عدوك لا تؤذيه له رب أدرى بيه
شعار رفعه المنبوذون!!!
هنادي نصر الله
[email protected]
يظن البعض أن العمل في
القنوات التلفزيونية فيه من الليونةِ والسهولةِ والأناقةِ والجمالِ والنعومةِ ما لا
يوجد في غيره من الأعمال، يظنه البعض أنه اتيكيت لا حدود لوصفه، ومارثون سباق دائم
مع الأزياء والموضة؛ حتى ليجرؤ البعض على متابعة القنوات التلفزيونية فقط ليرى آخر
صيحات الأزياء من ألوانٍ صاخبة ومغرية وجذابة، يشتهيها عقول البسطاء من الذين لا
يرونّ في الأشياء والأجسام إلا ظاهرها..!!
واأسفاه حين ننحدر إلى
مستنقع الأشكال والبحث عن الجمال الاصطناعي، فلا نتوانى عن تغيير صورنا وهيئاتنا
التي فًُطرنا عليها وخُلقنا بها من أجل شهرةٍ زائفة لا تنفعنا يوم أن نُوضع دون
مرافقٍ في قبورنا!..
واأسفاه حين نرتدي (
الجينيز) ونصر على أن نبقى عليه كحريةٍ شخصية نعتبرها شجاعة تقودنا إلى أعلى
المناصب الوهمية، وتدفعنا بكل تمادي إلى مصافحة الإحتلال كل الإحتلال من خلال
جلوسنا مع الرجل الأول للدعاية والسموم فيه..!!
واأسفاه حين لا ندرك أين
مصلحتنا؟ وحين نفقد بوصلتنا، وحين نصرح بكل وقاحةٍ أننا لن نرتدي الحجاب لا في عصرِ
حكم حماس ولا في عصرِ غيرها!!..
واأسفاه حين نعتدي على شرع
الله وحدوده، وحين نخلط الحابل بالنابل، وندعي بكل مكرٍ وخبثٍ أن لقاء عدونا إنجازُ
يُعد في قمة (المرجلة ) فرُب عدوٍ لك اليوم هو صديقك في الغد القريب!!..
واأسفاه عندما ننسلخ عن
بني جلدتنا، ونتناسى دماء أكثر من ألف وأربعمائة شهيد، نتناسى كيف كنا نجوب شوارع
غزة المحاصرة النازفة المحترقة دون أن نضمن لأرواحنا السلامة، كيف ننسى أو نتناسى
أوجاعنا خلال اثنين وعشرين يومًا من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاعنا
المغتصب؟ هل تناسى من اجتمعوا مع الإحتلال إجراءاته التهويدية بحق القدس والمقدسات؟
هل سامحوه على هدمه لمنازل المحاصرين البؤساء هنا؟ هل أعطاهم أحد صك الغفران
ليكفروا عن الإحتلال ذنوبة المتراكمة منذ أكثر من واحدٍ وستين عامًا؟ هل فوضهم أحد
نيابةً عن الإعلاميين كلهم كي يرسموا خارطةً جديدة لشكلٍ جديدٍ من أشكال التطبيع مع
الإحتلال الإسرائيلي وهو التطبيع الإعلامي مع الفلسطينيين؟!!
ألهذا الحد وصلّ بنا
الحال؟! أنتخلى عن إعلامنا المذبوح والمهدد في كل لحظةٍ بالقصف والتدمير؟ أبهذه
الصورةِ يتم الاستخاف بتضحيات إعلاميينا الأشاوس، كيف لا؟ والاجتماع القذر هو
إهانة واقعية وعملية لدماء شهدائنا وزملائنا الإعلاميين هو إهانة لدماء الشهيد فضل
شناعة الذي قُتل دون أي اكتراثٍ بزيه وسيارته وكاميراته، هو إهانة لشهداء حرب غزة
الأكرم منا جميعًا باسل فرج، علاء مرتجى، حمزة شاهين بل هو إهانة لكل شهيدٍ إعلاميٍ
فلسطيني وعربيٍ قاوم بدمائه كل محاولات الخنوع والركوع والطمس والتشويه والتطبيع
والتزييف والتشهير والقائمة تطول...
أجزم أن من اجتمعوا مع
الاحتلال لم يفقهون شيئًا عن المقاومة الإعلامية في زمن الاحتلال، أجزم أنهم ليسوا
بإعلاميين بل فئة شاذة سلب لُبها المظاهر والأزياء وجمع المال وحب الشهوات..
أجزم أنهم لو وُضعوا في
اختبارٍ عمليٍ حول أبحديات العمل الصحفي لحققوا رسوبًا مدويًا، فأول أبجديات العمل
الصحفي التحلي بالمصداقية والشفافة وتغليب المصلحة الوطنية على أي مصلحةٍ أخرى،
وعلى ما يبدو أنهم لا يفهمون معنى ذلك؟ هم لا يعرفون أدنى حدود اللباقة المهنية، هم
نسفوا ما تبقى من ضميرٍ لهم، هم في عِداد الموتى فكيف يكونوا إعلاميين؟ وكيف نأمنهم
على أن يكونوا موظفين في مؤسساتٍ إعلامية تحمل اسم " فلسطين" ؟!!
إن المسئولية الآن ملقاة
على عاتق صناع القرار الإعلامي بأن يجردوا ما يُسمى بتلفزيون فلسطين من اسمه
ومكوناته ومواده السامة والمغلوطة والمشبوهة والمشوهة للحقائق دومًا، عليهم أن
يُطهروه من موظفيه الذين أثبتوا ولاءهم لغير الوطن والمواطن والقضية، والمسئولية
أكبر وأكبر الآن على الذين انتفضوا ضد نقابة الصحفيين التي يعيش أصحابها (فوق
الريح) على حسابِ تضحيات المخلصين من الأسرة الإعلامية الذين اضطهدت حقوقهم وستضطهد
أكثر في ظل مخططاتٍ غامضةٍ عقب الاجتماع الدنيء لحفنة من الإعلاميين الساقطين..
فأن نسمع من انحدارٍ
إعلاميٍ وتطبيعٍ أعمى مع المحتل الإسرائيلي في الوقت الذي تقرر فيه الإدارة
الأمريكية فرض عقوباتٍ على فضائية الأقصى التي تتبنى نهجًا مقاومًا أمر مشين، وأن
يجري هذا اللقاء بترتيبٍ عالِ المستوى دون أن تتحرك نقابة الصحفيين المزعومة يعني
أن هناك أمر خطير يُحاك، لاسيما وأننا لم نرّ جهدً ملموسًا وحقيقيًا من هذه النقابة
يضمن حرية الصحفيين وتوفير مقومات الصمود والعطاء والدعم لهم بدلاً من تشجيعهم على
التطبيع من العدو الإسرائيلي...........
كل ما أخشاه أن يكون هذا
الاجتماع المنبوذ جملة وتفصيلا هو مقدمة لسلسة خطوات تطبيعية ليس فقط للصحفيين بل
أيضًا للكتاب وهو ما يعني أننا نسير إلى الهاوية خاصةً إذا ما علمنا جيدًا جاهزية
المحتل الإسرائيلي لتنفيذ ما يدور في دماغه من تهويد وتطهيرٍ عرقيٍ لكل وجودٍ
فلسطيني، وعلى ما يبدو فإن عدونا يعرف جيدًا معنى اختراق حصون الثقافة والإعلام لدى
الفلسطينيين وهو ما لايعيه حتى اللحظة من اجتمعوا معه ومن شجعهم وخطط لهم من قريبٍ
أو بعيد، فبالتأكيد هذا اللقاء كان له مشرفين ومدبرين ومن أعلى المستويات، لكن
السؤال الذي يطرح نفسه " ماذا قال المنبوذون لرجل الدعاية الإسرائيلي؟!!" سؤالٌ
حتمًا ستكون الإجابة عليه أخطر من الاجتماع ذاته..!!