فيصل وديغول

الآن فهمت القضية الفلسطينية ..

أوقفوا السلاح المصدر لإسرائيل!!

فيصل الشيخ محمد

زارنا الرئيس الأمريكي أوباما بالأمس القريب ووقف في معقل العلم والثقافة في القاهرة موجهاً خطابه إلى العرب والمسلمين، وسمعنا منه كلاماً لم نسمعه من رئيس أمريكي من قبل، كلاماً واضحاً لا لبس فيه بالنسبة للقضية الفلسطينية، معترفا بحق الفلسطينيين بإقامة دولة لهم قابلة للحياة، أسوة بدولة الكيان الصهيوني، مؤكداً على أهمية القضية الفلسطينية، التي هي أهم قضايا العالم وأخطرها على الإطلاق.

وكنا نتمنى أن يُسمع القادة العرب أوباما كلاماً قوياً عن القضية الفلسطينية وما تمثله للعرب والمسلمين والعالم، أسوة بمواقف قادة هذه الأمة قديماً وحديثاً، لنقف على حقيقة موقف أوباما.. أهو كلام جدي وموقف جديد لأمريكا، أم هو محاولة لتجميل صورة أمريكا بعد كل الذي اقترفته من آثام بحق العرب والمسلمين على مدى ولاية بوش الابن؟!

وأنا هنا أذكّر القادة العرب بمواقف العزة والكبرياء قديماً وحديثاً لبعض قادة هذه الأمة.. فالرجال مواقف:

فهذا هانئ بن مسعود الشيباني يرفض تسليم ما ائتمنه النعمان من نسائه ودروعه وسلاحه، واختار الحرب على التخاذل والعار، وأرسل له كسرى جيشاً عرمرماً، تلقاه هانئ بجيشه المتواضع كماً وكيفاً، وكان الفرس يومها أقوى قوة في العالم، عند ذي قار، وهزم هانئ جيش الفرس العرمرم وقتل جميع قادته، وفر من نجا منه لا يلوي على شيء.  

وهذا الخليفة هارون الرشيد يكتب على ظهر كتاب نقفور عظيم الروم الذي يهدده بالويل والسبور:

من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى (كلب) الروم نقفور الجواب ما تراه لا ما تسمعه...

وهذا يوسف بن تاشفين يرد على رسالة الفونسو السادس ملك الفرنجة الذي بعث إليه يخوفه من جحافل جيشه ومن مصيره المحتوم بالهلاك قائلاً:

من أمير المسلمين إلى (صعلوك) الفرنجة.. وقفت على رسالتك والجواب ما تراه عند اللقاء...

وهذا السلطان عبد الحميد الثاني يطرد زعيم الصهيونية وايزمن من بلاده، بعد أن عرض عليه (رشوة) باهظة لقاء السماح لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ويقول له:

والله لو ملأت لي خزائن الأرض ذهباً لن أفرط في ذرة تراب من أرض فلسطين...

وهذا الشريف الحسين بن علي يقول للورنس عندما عرض عليه الموافقة على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ويضمن له عرشه في الحجاز والشام، استشاط غضباً وقال: والله لو قطعتم هذا (مشيراً إلى رأسه) عن هذا (مشيراً إلى جسده) لن يكون ذلك.. ففلسطين وقف إسلامي لكل المسلمين في العالم وليس من حقي أن أفرط بشبر من أرض لا أملكها...

وهذا الملك فيصل بن سعود يلتقي بالجنرال ديغول رئيس الدولة الفرنسية (وقد عايشه معظم الحكام العرب الحاليين).. وكان اللقاء في اليوم الأول أو الثاني من حزيران عام (1967) وكان مع الملك فيصل الأمير سلطان (ولي العهد الحالي) والدكتور رشاد فرعون (مستشار الملك) حيث جلسا مع رئيس وزرائه السيد جورج بومبيدو ، وبدأ الاجتماع بين الرجلين فيصل وديجول ومترجم:

قال ديجول :

يتحدث الناس أنكم يا جلالة الملك تريدون أن تقذفوا بإسرائيل إلى البحر، وإسرائيل هذه أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العالم رفع هذا الأمر الواقع ..

أجاب الملك فيصل:

يا فخامة الرئيس أنا أستغرب كلامك هذا، إن هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلا (أنت) انسحبت مع الجيش الانجليزي، وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع حتى تغلبت عليه، فلا أنت رضخت للأمر الواقع، ولا شعبك رضخ، فأنا أستغرب منك الآن أن تطلب مني أن أرضى بالأمر الواقع، والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا احتله القوي وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديجول أن الاحتلال إذا أصبح واقعاً فقد أصبح مشروعاً....

دهـش ديجول من سرعة البديهة والخلاصة المركزة بهذا الشكل، فغير لهجته وقال :

يا جلالة الملك يقول اليهود إن فلسطين وطنهم الأصلي وجدهم الأعلى إسرائيل ولد هناك...

أجاب الملك فيصل:

فخامة الرئيس أنا معجب بك لأنك متدين مؤمن بدينك، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدس، أما قرأت أن اليهود جاءوا من مصر!!؟ غـزاة فاتحيـن.. حرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال، فكيف تقول أن فلسطين بلدهم، وهي للكنعانيين العرب، واليهود مستعمرون، وأنت تريد أن تعيد الاستعمار الذي حققته إسرائيل منذ أربعة آلاف سنة، فلماذا لا تعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة فقط!!؟ أنصلح خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نصلحها لمصلحة روما!!؟ ونحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا، في حين لم يمكث اليهود في فلسطين سوى سبعين سنة ثم نفوا بعدها ....

قال ديجول :

ولكنهم يقولون أن أباهم ولد فيها !!!...

أجاب الفيصل :

غريب... عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس، وأكثر السفراء يلد لهم أطفال في باريس، فلو صار هؤلاء الأطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبونك بحق الولادة في باريس!! فمسكينة باريس!! لا أدري لمن ســـتكون!!؟

سكت ديجول، وضرب الجرس مستدعياً (بومبيدو) وكان جالساً مع الأمير سلطان ورشاد فرعون في الخارج، وقال:

الآن فهمت القضية الفلسطينية، أوقفوا السـلاح المصدر لإسرائيل... وكانت إسرائيل يومها تحارب بأسلحة فرنسية وليست أمريكية ....

فهل في قادتنا من يملك شجاعة الملك فيصل بن سعود ويقول مثل هذا الكلام لـ (أوباما) كما فعل فيصل مع شارل ديغول، الذي تفهم القضية الفلسطينية بالحجة والدليل واقتنع بكلام فيصل، وأمر بوقف السلاح المصدر إلى إسرائيل.. وإذا ما اقتنع أوباما كما اقتنع ديغول فيكون قد وقف إلى جانب الحق والعدل والمنطق، وأنصف الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي وقهره وطغيانه وجبروته، والذي يجسم على صدر الفلسطينيين منذ ستين سنة، وجنَّبَ المنطقة والعالم من بركان قد يثور ويتفجر في كل لحظة لن تسلم منه أمريكا أو الغرب وحتى العالم؟!!.

وإذا ما فعل أوباما ذلك فإن العرب والمسلمون سينسون ما فعلته آلة الحرب الجهنمية الأمريكية والصهيونية في غزة والضفة الغربية والعراق وأفغانستان والصومال وليبيا والسودان، ويفتحوا صفحة جديدة من العلاقات الحميمية مع أمريكا والغرب، تقوم على التكافؤ وتبادل المصالح والاحترام المتبادل.