الثورة السورية.. والخيار الثالث

محمد عبد الكريم النعيمي

محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة

[email protected]

انفضَّ سامِرُ المؤتمِرين الدوليين والإقليميين عن قرار شن حرب كونية على داعش، بعد قرابة أربع سنوات من الصمت على المذابح التي شكل أهلُ السنة في سورية نسبة 100% من ضحاياها على يد نظام الأسد!

ولعل من مصائب هذا القرار الدولي الإقليمي المنظورة، هذا الجدال الذي نَشِب بين من كانوا يتفقون على تخطيء إن لم يكن تجريم داعش، في المقارنة العبثية بين ظلم واحتلال "إسلامي" - بالنسبة للبعض - يمثله داعش، وظلم واحتلال "صليبي" - بالنسبة للبعض - يمثله هذا التحالف الجديد، واصطفافُ البعض روحياً على أقل تقدير خلف داعش، بوضع استبداده ضمن دائرة "إسلامية" تمثل حالة بغي لا كفر!

غير أن ما تنساه شعوبنا دائماً، أن ممارساتِ مثل هذه التنظيمات هي التي استجلبت وتستجلب مثلَ هذه التحالفات، وأن دورها في هذا الاستجلاب دورٌ اعترف بمثله التنظيم الأم "القاعدة" سابقاً، حين اعتبر أن الغرض من عمليات الحادي عشر من سبتمبر 2001، هو جَلبُ القوة الأمريكية إلى المنطقة، لتلقينها درساً قاسياً على الأرض الإسلامية!! هذا مع الاستبعاد - مِن قبلي - لنظريةِ المؤامرة وافتراض التنسيق الأمني والعسكري بين الجهتين، وترجيحي - المبني على حسن الظن - لنظرية الاستغفال والاستخدام الأمريكي المدروس، لحالة الحماس الغبي والجرأة المتهورة والنهج الاعتسافي، الذي يميز عادةً عناصرَ مثل هذه التنظيمات.

فإذا أخذنا بعين الاعتبار تزامن الأحداث على الأرض السورية، أدركنا أن حادثةَ اغتيالٍ كبيرةً وخطرةً ومعقدة ما زال يكتنفها الغموض، لعددٍ ضخم من قادة أبرز التنظيمات الثورية الإسلامية الطابع "أحرار الشام"، والتي تقف في حالة عداء مع تنظيم داعش وتوجهاته الفكرية والعسكرية، إذا لحظنا هذا التوقيت.. أدركنا أن العنوان الذي اتخذه التحالف ضد عدو مشترك لمعظم السوريين هو داعش، لا يمثل كل الصورة، لأن الصورة الأشمل على ما يبدو من معطياتِ ومؤشرات الوقائع، تُظهِر نيّة مبيتة لإفشال ثورةٍ قائمة في سورية، لها ما بعدها في الجوار الإقليمي، خاصة بالنسبة للكيان الصهيوني، وكذلك إجهاضِ نوايا ثوراتٍ تختمر ربما في صدور شعوب مجاورة!

ويبدو هذا البُعدُ جلياً في خطاب الرئيس الأمريكي أوباما الذي قال ما نصه، إنه لا يمكن الاعتماد على الأسد في محاربة الإرهاب!

فلم يبرر استغناءه - المعلن على الأقل - عن خدمات الأسد في محاربة الإرهاب، لأنه - حقاً - سبب نشوء واستفحال هذا الإرهاب، أو لأن ما اقترفت يداه من سفك دماء ربع مليون مدني سوري تجعله رأس الإرهاب! كلا.. بل برّر أوباما ذلك بأن الاعتماد عليه في ذلك غير ممكن، ربما لأنه فقط أضعف من ذلك!

أعود إلى هذا الجدال الذي بدأ ينخر الجسد السوري الثوري الواحد، ويكيل بمكيال الأخف والأشد ضرراً بين احتلالين، ويتراوح بين خيارين أحلاهما مرّ، إما الاصطفاف إلى جانب هذا أو هذا، واحتمال ما يترتب على هذا الاصطفاف من ظلم الحليف قبل العدو، دون أن يكون هناك خيار ثالث يقف من الجانبين على مسافة واحدة، ويدفع شرَّ الاثنين معاً، ويُبطِل بالحصافة والفطنة مخططاتهما، ويرمي الاحتلالين عن قوس واحدة، ويلعب بينهما دوراً كدور نعيم بن مسعود الأشجعي رضي الله عنه، في إفشال خطط الأحزاب في غزوة الخندق، دون أن يشغل نفسه بالهراء الجدلي حول الاستعانة بمسلم على كافر أو بكافر على مسلم! لأن طعم الظلم والبغي من المؤمن أو الكافر.. والقريب أو البعيد.. ذو مذاق واحد، بل ربما يكون ظلم ذوي القربى أشد مضاضة وأمرَّ طعماً وأجدرَ أن يُفرِّق البيتَ الداخلي، بعكس الظلم الخارجي الذي يوحِّد الراية غالباً.

فلم تَخرج الثورة وتُسفك كلُّ هذه الدماء، ليُحصَر الشعبُ السوري في خيارين كهذين، بل إن مَن استطاع الصمودَ في وجه آلة القتل الوحشية والصمت العالمي المخزي.. كلَّ هذه المُدَّة، قادر على صناعة خيار ثالثٍ سوريٍّ محض، يحقق أهداف الثورة، وينتزع مكتسباتها من الأيدي التي تحاول وأدها.

اللهم أهلك الظالمين بالظالمين.. وأخرجنا من بينهم سالمين غانمين..