مفهوم الديمقراطية في العراق الجديد
د. هدى حمودي
في جميع دول العالم الديمقراطي هناك مبدأ يميز هذا النظام عن الأنظمة الشمولية، وهو التنافس الحر في ميدان السياسة، ومهما كانت درجة التدني في مستوى القبول الشعبي، أو في الأوساط السياسية، فإن الخاسر في تلك الدول - شخصاً كان أو مؤسسة- ينسحب بكل هدوء ليفسح المجال أمام الآخرين ليأخذوا دورهم.
أما الديمقراطية على الطريقة العراقية، فإنها لا تعترف بهذه اللغة، لغة التنافس الحر، فهي ما تزال متشبثة بـفكر القائد الضرورة والزعيم الأوحد، وطريقنا خاص في بناء الديمقراطية، ومع مرور الزمن تعايشنا معها.
إنه من المؤلم جداً أننا وبعد سبع سنين من الجهود والمحاولات نخرج بهذه الحصيلة الهزيلة فلا ديمقراطية حقيقية، بل دكتاتورية بثوب ديمقراطي مهلهل لا يستر عورة الاستبداد.
من المؤسف حقاً أن نجد بعد كل تلك السنوات من يهدد بالتصفية والاعتقال منطلقاً من مبدأ (إن لم تكن معي فأنت عدوي)، فالفائز الأول في الانتخابات يتعرض منذ فوزه للتهديد والضغط والاستهداف بل انه تلقى تهديدات منذ دخوله بقوة في الحملات الانتخابية كي ينسحب ويمنح حقوقه لمن أتقن التسلط والاستبداد!. إن من المؤسف أن نسمع اللغة الطائفية القبيحة تصدر من هنا وهناك، بل تصرح بعض الأطراف بها.
وبدلاً من أن نحارب الفائز الأول، كان يجب أن نتساءل لماذا فاز؟، لماذا لم نفز نحن؟. أليس هذا هو المنطق؟، أليست هذه هي الديمقراطية؟. لقد طرحت هذا الطرح في جلسة ليلية جمعتني مع عدد من زملائي في ائتلاف دولة القانون فإذا بهم يهاجمونني كأنني كفرت بما أنزل على محمد، مع أنني أجزم أنني لو كفرت وأغلظت في الكفر لما تعكر ولا تمعر وجه أحدهم.
أيها الأخوة الأحبة، لقد فازت الكتلة الفائزة لأنها غير مبنية على أساس طائفي، ومن المعلوم أن الناس في العراق بمختلف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم كرهوا الطائفية، بل إن العديد منهم يفكرون جدياً بترك المذهب وقصر الانتماء على الدين فقط.
أنا شخصياً أعلن عن موقفي الراسخ أنني ضد مشروع استهداف أعضاء العراقية أو ترتيب حملة اعتقالات ضدهم جملة وتفصيلاً، ولن أجامل لأنني إن جاملت سأكون مشتركاً في الجريمة ومتورطاً في دماء مسلمة لا يغفرها الله حتى إن عبدته طوال حياتي " من شارك في قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة ـ قال أق ولم يقل اقتل ـ كتب على جبينه آيس من رحمة الله"، هذا من جانب، ومن جانب آخر أنه نسف للمبادئ الديمقراطية وأسس الدولة العراقية الحديثة التي ضحينا من أجل إرسائها بمئات الآلاف من المساكين. ومن جانب ثالث أنه مهما جرت من عمليات استهداف فإننا سنفضح أنفسنا ونخسر كل جمهورنا في حين يبقى الخصم هو الفائز، وربما سيكتسح جميع المقاعد في الدورة المقبلة. أعرفتم يا زملائي لمَ قلت لكم أنه من الأولى أن نسأل أنفسنا لمَ فاز الفائز وخسرنا بدل أن نكشر عن الأنياب؟.
من المألوف عن الديمقراطية أنها مرادفة للأمن والاستقرار والعيش الكريم، في حين تحول العراق في عهدنا إلى جثث وركام وسجون، وتلاشت طموحات الناس وأحلامهم بالرفاهية وعوائد النفط، وهذا يشخص خللا يشوب عملنا الحكومي ومساعينا للأمن، ويشخص حالة التخلف والتردي في علاقاتنا الخارجية مع دول الجوار، وربما الخضوع والإذعان للإملاءات الإيرانية، بما جعلنا ألعوبة بيد الأجندة الإيرانية.
إن الديمقراطية الحقيقية هو أن يشعر الإنسان بأنه يتمتع بكامل حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، وهذا ما فشلت حكومتنا في تحقيقه، فلا معنى واضح للديمقراطية، ولا وجود حقيقي لها، بل هي مسمى فقط، وإن هي الا فوضى أتت على الأخضر واليابس أضاعت وحدة البلاد واستقرارها وحريتها.