الدبلوماسية السورية والحرج السياسي
الدبلوماسية السورية والحرج السياسي
د. ياسر سعد
من السهل رصد إشارات ومواقف تظهر أن الدبلوماسية السورية في حرج كبير خصوصا مع التغييرات الدراماتيكية في مواقفها السياسية. فبعد أن كانت دمشق تقدم نفسها كزعيمة جبهة الممانعة في وجه من يريد أن ينتقص من الحقوق العربية. وبعد أن أشادت الصحف السورية إبان انعقاد مؤتمر القمة العربية في دمشق من خلوه "من كل فيروس أمريكي"، معتبرة أن "هذه القمة شكلت محورا لحملة تشويش وتشويه أمريكية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ القمم العربية." عادت سورية ولتعلن وبشكل علني وصريح حاجتها للضامن الأمريكي في هرولتها التفاوضية مع الدولة العبرية بعد أن كانت تنتقد في الآخرين ذلك.
في الهند قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إن اتفاق الدوحة لإنهاء الأزمة اللبنانية، والمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية غير المباشرة، واتفاق التهدئة في غزة، خطوات تأتي جميعها ضمن حل «السلة الواحدة» للقضايا العالقة في المنطقة والذي تطالب به دمشق، مؤكدا أن «الأمور تسير في هذا الاتجاه». السوريون يريدون أن يردوا على الكتابات والتحليلات التي انتقدت التوجه السوري الجديد معتبرة أن سورية تحاول فك عزلتها السياسية والتهرب من استحقاقات المحكمة الدولية, وبالتالي أراد السوريون القول أن ما يفعلوه هو ضمن إطار جماعي يشمل قضايا إقليمية ومنها التهدئة في غزة وهو ما نفته حركة حماس.
الحكومة السورية لم ترد –والصمت هنا إقرار- على تصريحات ايهود اولمرت الصحفية خلال زيارته الأخيرة للقاهرة والتي قال فيها أن سورية هي التي أصرت على الإعلان عن وجود مفاوضات مع إسرائيل وليس الجانب الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن من مقررات قمة دمشق كان "الالتزام العربي بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي, على أن عملية السلام عملية شاملة لا يمكن تجزئتها", إلا أن المفاوض السوري ومن خلال جولاته التفاوضية مع الإسرائيليين لم يكن على ما يبدو معنيا كثيرا بما يجري على المسار الفلسطيني من عدم تقيد الجانب الإسرائيلي بالحد الأدنى من متطلبات السلام حتى بصيغها غير المنصفة للفلسطينيين. هذا الأمر دفع بوزير الخارجية السوري ليعلق على زيارة أبومازن المرتقبة إلى سورية بأنها "تأتي للاطلاع منه على الوضع الراهن في المفاوضات لأننا حريصون على التنسيق مع الجانب الفلسطيني فيما يتعلق بعملية السلام التي يجمعنا بها هدف مشترك هو تحقيق السلام العادل والشامل".
الحرج السوري في مسألة التفتيش النووي وعدم الاحتجاج على الغارة الإسرائيلية تجلى هو الآخر في تصريحات المعلم بقوله "سأتحدث كمواطن سوري لو كان لدى سورية مثل هذا البرنامج السري، لما سمحت لهم (فريق التفتيش) بزيارته... هذا منطق الأمور". واسترسل المعلم قائلا "كمواطن سوري (وليس كمسؤول) أتمنى لو كان لدى سورية مثل هذا البرنامج.. إسرائيل قطعت شوطا في صناعة القنابل الذرية". ولا أستطيع أن أفهم لماذا يريد المعلم أن يتحدث كمواطن وليس كوزير خارجية في موضوع مهم وحساس يتعلق بسيادة الدولة وسياساتها. ثم إذا كان لصانعي القرار أن يتمنوا أن يكون في البلد أمر ما, فما عساه يقول المواطن العادي ؟
وزير الخارجية السوري تحدث عن المفاوضات مع الإسرائيليين بقوله "كأي عملية تفاوضية هناك صعود وهبوط فيها لكن الأهم أن يبقى الطرفان منخرطان في هذه المحادثات إلى حين التوصل إلى هذه القاعدة", مؤكدا أنه "توجد فرصة لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة نأمل ألا يضيعها الإسرائيليون في خلافاتهم الحزبية". وقال المعلم إن سوريا تنتظر "خطوات ملموسة" من الأوروبيين تجاهها بعد أن أثبتت أنها "جزء من الحل".
هناك حرص سوري واضح على الاستمرار في المفاوضات مع إسرائيل وعلى لهفة للتوصل للسلام معها ورؤية خطوات ملموسة من الأوربيين تجاه دمشق, وفي الأمر استعجال غير محمود في عالم السياسة سريع التغير والتقلب. الاندفاع السوري في التوجه للخارج يجب أن يوازيه بل ويسابقه توجه نحو الداخل, يشمل إطلاق سراح السجناء السياسيين وفتح مجال المشاركة السياسية مما يقوي الموقف السوري تفاوضا أو مواجهة.