المسلمون يتحدون

السياسات الدولية التمييزية ضد الهوية السائدة في منطقتنا

هل تدمر مجتمعنا المدني وتفرض علينا الاحتراب الأبدي؟!

زهير سالم*

[email protected]

كأفضل مجتمعات الأرض عشنا وكمثل مجتمعات الناس نريد أن نعيش.

كأفضل مجتمعات الأرض عشنا مجتمعين ، قبل أن يُصيّر أمرُنا بفعل فاعل إلى أيدي ظالمين وفاسدين مستبدين . وللبرهان على الدعوى نتحدى بكل أبعاد التحدي بمقارنة تاريخية ظرفية قرنا بقرن ، وعقدا بعقد ، وعاما بعام ، تاريخ حياتنا الحضارية والاجتماعية في بعدها التعددي مع أي مجتمع أو تجمع شهده تاريخ الإنسان على ظهر هذه الأرض ..

وحين ننظر اليوم إلى الكثير من بُنى المجتمعات والشعوب فنراها تكاد تكون أحادية عرقيا وثقافيا ودينيا ومذهبيا ، غير ما فرضته السياسات المعاصرة ؛ ندرك أن هذه الأحادية لم تكن إلا نتيجة مناهج إستئصال وإقصاء ونبذ واضطهاد وإكراه . وحين يرى الناس في جنبات مجتمعاتنا رسيس حضارات وثقافات وعقائد وأديان عمرها أكثر من خمسة آلاف عام عليهم أن يرددوا :  ما أروع هذه الحضارة وما أرحب هذه الصدور وما أعظم هذه القلوب ...

بالتاريخ الاجتماعي الحضاري المقارن  نتحداهم ، نحن المسلمين ، نتحداهم بعلاقاتنا بالمخالفين ، وبعلاقاتنا يوم كنا غالبين بالمغلوبين ، وبعلاقاتنا يوم كنا أقوياء بالمستضعفين . ونذكر ضحايا محاكم التفتيش من غيرنا  بمن آواهم ومن حملهم ومن حماهم ومن مكنهم ومن  ضمهم إلى صدر هم اليوم أول من يطعن فيه .

اليوم ونحن نعيش معركة استعادة الذات ، وتحقيقها ، واستعلانها ، الذات الكلية الحضارية الجامعة التي نعتبرها نواة أولية للمجتمع المدني الموحد الذي كان أساسه الصُّلب على لسان كل المتعددين المتحدين في مجتمعنا التاريخي الحضاري  ( لكم ما لنا وعليكم ما علينا ) . ذلك القانون الناطق بالحق .  الحق الذي لكم وعليكم لنا وعلينا . مناط لقاء على الكلمة السواء . في مجتمعٍ الناسُ ، كل الناس ، فيه سواء كأسنان المشط .

 

 مجتمعنا الحضاري هذا الذي  تم تحطيمه على يد قادة المشروع الاستعماري الغربي  ووكلائه على مدى قرن مضى ، وحين هبت شعوبنا اليوم لتستعيده و لتعبر على قنطرته إلى العصر ومعطياته الحضارية والثقافية ، وجدت نفسها محاصرة في مثلث للشر ، ضلعه الأول  أنياب بشار الأسد ومخالبه وقواعده وعصاباته في حرب الإبادة الطائفية  التي ينفذونها منذ ثلاث سنوات على الشعب السوري بسواده العام .  ثم السياسات الطائفية والممارسات المنتهكة للقانون الدولي والإنساني لمحور طهران وتوابعها وأذرعها الأخطبوطية الطويلة في المنطقة .  وكان ضلع الشر الثالث السياسات الدولية المتواطئة بكل أبعاد التواطؤ على ما يجري على الشعب السوري .

إن أخطر ما يتعرض له المجتمع المدني السوري في هذه المعركة الحضارية الشرسة والضروس هو  القصف العنصري والتمييزي لقادة المجتمع الدولي  ضد الهوية السائدة في قطرنا . قصف عنصري تمييزي عنيف أصبحت تحت وابله فكرة المجتمع المدني السوري الموحد  ، الذي طالما بشر به العقلاء ، وتمسكوا به وأصروا عليه ؛ فكرة طوباوية تشير إلى ( سذاجة ) صاحبها بل تقود إلى اتهامه عند سواد عام من السوريين بالعمالة والخيانة والارتهان .

نحن لا نعتقد أن ( المتطرفين ) وحدهم هم  الذين يهددون الحياة المجتمعية المشتركة في وطننا . المهددون الحقيقيون ليسوا هم أصحاب الدعوات والممارسات الشاذة والمتطرفة وحدهم . فدعوة هؤلاء خارجة أصلا عن  سياق الكينونة التاريخي الحضاري لهذه الأمة ،  وعن سياق الصيرورة لعصر إنساني في زمن معولم مفتوح . كانت مجتمعاتنا في الأصل الأحق به وأهله .

نحن لا نعتقد أن هؤلاء ( المتطرفين ) قادرون على تهديد فكرة المجتمع المدني الموحد ، لأنهم في حقيقتهم ليسوا إلا ظواهر عابرة ، وفقاعات منتفخة ، وهم ظل مباشر لواقع مثخن بكل أنواع الطائفية والظلم والتمييز يشترك في صناعته عمليا كل الذين يمهرون بلاغيا في إدانته والتنديد به .

بل إن السياسات الشاذة والخارجة عن كل سياق هي وسيلة إقناع غير مباشر . بضرورة هذا المجتمع كأساس لدولة مدنية قاعدتها السواء الوطني ومظلتها العدل بكل الأبعاد .

 إن المدمر الأول  لفكرة المجتمع المدني الموحد ، إلى جانب جرائم الأسد وعصاباته ، هو سياسات التمييز العنصري والفئوي اللاإنسانية التي تنتهجها القيادات الروحية والسياسة والإعلامية حول العالم  ضد الهوية السائدة في سورية مهد النبوات والحضارة الإنسانية . 

وكما تدمر هذه السياسات العنصرية التمييزية والممنهجة لقادة المجتمع الدولي ضد الهوية السائدة في المنطقة وفي سورية بشكل خاص  مشروع المجتمع المدني ؛ فإنها أيضا وتقطع الطريق على الداعين إليه والعاملين منذ عقود عليه .

 لقد كان المجتمع المدني الموحد في الأصل مرفوضا ومستهدفا في سورية من قبل المستعمر الفرنسي الذي أسس لنظام التفتيت ،  نظام البعث حزب الطوائف كما وصفه يوما أمينه العام  القومي العربي منيف الرزاز. ثم أكمل المهمة حتى اليوم  بشار الأسد وأبوه وقواعده وحلفاؤه على مدى عقود .

فكيف يقبل بالمجتمع المدني الموحد على قاعدة السواء الوطني من لا تزال تسيطر على عقولهم وقلوبهم عقيدة  ( نحن أبناء الله وأحباؤه )؟! والذين لا يزالون يتمسكون بقانون الامتيازات الهيموني في تطبيقاته السلبية ، من عصر ضعف الدولة المانحة لهذه الامتيازات ؟! هؤلاء الذين يرسمون دوائر أثرتهم  المجتمعية المسبقة في قوس دعم لا محدود يبذله لهم الأقوياء المتغلبون الدوليون .

 وحيث لا يقدر هؤلاء المتغلبون ثمرات السياسة التمييزية في محيط الأسرة الواحدة ( يوسف وإخوته ) أنموذجا . ( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين ) . فإن الواجب لمن يملك  ناقوسا أن يقرعه أو بوقا أن ينفخ فيه . وعلى نفسها وقومها تجني براقش .

إن هذه السياسات المدمرة لفكرة المجتمع المدني الموحد في سورية ، كما في غيرها من دول العالم ، من أي جهة صدرت هي تدمير عملي لحاضر سورية ومستقبل أجيالها .

وإن قناعتهم ( محليين ودوليين ) بقدرتهم على تأسيس حالة من الاستقرار  على الظلم المجتمعي بأشكاله ، وأول أشكال هذا الظلم التمييز اللامحدود ضد أبناء الهوية السائدة  ثقافة وإنسانا ، هي أول الخلل في تصوراتهم عقولهم وقلوبهم . فأي استقرار لا يقوم على عدل حقيقي يرد على كل ذي حق من المواطنين حقه سيكون نوعا من القمع الموقوت ككل القنابل الموقوتة لا يعرف أحد متي يكون انفجارها .

كما إن قطع الطريق على المؤمنين بالمجتمع المدني الموحد والداعين إليه في الإغراق في السياسات العنصرية التمييزية  ، التي لا يفتأ يعلن عنها قادة العالم الأمميون الروحيون والسياسيون والإنسانيون وفي هذا إعطاء المزيد من الفرصة لأعداء الحياة التشاركية في سورية والدفع إلى تسعير الصراع بين المتمسكين بسياسات الاستئثار والتميز والإقصاء وبين الرافضين لها ولهم على السواء...

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية