الزمن ليس لصالحنا
جميل السلحوت
من أخطر ما ضلل به الاعلام العربي الرسمي الشعوب العربية عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هو مقولة أن الزمن يعمل لصالحنا، فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر ما جرى ويجري في الأراضي العربية المحتلة منذ حرب حزيران 1967 العدوانية، لوجدنا أن اسرائيل تفرض حقائق على الأرض يصعب تجاهلها، وهي مخططة ومدروسة من أجل منع أيّ حلّ سلمي قادم يلزم اسرائيل بالانسحاب من هذه الأراضي، ومعروف أن المشروع الصهيوني يقوم على التوسع، وهو مشروع طويل الأمد وتتعدى أطماعه حدود فلسطين التاريخية، ولعل أول من انتبه الى اسرائيل تتحدث عن السلام فقط من باب العلاقات العامة، ومن أجل تضليل الرأي العام العالمي هو الراحل اميل حبيبي، فقد كان يصرخ دائما بأنهم لا يريدون السلام، واذا ما أرادت منظمة التحرير والدول العربية تعريتهم والتأكد من ذلك فما عليهم سوى رفع شعار السلام، وقد كان اسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل في العام 1991عند الذهاب الى مؤتمر مدريد صادقا مع نفسه ومع العالم عندما قال بعد أن رضخ لضغوطات جورج بوش الأب لحضور مؤتمر مدريد"سأفاوضهم عشرات السنين ولن أعطيهم شيئا" غير أن بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الحالي هو الأكثر وضوحا في سياساته، فهو مستمر بالاستيطان بما يعنيه من أن لا دولة للفلسطينيين، وأنهم لن يحصلوا الا على ادارة مدنية على السكان وليس على الأرض، ولم يخضع نتنياهو لضغوطات الادارة الأمريكية حتى بتجميد الاستيطان وليس وقفه، بل على العكس فان الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو الذي رضخ لمطالب نتنياهو بخصوص عدم وقف الاستيطان، أما وضع العرب فهو يدعو الى الشفقة كونهم أمة ارتضى لها قادتها الذل والهوان، فمبادرة السلام العربية التي طرحت على قمة بيروت لا تزال تراوح مكانها، بل تجري ضغوطات على قادة العربان كي يطبعوا علاقاتهم مع اسرائيل كبادرة حسن نية، لكن في الواقع هي مطالبة بالاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في حزيران 1967، وليس سرا أن بعض الدول العربية قد طبعت علاقاتها مع اسرائيل منذ سنوات تلبية لضغوطات"الصديقة"أمريكا، وافتتحت ممثليات اسرائيلية مكاتب لها في بعض العواصم العربية تحت مظلة مكاتب تجارية، ونتنياهو الذي يسابق الزمن في فرض حقائق استيطتنية وديموغرافية على الأرض، يعي ويدرك تماما أن أمريكا أو غيرها لن يضغطوا عليه لوقف ذلك، ما دام العربان أنفسهم لم يضغطوا لتحقيق ذلك، فقرارات القمم العربية، وما تبعها من قرارات لجنة المتابعة العربية زادت من قناعات نتنياهو بأن العربان غير مستعدين لفعل أيّ شيء لوقف سياساته التوسعية، وأن المبادرة العربية باقية على الطاولة الى الأبد،لأنه لن يتحقق منها شيئا،سوى ما يتعلق بالاعتراف باسرائيل، وأنه لن يتم سحبها أيضا لعدم وجود بدائل عند القادة العرب.
واذا كان العربان يراهنون على الوقت، فهل يعلمون أن عدد البيوت الاستيطانية في القدس الشرقية يساوي ضعف البيوت الفلسطينية مع أنه كان صفرا وقت وقوع المدينة تحت الاحتلال في حزيران 1967، وأن عدد مستوطني القدس الشرقية يزيد على الربع مليون نسمة في انه كان صفرا في نفس الفترة، وأن هذا العدد الذي يزداد يوميا يفوق عدد من تبقى من المقدسيين الفلسطينيين في مدينتهم. وقد زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية على ثلاثمائة الف مستوطن.
ونتنياهو الذي يدرك جيدا أن العربان غير مستعدين لفعل أيّ شيء يكدر سياساته التوسعية، وصل استخفافه بالقادة العرب درجة كبيرة عندما طرح قضية الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل مقابل تجميد الاستيطان لمدة شهرين، فهل القادة العرب مشاركون في تنفيذ السياسة الاسرائيلية التوسعية أم مناوؤون لها؟ واذا كان السكوت من علامات الرضا، فان الدلائل تضع ألف علامة سؤال على السكوت العربي الرسمي....وأن اسرائيل لن تكتفي بيهودية الدولة بل ستتعداها لتنفيذ سياسة الترانسفير-الطرد الجماعي- لمن تبقى من الفلسطينيين على الأرض الفلسطينية.

