بيزنس.. وتوريث

خبط.. لزق

محمد طعيمة

[email protected]

من منصات رأسمالية انطلق جمال قبل عشرين عاما ليطور مشروعه، من صندوق رأسماله مائة مليون دولار.. إلى حلم بـ"صندقة" الدولة. تقول النكتة: أن تمنح ابنك موبايل.. فأنت لطيف، أن تمنحه سيارة.. فأنت كريم، أن تمنحه بلدا وشعبا يلهو بهما مع أصحابه.. فأنت مبارك. ويقول المنطق البسيط إن توحش رجل أعمال في مجال ما.. يُهدر فرص "مجموعة" منهم في ممارسة نشاطهم في نفس المجال.

تلخص النكتة والمنطق القضية: تربيطة.. لا فئة ولا طبقة. "خطفة" من الظلم نسبتها للرأسمالية، لكنها كما كل خاطفي الأيديولوجيات، ترفع الشعار.. لتعيد إنتاجه مشوههاً وفق مصالحها الضيقة. لا فرق هنا بين موظف لدين أو قومية.. أو ليبرالية اقتصادية.

قبل نصف قرن من إعادة توظيف الشلة للرأسمالية، رفعت الثورة شعار "القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم". لكنه بكل سلبياتها كان "رأس مال" يتحرك ضمن دولة، يحافظ على "عزبته" وينميها.. ولو لخدمة طبقته. حينها وقبلها.. وغداً، ستظل "حياة" الدول تتمحور حول ضلعين رئيسيين: كتلتها الصلبة ودولابها الاقتصادي.. أياً كان لونه، وعلى "رشادة" العلاقة بينهما.. أياً كان شكلها، وعلى درجة نضج كل منهما. المشكلة الآن أن "تشوه رأسمالي" هو من يحاول إكمال "توريثه"، فلأول مرة في تاريخنا الحديث يلعب رجال أعمال دوراً فيمن سيحكمها، كما رصد معهد (كارنيجي) الأمريكي أول سبتمبر الجاري. لكن باحث المعهد (ستيفن رول) رسم صورة قاتمة لمستقبل هذا الدور، مؤكداً أن نفوذ رأسماليي جمال بلغ ذروته، أن العامَين الماضيين شهدا تراجعه لصالح الحرس القديم.

يصعب تحديد من هي نخبة الأعمال التي تلعب. فـ"تربيطة" بيزنس التوريث تضم خليطاً عجيباً: أبناء عائلات رأسمالية، إخوانجية، خلايجة، محتكري قطاعات بالسوق المحلي، مستفيدين من علاقات "خاصة" مع أمريكا.. المعونة أو بعثات طرق الأبواب أو إعمار العراق أو "كارتل" التجارة الأكثر جدلاً. أسماء قليلة يمكن تحديد خندقها.. أحمد الزيات، إبراهيم كامل، أحمد عز، حسين سالم وابنه خالد، طاهر حلمي، محمد منصور، أحمد المغربي، وحسب كارنيجي.. محمد أبوالعينين.

أبوالعينين، صنفه (ضياء رشوان) المتخصص في النظام السياسي المصري ضمن المنحازين لجهاز الدولة، مشددا على أن كبار المستثمرين "ينظرون إلى جمال كابن للرئيس، فقط. لم يتبن أحدهم مشروعه.. لا ساويرس ولا أبوالعينين ولا فريد خميس ولا حسن راتب. كتلة الأعمال بطبيعتها مع نخاع الدولة ومؤسساتها.. حيث مصالحهم الدائمة، جمال يفتقد دعمها.. رشوان سخر مما تردد عن صفقة توافق: أن يأتي.. خالصاً من "شوية العيال الأمريكان" كما وصفتهم شخصية فاعلة، وأن تطير رؤوس ارتبطت بالفساد. وقتها سيكون في مأزق، فوفق (ستيفن) يقف "جمال في الوسط".. إذا انفصل عن مؤيّديه، ستنقلب نخبته ضده. وإذا احتفظ بهم، بحث الحرس القديم والمؤسسات الرئيسية عن شخصية منها، تتمتع ببعض الشعبية لبعدها عن الفساد.

في نفس يوم نشر تقرير كارنيجي قالت القدس العربي إن جهة سيادية رفعت للأب تقريرا حذر من انفجار البلاد بسبب سياسات حكومة رجال أعمال جمال، فاستجاب بقرار مفاجئ حسم اختيار "الضبعة" موقعا لأول مفاعل نووي مصري رغم طمع حلفاء للابن فيها، وأمهل الحكومة 30 يوماً لإغلاق ملف أراضي الدولة التي حقق مقربون من جمال ثروات طائلة من المضاربة فيها. قلق مماثل يشهده عالم البيزنس، عبر عنه نجيب ساويرس أمام قمة الإيكونوميست الأربعاء الماضي: ما يشغل الاستثمار في مصر هو مستقبلها السياسي. قلق "مُركب" يعود لسنوات، من توحش بيزنس التوريث ضد منافسيه ومن تداعياته الاقتصادية والاجتماعية، كشفت بعضه (الفجر) قبل أربع سنوات في مقال تفصيلي فريد، وقبل أشهر عبر رجل أعمال "تقيل" لصحفيين عن مخاوفه من "ثورة جياع" وعن عدم اطمئنانه للتحرك "وسط الناس". قلق من فوضى تصحب توريث جمال أو من فرملة التوجهات الرأسمالية إذا وصل غيره. لكن يبدو أن هناك نقطة التقاء مثيرة تجمع أطراف عدة.. (رشيد محمد رشيد). أشاد به بوش قبل سنوات ليظل مطروحا كرئيس وزراء، ورشحه رجل دولة بحجم الأستاذ هيكل رئيساً لوزراء فترة انتقالية اقترحها وبطرس غالي نائباً له. اتهمه رأسماليو جمال بتوجهات ناصرية حينا.. وبالقفز للدولة العميقة حينا. تصادم مع أحمد عز ومع محمود محي الدين بسبب "رتم" النيوليبرالية، وسخر من بناء الدولة للمصانع.. مشددا: لا عودة للستينيات.

نهاية أغسطس 2010 يورد تقرير مركز (ودرو ويلسون) التابع للوبي اليهودي، أن مبارك الأب طمأن واشنطن على مستقبل الحكم بمصر "أعددنا الترتيبات اللازمة"، وبعد أسبوع يرصد كارنيجي تعثر مشروع التوريث.. الذي "يؤمن" ضياء رشوان بأنه انتهى تماماً، وهاهو محمود محيي الدين يقدم قرينة إضافية بتركه حقيبة الاستثمار التي فُصلت على هواه. فالوزير الذي رسم وسعى لتنفيذ سياسات النيوليبرال يبدو كمن يقفز من مركب يغرق، والأرجح كما د.جلال أمين، بالشروق.. الجمعة الماضية: "أن محيى الدين ليس سعيدا بهذا، بل العكس تماما. الأمر أشبه بالنفي من مركز قوة وسلطة، بسبب خلافات شديدة فى غرف صُنع القرار المغلقة، انتهت بـ"عزله".

نفي وعزل، وربما "لجوء اقتصادي"، فأبرز محرر اقتصادي مصري، مصباح قطب، يؤكد بالمصري اليوم أن محيي الدين سعى حثيثاً بنفسه لتأمين منصبه بالبنك الدولي، والسبب.. "تغيرات سياسية مقبلة غير مواتية له، يصعب عليه التكيف معها".

هل عرف محيي الدين "القادم"؟ يبدو أنه عرف.