مشروع المصالحة في حلب

من يبالي ؟!

زهير سالم*

[email protected]

تتواتر الأخبار عن قرب عقد اتفاق مصالحة أو ( هدنة ) في حلب على ما نُقل عن السيد أحمد الحلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية ، نقلا عن المبعوث الدولي دي ميستورا . يتم كل ذلك تمهيدا لحوار وطني تتفرغ جميع القوى من خلاله لقتال تنظيمات إرهابية  ( الدولة والنصرة ) وأخرى تسمى إرهابية مثل ( الأحرار والجبهة الإسلامية وأضرابهما)  .  لتكون هذه ( الوحدة !! ) مدخلا لإعادة بناء سورية الجديدة ، تكون فيها المعارضة المعتدلة شريكة في حكومتها  القادمة ، لتبقى قضية بقاء الأسد ونظامه وعصاباته قضية هامشية أو شكلية ...

إن السؤال الأهم في سياق هذا الخبر وليس التحليل هو : من يبالي ؟ تأكيدا على أن القوى التي سبق لها ادعاء المسئولية الوطنية ، والقفز على مواقع القرار ، والتي سبق لها أن أغرقت حلب بما أغرقتها فيه ..  تصر حيال هذه التطورات  الخطيرة على غمس الرأس في الرمال ، أو ادعاء عدم المسئولية عن أي شيء جرى ويجري على الأرض السورية  بشكل عام  وكأن المشهد بخطورته وبكارثية تداعياته لا يعنيه ...

 خطورة مبادرة دي ميستورا ( الأسدية الإيرانية ) بامتياز ، تنبع من عمليتها التجزيئية ، وحرصها بخبث النظام نفسه على التقاط أي خيط على الأرض السورية ، والعمل على فتله ليكون حبلا يلعب عليه اللاعبون . و ستعني هذه الخديعة إن نجحت ، وستنجح إن استمرأ الممسكون بالقرار الصمت والغفلة . سيمارس دي ميستورا وحليفه بشار الأسد النفخ فيما سيتبقى من فصائل ، وسيضعون مستقبل الثورة  بأيدي فريق من رجالها ، وسينيطون القرار الوطني بهم ؛ كل ذلك بعد أن يفري التحالف الدولي فريه في كسر شوكة كل ذي شوكة من التنظيمات المقاومة  على الأرض السورية . وسيعهد إلى هذه الكيانات الضعيفة والمستضعفة والمشرذمة والمتفرقة  أمر مواجهة قوة بشار الأسد وحلفائه الدوليين والإقليميين ومكرهم وكيدهم ومحاولتهم التي لم تتوقف لكسر إرادة السوريين ، ومصادرة تطلعاتهم إلى العدل والحرية والعيش الكريم .

 تمرر هذه الأيام  تحت الطاولة الخطوة  المؤامرة التي أشار السيد بن حلي إلى أنها باتت قريبة ، ولاسيما إذا تذكرنا أن السيد دي ميستورا قد قام بعرض مبادرته مباشرة على قادة بعض الكتائب أو الفصائل التي أصاب قياداتها وأفرادها ما أصابهم بفعل الحرمان والخذلان على مدى أكثر من ثلاث سنين . فقادة هذه الكتائب وجنودها هم أيضا بشر من لحم ودم ولهم هم أيضا تطلعاتهم وآمالهم ومخاوفهم ...

في حساب عملي لتداعيات اللعبة الخطيرة التي يلعبها دي ميستور وداعموه الدوليون وحلفاؤه الإيرانيون استمعنا منذ يومين في تركية  إلى السيد ( مولود جاويش اوغلو ) وزير الخارجية التركي يتوقع تدفق 2 – 3 مليون لاجئ من الشمال السوري إلى تركية ، ومن محافظة  حلب بشكل خاص إذا تم تنفيذ اتفاق الهدنة أو المصالحة التي يتحدث عنها دي ميستورا ويغفل عن التصدي لها الغافلون أو المتغافلون ..

وسيكون ثلاثة ملايين لاجئ  هم كل من تبقى من سكان محافظة حلب . من أولئك الذين صمدوا فيها حتى الآن  رغم قسوة السنوات العجاف التي مرت بها المحافظة. ذلك أنه وعلى الرغم من الثقة الطيبة العالية التي ما زال يحتفظ بها المجتمع الدولي والأمريكيون والأوربيون وموفدهم إلى سورية السيد دي ميستورا بشكل خاص في القاتل بشار الأسد  ؛ فإن ثقة المواطنين السوريين به وبأي ميليشيا تتعاون معه هي أكثر سلبية مما يقدر المقدرون...

حلب اليوم بحجمها وموقعها هي لسان ميزان الثورة السورية ، وهي مركز ثقلها ، وهي فئة الثوار ومستقبل مشروع سورية الوطني . ومن هنا جاء اختيار دي ميستورا لها وتركيزه عليها .  والتأكيد على هذه الحقيقة لا يقلل من شأن الانتصارات العظيمة التي يحققها أبطالنا في حوران وفي الغوطة وفي القلمون وفي ريف حماة . إنما يراد من الحديث عن مركزية حلب الاستراتيجية قرع الجرس لغافل أو متغافل عن خطورة التداعيات الإنسانية والاستراتيجية ..

بعد واسطة العقد سوف تنهار حباته حبة ، كما يقدر السيد دي ميستورا بل كما صرح به هو نفسه ، وعندها سوف يتقدم شياطين المجتمع الدولي بالرغائب رسط جحيم التهديد والحصار والتجويع والقتل والتدمير . وتحت التهديد بالتصنيف تحت مسمى ( الإرهاب ) المخيف وفي خاناته المعتمة لكل فصيل يقول : لا للأسد أو لديمستورا على السواء ...

ويبقى السؤال الحائر دائما  : وما الحل ؟!!!

 ولا أحد يزعم أن الحل قريب أو سهل ميسور ، ولكنه  سيبقى  في مبادرة يقدم عليها أولو العزم من الرجال ، ومن الممسكين بعصمة قرارات المعارضة السورية على كل المستويات . سيكون الحل في أن يهبوا  إلى مواطن الفزع يثبتون ويطمئنون ويبصرون ويوضحون . ويمسكون بخطام كلمة ( نعم ) وكلمة ( لا ) يضعون كل واحدة في موضعها حيث تقتضي في سورية مصلحة الثورة بل مصلحة الإنسان ...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية