شوفو الصورة قبل الثورة وبعد الثورة...

شوفو الصورة قبل الثورة وبعد الثورة...

وقبل التصحيح وبعد

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

بمناسبة حلول ذكرى الشؤم التخريبية التي أسموها بالتصحيحية التي قادها الدكتاتور السافاك حافظ الأسد عام 1970 ، وسار على نهجها ابنه بشار ، فقد وجدت لزاماً عليا أن أستعرض ماصار عليه الحال بعد وصول الطُغمة الحاكمة الى السلطة الى يومنا هذا ، التي اكتوى بنارها شعبنا السوري على مدار 37عام ، ، مُستأنساً بغيرها من الثورات النافعة كالتجربة اليمنية التي حققت الإنجازات المهمّة  ، والخطوات المُتقدمة، وخلصت الشعب من عهود الظلم والظلام ، بينما الطغمة التخريبية في سوريا أعادت بلادنا الى تلك العهود المُظلمة

في اليمن كان هناك برنامج وثائقي اسمه "شوف الصورة قبل الثورة وبعد الثورة" ، حيث كان يحكمها ماقبل عام 1962 مجموعة من الملالي المُتخليفين من حكم الأئمة ، الذين تعاقبوا على اليمن عشرات السنين ، إثر سقوط الخلافة العثمانية ، فجعلوا للمدن أبواب تغلق عند أذان المغرب ، ومنعوا إدخال العلوم ، واعتمدوا في سيطرتهم على أوهام الجنّ والتجهيل ، وأنّ الإمام يتعاون مع عالم الغيبيات ، فانتشرت الأمّية بشكل واسع في اليمن ، وانتشرت الأمراض التي فتكت بالعباد ، لأن الحاكمين اعتمدوا على السحر وأساليب التضليل على الناس ، وعُلقت كل الصلاحيات بالطبقة الحاكمة الأولى بينما الشعب ليس له إلا المداس ، وساضرب مثالاً على قصة جرت وقائعها في البيت الحاكم ، عندما جاء الطبيب الهولندي لمعالجة سيدة القصر ، فعرض نائب الإمام حالة زوجة ابنه التي مات لها ستاً من الأولاد ولايتجاوز عُمر أحدهم الثلاث سنين إلا ويموت، فأعطاها الطبيب إبرة وكانت حامل بصديقي ، الذي تجاوز الست سنوات الى مرحلة الرجولة ، وهم يترقبون موته أثناء طفولته ، فكم من الأولاد الغير محظوظين قُتلوا بسيف الجهل والإستبداد

وقصتنا اليوم مع سلطة العسكر والجبروت الطاغوتي السوري ، الذي جاء عبر الدبابة منذ أربعة قرون هي من نفس لون حكاية ملالي اليمن ، حيث كان الناس في أمان وثبات وطمأنينة وتآلف وحريةٍ وتوافق ،وفجأةً انقلب كل شيء ، فبدواعي الثورة ! قتلوا في شعبنا كلّ شيءٍ جميل ، وأهم شيء نزعوه منه هو حريته وكرامته ، حتى أضحت بلادنا بمساحاتها الشاسعة سجناً كبيراً لكل حرٍ أبي، فيُمنع المناضلون والمدافعون عن حقوق الإنسان من السفر بأمر قهري ، وحتى المرضى كرياض سيف الذي قضى في السجن السنين الطوال يمُنعونه من السفر للعلاج الغير مُتوفر في القطر  ، أو المنع لأسباب سياسية لمنعهم حضور المؤتمرات والندوات الخاصّة كالأساتذة المحامين رديف مصطفى والمحامي مهند الحســـني والمحامي خليل معتوق والمحامي مصطفى أوسو، حتى صارت سورية بلاد الممنوعات ، والأشهر عالمياً بتكميم الأفواه والتنكيل بالأحرار.

 وبعد قرابة الخمسة عقود من حكم العسكر،وسلطة الجور والطغيان ، صارت سورية كما كانت  أيّام  حكم الأئمة في اليمن ، فعلى صعيد الخدمات كالصحّة  والنت والكهرباء والتعليم والاجتماع والسياسة وغير ذلك من الخدمات الغير متوفرة إلا لليسير من الناس ، بينما الظلم والقمع فهو بمتناول كل الناس ، وهو متوفر في كل منزل ومتجر وحيٍ ومدينة ، حتى أضحت سورية اليوم تعيش في أسوأ مراحلها على مر التاريخ مُنذ أن أوجدها الله ،

فالعدو الأول عندنا في سورية ، هو التطور العلمي ؛ وخاصةً في مجال تبادل المعلومات والمعلوماتية، التي ادعى النظام عند استيلاء بشار على السلطة بأنه رجلها الأول ، وإذا بها وبالنت هما العدوان الأول للنظام ، وأكثر ضحاياه هم المشاركين في مثل هذه النشاطات

وعلى صعيد الصحّة : فالكل يعرف المستشفيات الحكومية التي لاتصلح حتى لتكون حظائر للحيوان ، وسوء الخدمات فيها، هذا ماعدا عدم توفر الأجهزة والاختصاصات المطلوبه ، وحتى عدم توفر الدواء الذي لايستطيع شراءه المواطن العادي ، مما يضطره إلى انتظار حتفه أو التألم الى أن تأتيه مُعجزةٌ ربانية تنتشله مما هو فيه ، أو اللجوء إلى السحرة والمُشعوذين

وأمّا التعليم الذي تدنّى منذ سيطرت هذه الطبقة الجاهلة على السلطة ، فاستبدلت الكفاءات بالولاءات ، والعقول بالأغبياء ، فانهارت العملية التعليمية والتربوية منذ ذلك الحين ، وهي في انحدار دائم إلى الأسفل ، وتفريغ المنهاج من المضمون ، حتى صار المنهاج القومجي هو الأصل ، الذي يُسبّح ويُهلل بحمد الطاغية وأبيه هو المقياس للنجاح ، وصارت الجامعات الخاصة حكراً للطبقات الغنيّة ، والجامعات العامّة لفئة من الناس بعد وضع الفيتو على الدرجات العالية لدخولها بقصد التجهيل ورمي أبنائنا الطلاب إلى الشارع !!!، وبالتالي فهي لاتستوعب أكثر من 10% بالمئة من نسبة الطلاب الناجحين ، وهذا يعني العودة بسورية الى عصور الظلام ؛ عبر هذه السياسة التعليمية المُدمرة والمُقننة بقوانين لم يشهد مثلها في السوء إلا السوريين عن غيرهم من العالم أجمع

أمّا عن الكهرباء ، فلنسأل أهلنا في سورية بعد أربعين عام من استلام هذه الطغمة مقاليد الحكم عن انقطاعات الكهرباء المتكررة والطويلة وبعزّ الصيف ، هذا ماعدا تعطّل مصالح المصانع ورجال الأعمال

وفي الأمور المجتمعية والإنسانية : فشعبنا السوري صار في غالبيته الساحقة تحت خط الفقر ، وصار في مُعظمه خاوي البطون يعيش على الفضلات وما أكله السبع ، فانعدمت الطبقة الوسطى التي كانت صمّام الأمان لتحلّ في الطبقة الدون التي صار معظم شعبنا فيها

 وأما في المجال السياسي : فالكل يعلم ماوصل إليه منتقدو النظام ، من تكميم الأفواه والاعتقالات والمُحاكمات والأحكام الجائرة التي تصدر على مدار الأيام والأسابيع وبشكل مستمر مابين الإعدام والسنين الطوال كما حُكم على العشرات ممن اتُهموا بالانتساب للإخوان المسلمين ، أو من حدثته نفسه بالانتساب ، وكان أخر المكومين ظلماً كُلٍ من سيدو عثمان بالإعدام وهو من رأس العين بتهمة الإرهاب و المؤامرة ومحاكمة البنّي وجاموس الأب والابنة مايا والحكم على كلٍ من صالح تمو من مدينة الحسكة بالأشغال الشاقة المؤبدة وموسى مامو بالأشغال الشاقة لمدة عشرين عاما وجمعة عباس عبد الله بالأشغال الشاقة لمدة ثماني سنوات ومحمود محمد العبد الشـيخ ثمان سنوات مع الأشغال الشاقّة  ومحمد الحمو بست سنوات ومحمود درويش بربور بالسجن لمدة أربع سنوات" هذا ماعدا الاغتيالات التي طالت الكبار ومنهم حريري سورية الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي رحمه الله ، وكان آخر الشهداء أحمد سليم الشيخ الذي قتلوه في الطريق العام بدمشق بعد إنزاله من السيارة التي كان راكباً بها ،  فانهالوا عليه ضرباً و ركلاً و لكماً على مرأى من المارة  إلى أن فارق الحياة،والاعتداءات التي تطال المواطنين العاديين بلا ذنب ولا جريرة كما حصل مع خالد الأحمد وغيره الكثير ، هذا ماعدا عن عشرات الآلاف القابعين في السجون منذ عقود ، وملايين المنفيين قسراً عن سورية ، هذا ماعدا الاعتداءات التي تحصل على ضيوف سورية من العرب ، أو إذلال إخواننا الفلسطينيين الجالسون على الحدود مع العراق ومنعهم حتى من تلقي العلاج ، حتى توفي أكرم محمد رزق العساف بسبب الأزمة القلبية التي تعرّض لها.هذا ماعدا عن العشرات من الحالات التي تستدعي العلاج الفوري والعناية الطبية الفائقة ، كحالات سرطان الدم وإصابات في العمود الفقري وأمراض جلد ومشاكل في الأمعاء، ولا يستطيع أي منهم الحصول على الرعاية الطبية التي يحتاج إليها بسبب منع هذه السلطات الجائرة التي تدعي نصرة القضية الفلسطينية من تقديمها لهم أو إدخالهم للعلاج وإكرامهم فهم إخواننا في الدين والعقيدة والوطن.

وأمّا في المجال العسكري : فحدّث ولا حرج في اختراق هذه المؤسسة الوطنية من المحسوبين على السلطة الغاشمة من المُدينين بالولاء لها ، وليس الأكفاء الشجعان الذين تتطلبهم الدولة للدفاع عن حياضها ، حتى وُصفت هذه المؤسسة بالأجبن لتسلط بعض المرتزقة عليها ، الذين يخضعون لإرادة النظام فلا يُحركون ساكناً إلا بأمرهم ، مما أعطى العدو الإسرائيلي الضوء الأخضر لاختراق الأجواء ، وتنفيذ العمليات النوعية ودون رد ، إلا بالإدانات المُهترئة ، والمزيد من التنازلات  

وختاماً : فهذه هي صورة وطني السليب بعد مرور ما يقارب الأربعين عام على هذه الحركة الرعناء المجرمة التي سُميت بالتصحيح ، ونصف قرن على تسلط العسكر ، وكأنها أضحت كغابة يعيثُ فيها الغُربان ، القوي فيها يأكل الضعيف ، ومنطق القوّة هو الذي يغلب على علاقات السلطة بالمواطنين ، ومن يملك أدوات الإرهاب هو المُنتصر ، وإن كانوا القُلّة التي لايمُثلون فيها أحد سوى أنفسهم ومصالحهم ، فليس أمام شعبنا إلا التحرك لإسقاط هذا النظام ، ولا خيار أمامنا كمعارضة وشعب إلا التكاتف لتحقيق الغاية للتخلص من هذه الطغمة الحاكمة بالحديد والنار ، ولبناء دولة الحق والعدل التي تتسع جميع الفئات والشرائح وجميع أبناء الشعب ، فلنتوحد جميعاً على كلمة واحدة لننتصر ، ودمتم ودام شعبنا بإذن الله