كرامة مصدّرة… وفحولة مستوردة؟!

كرامة مصدّرة…

وفحولة مستوردة؟!

صلاح حميدة

[email protected]

قبل فترة كتبت مقالاً بعنوان ( أهل غزة من أي المعادن أنتم) وكان هذا المقال تعقيباً على تعليق لمفكر يهودي يتحدث عن الغزيين ويقول ( لو صنعت مسامير من هؤلاء، لكانت أقوى مسامير في العالم).

لم يطل الوقت بعدها حتى اندلعت (حرب الفرقان) في قطاع غزة، وشهدت غزة أكبر مذبحة في تاريخها على الهواء مباشرة، وبتواطؤ ومساعدة من الكثير من الرسميين العرب، الذين ساءهم أن تصمد هذه المسامير الغزية، وألا تقتلع بالقنابل الصهيونية والمؤامرات والتواطؤ الرسمي العربي، وبعد حصار خانق، كان يؤمل أن يحطم الروح المعنوية للغزيين.

إذا أردنا أن نعطي الغزيين حقهم، فلا بد من دراسة شاملة حول ما سيطلق عليه الظاهرة الغزية، فقد يكون لموقعها الجغرافي، وتسميتها التي لا مكان فيها للنّعومة والحياة الهانئة نصيب فيما تشكله من أرق لكل العالم تقريباً في هذه الأيام.

من حق الغزيين أن يفخروا أنهم صمدوا أمام حصار لم يسبق له مثيل في التاريخ، ومن حق الغزيين أن يفخروا أنهم صمدوا أمام أعتى جيوش المنطقة، وتعرضوا لحرب إبادة، ولم يخرجوا مستسلمين بملابسهم الداخلية، ولم يطالب أي منهم قيادته بالاستسلام، ومن حق الغزيين أن يفخروا أنهم أعطوا الأمة مثالاً يحتذى، فلأول مرة يجد العرب المعاصرون قيادة تقاتل معهم هي وأبناؤها، بل يتقدمون الصفوف، تهدم بيوتهم قبل بيوت الناس، ويقتلون وأولادهم قبل أولاد الناس، بالتأكيد هذا نموذج غريب على العرب المعاصرين.

هنا لا بد من التأكيد على أن الغزيين عانوا ما لم يعانه غيرهم، فهم يموتون مرضاً وحصاراً، وقهراً من ظلم الأعداء والإخوة الألدّاء، فلا يمكن تناسي أو التغاضي عن المأساة الإنسانية التي يعيشونها، والتي أصبحت واقعاً حياتياً يعيشه الغزيون كل لحظة من حياتهم.

حرص النظام العربي والدولي على عزل الغزيين، ومنع شعوب العرب والمسلمين والعالم من الاختلاط بهم، فلا الغزيون مسموح لهم أن يسافروا ويختلطوا بالعالم، ولا العالم مسموح له أن يختلط بهم، وكان من أبرز ما تم بحقهم فضلاً عن حصار الإخوة الأعداء، أن جرحى حرب غزة منعوا من الاختلاط بالعرب المقيمين في الدول التي نقل لها الجرحى ( خوفاً من أن يقوموا بغسل دماغ من يزورهم) حسب تصريح المصدر الأمني في هذه الدولة العربية، والذي حرص على منع الغزيين من أن ينقلوا للعلاج في دول العالم، وفرض عليهم أن يتعالجوا تحت حراب الأمن في دولته.

غسيل الدماغ هذا هو الذي كان باعثاً لتصرفات النظام الرسمي العربي لمنع الوفود التضامنية من دخول القطاع، وكان في النهاية أن اختزل الوقت لمن سمح لهم بالدخول في أربعة وعشرين ساعة ثلثيها ليل، ولكن هل هذا منع غزة من تصدير الكرامة للعالم؟.

الفنان العربي السوري دريد لحام، صرح أنه جاء لغزة ليغترف من بحر كرامتها، ما يشحنه لاستعادة شبابه، ويستطيع التقوي بهذه الكرامة الغزية في بحر الظلمات العربي.

تزامن اغتراف دريد لحام، ومن يأتي من الوفود التضامنية من بحر الكرامة الغزية، مع الاعلان عن ضبط السلطات المصرية لكمية كبيرة من حبوب الفياجرا على جسر السلام على حدود جزيرة سيناء مع الوطن الأم مصر، ونقلت الأخبار أن حبوب الفحولة هذه متوجهة إلى قطاع غزة، وان السلطات المصرية تحفظت على البضاعة والسيارة والسائق، واللافت للنظر أن السلطات المصرية ولأول مرة تعلن عن ضبط هكذا نوع من البضاعة مخصصة للتهريب الى غزة، ولأول مرة تعتقل البضاعة قبل أن تدخل سيناء، بينما في الماضي كانت البضائع تضبط على الحدود أو في الأنفاق التي تهرب منها إلى القطاع.

أثير حول الموضوع ضجة إعلامية مفتعلة، وأخذ الموضوع مكاناً مهماً على الفضائيات ووسائل الاعلام المقروءة والمسموعة، واستغربت لصياغة وتوقيت الخبر ولطريقة نقله والترويج الكبير له، فالغزيون معروفون بانهم من أكثر شعوب العالم خصوبة وتكاثراً، ومن المستغرب أن تجد في القطاع من ليس عنده عشرة أبناء، فلماذا يستورد الغزيون عقاراً للخصوبة؟.

هل الخبر مختلق؟ وهل هناك من يسعى للقول أنه يحارب تهريب الممنوعات الى القطاع؟ وهل هناك من يسعى لترسيخ قناعة لدى جمهور المتابعين أن غزة فيها كل شيء ولم يبقى ينقصها سوى عقار الفحولة ليهرب إليها؟ أم أن هناك من هو مغتاظ من فحولة الغزيين وقدرتهم على التكاثر، وترميم ما يقدمونه من تضحيات بأضعاف ما يفقدونه، ويريد إعطاء انطباعات حول دخول الغزيين مرحلة العجز واليأس وفقدان القدرة؟.

ما نستطيع قوله هنا، أننا نتعامل مع الحقائق على الأرض، لا مع الأخبار البعيدة الغير موثوقة المصدر، فالثابت عندنا أن هناك من يأتي ليغترف ويستورد من كرامة بحر غزة وأهل غزة، ليستعين بها في الإبحار في ظلمات الخيانة والدياثة العربية، أما الاستيراد، فغزة تحتاج لكل شيء في الدنيا لتعيش وشعبها بكرامة وحرية، ولكن غزة ومن فيها يصدرون لكل العالم عزة وكرامة ورجولة، ولا يمكن في يوم من الأيام أن تستورد غزة فحولتها ولا رجولتها.