المعتقلون في الأرض

محمود القاعود

[email protected]

عندما يُصاب أحدنا بالصداع فإن حياته قد تحال إلى جحيم ، ويسعي لتناول العقاقير الطبية التى تتعامل مع هذا المرض الطارئ الذى يقلب الحياة رأسا على عقب .. وكذلك عندما يُصاب أحدنا بمغص فإنه لا يطيق حتى نفسه وقد يذهب إلى المستشفى بحثا عما يخفف آلام البطن التى لا احتمال لها وتصيب الإنسان بإعياء شديد ..ومثل الصداع والمغص .. آلام الأذن والأسنان والعظام ..

وخلال هذه الأمراض التى تصيب الإنسان، يجد الرعاية من أهل بيته .. والسؤال وتنفيذ الأوامر الطبية .. والامتناع عن الخروج إلى الشارع حتى يتعافى ..

لماذا هذا التمهيد ؟

لأتحدث عن حال عشرات الآلاف من المعتقلين ظلما وعدوانا فى سجون الانقلاب الصليبي بمصر ، الذين يعانون أشد أنواع العذاب والآلام البدنية والنفسية .. بل العصبية الناتجة عن إجرام الزبانية الذين يتولون أمر هذه المعتقلات التى هى أقرب للقبور .. حيث لا هواء  ولا نور  ولا معاملة آدمية .. فقط بعض الطعام التالف والفاسد الذى تأنف منه الحيوانات !

منذ الانقلاب الصليبي فى 3 يوليو 2013م .. اعتقلت ميليشات الانقلاب عشرات الآلاف عشوائيا .. الشيوخ وكبار السن والعلماء والمرضي والطلاب والفتيات والسيدات .. لم يسلم أحد منهم ..

تشابهت قلوب الطغاة .. وتشابهت أفعالهم الإجرامية  الوحشية التى تخجل منها وحوش الغابات والديناصورات المنقرضة ..

لو أن الإنسان – وهو فى بيته -  لديه دمل أو خراج بأى جزء من جسده من الممكن ألا يستطيع النوم عدة أيام ، رغم أنه يحظي برعاية طبية وعلاجية ويجلس فى سريره ويستطيع الذهاب إلى الحمام فى أى وقت يريد .. فما بالكم بمعتقل يعانى من أى مرض وينام على أرضية الزنزانة الخرسانية المظلمة المُغلقة ولا يستطيع الذهاب إلى الحمام إلا مرة واحدة فى اليوم ولا يستطيع الحركة ، ولا يستطيع أن يتناول أى دواء يسكن الألم أو يطفئ بعض النيران التى أشعلها المرض ..

هل تتخيلون حجم وجحيم معاناة المعتقلين فى سجون السيسي ؟

هل تتخيلون ماذا يعني اعتقال إنسان يعاني من مرض كالسكر ويحتاج أن يذهب إلى الحمام كل بضعة دقائق ؟

هل تعلمون ماذا يعني اعتقال إنسان مريض بالصدر أو الربو ويحتاج إلى بخاخة أو على الأقل ألا ينام فى مكان مغلق ؟

ثم أضف إلى ذلك التعذيب داخل هذه المعتقلات ، وانتزاع اعترافات مكذوبة عن طريق الصعق بالكهرباء أو الجلد بالكرباج والتهديد بالاغتصاب ..

إن ما يحدث الآن جريمة نكراء بحق الإنسانية ..  ولنتأمل فى نموذج المواطنة  "دهب حمدي" التى اعتقلتها ميليشيات الانقلاب أثناء ذهابها لعمل تحليل حمل بزعم أنها تشارك فى مظاهرة رافضة للانقلاب .. ثم "الكلابشات" بيديها أثناء عملية الولادة !! تقول دهب : "  أنا كنت ماشية رايحة أعمل تحليل حمل وخدوني ودوني على قسم الأميرية .. أول ما دخلت القسم أنا بقول للضابط أنا معملتش حاجة، قالي يكون في علمك أنك هتولدي في سجن !

وبالفعل تم تقييدها أثناء عملية الولادة ! وهو إجرام لا مثيل له .. فتخيل حال تلك المسكينة التى تضع مولودتها .. وتكون فى أمس الحاجة للرعاية الصحية والطبية .. تخيل وهى لا تستطيع أن تحرك يدها لتحتضن مولودتها !

وإن انتقلنا من حالة دهب إلى حالة عموم المعتقلين فى الزنازين الموحشة .. وهم يعانون من لهيب الحر .. ولا يستطيعون شرب المياه أو تنفس الهواء النقي أو تناول الأدوية الخاصة بهم .. فإنها حال تنتفض لها الإنسانية فى كل مكان ..

المعتقلون فى مصر هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. هم أبطال تحملوا ما لا يتحمله بشر .. ولا نملك إلا أن ندعو الله أن يفك أسرهم ويحرر مصر من هذا الانقلاب الغاشم المجرم .