكن بين أيدينا تقارير منشورة وبرامج إعلامية كثيرة تُبَثُّ في مختلف وسائل الإعلام العالمية  كإذاعة البي بي سي ... وغيرها، ومن بين عناوينها المثيرة: محنة الأقباط في مصر، اضطهاد الأقباط في مصر، الضغط عل مصر لتوفير حق المواطنة للأقباط....!! إلى آخر هذه العناوين الملتهبة المُهَيِّجة!!

وذات مرة سمعت بنفسي برنامجا طويلا في إذاعة البي بي سي روَّج فيه أحد متطرفي أقباط المهجر مجموعة من الأكاذيب والأضاليل والافتراءات، ومن بين تلك المزاعم الكاذبة:

1.    أن أكثر من نصف أقباط مصر يعيشون تحت خط الفقر.

2.    أن نحو60% من الأقباط يعملون في المهن الدنيا كماسحي الأحذية، وعمال النظافة، وعمال المراحيض...إلخ.

3.  أن الأقباط ممنوعون من دخول أغلب كليات القمة في مصر كالطب والهندسة والصيدلة، وإن دخلوا فبأعداد قليلة جدا!!

4.    أن الأقباط ممنوعون من تولي المناصب القيادية في مؤسسات الدولة كالوزارات والجامعات...إلخ.

5.  أن الأقباط ممنوعون من دخول الكليات العسكرية، ومَنْ يدخلها منهم يُمْنَعُ من الترقية في الجيش (وكذلك الشرطة...) بعد وصولهم إلى رتبة معينة من الرتب المتوسطة!!

6.    أن أبناء الأقباط في المدارس والجامعات مهمشون ومضطهدون من زملائهم المسلمين!!

7.    أن الأقباط ممنوعون من بناء الكنائس الكافية لهم.

وفي برنامج على شاشة البي بي سي كذلك زعمت إحدى الفتيات أن زميلاتها المسلمات يعتزلنها في الجامعة ولا يسلمن عليها لاعتقادهن ـ بحسب زعمها...!!!ـ بأن من تفعل ذلك منهن لا تُقْبَلُ منها عبادة أربعين يوما..!! وفي نفس البرنامج صرخت امرأة مسيحية من الصعيد قائلة:"إن مكانش حسني مبارك هياخد لنا حقنا هنجيب أمريكا تاخد لنا حقنا"(...!!!) وما يفعله أقباط المهجر في أمريكا وكندا وغيرهما في هذا السياق لا يخفى على أحد...، لكن الغريب والمحير فعلا أن كل هذه المزاعم والافتراءات لم يرد عليها أحد في هذه الإذاعات التي تَدَّعي النزاهة والحياد والموضوعية...!!! فلم أسمع أحدا مثلا يقول:

1.    كلا!! هذا ظلم وافتراء، ففي مصر وزراء أقباط.

2.    كلا!! إن في مصر عددا كبيرا من أساتذة الجامعات الأقباط.

3.    إن في مصر من الأقباط رتب عسكرية وأمنية كبرى تشغل أماكن حساسة في مختلف مفاصل الدولة المصرية.

4.    ولم أسمع من يقول: كلا!! إن هذه أباطيل وأضاليل فأكثر من نصف تجارة الذهب في مصر تتركز في أيدي الأقباط.

5.  كذلك فإن أكثر من نصف شركات صناعة الدواء وغيرها من الشركات في مختلف قطاعات الإنتاج في مصر تتركز في أيدي الأقباط.

6.  ولم أسمع أحدا يقول: اتقوا الله ففي مصر أعداد غفيرة من الأقباط يعملون: أطباء وصيادلة ومهندسين ومحامين ومدرسين وصحفيين...!!

7.  ولم أسمع أحدا يقول: اتقوا الله في مصر وشعب مصر فهم شعب واحد مسلمين وأقباط لا تستطيع أن تفرق بينهم؛ لأنهم يمتزجون امتزاجا قويا في الشارع والمدرسة والمصنع والشركة والمؤسسة يأكلون معا ويشربون ويلعبون ويخرجون ويسافرون ويرجعون دون أدنى تفرقة.

إن كل إنسان منصف ولديه ذرة من ضمير لا بد أن يشهد بأن أقباط مصر يحصلون على حقوقهم كاملة كمواطنين مصريين من الدرجة الأولى مثلهم في ذلك مثل أخوانهم المسلمين، بل يتفوقون عليهم ويتميزون عنهم أحيانا؛ مبالغة في إكرامهم ومراعاة لمشاعرهم، ولا يُعامَلُون مطلقا كأقلية في بلادهم رغم أنهم وفي أحسن الأحوال لا يزيد عددهم  عن 6% فقط من عدد السكان وفقا للإحصاءات الرسمية!!

وللحديث بقية بإذن الله تعالى.

               

 * كاتب إسلامي مصري