ليبيا والتأرجح السياسي

ليبيا والتأرجح السياسي

د. ياسر سعد

[email protected]

الرئيس الليبي معمر القذافي في زيارة رسمية لموسكو, وبحسب وسائل إعلام روسية فأن المجال العسكري والطاقة هما محورا الاهتمام الرئيسي في أجندة الزيارة. في حين أفادت أنباء صحفية روسية بأن القذافي مستعد للسماح لروسيا ببناء قاعدة بحرية في ميناء بنغازي، لأنه يخشى هجوما أميركيا آخر على غرار ما حدث عام 1986. وأوضحت وكالة إنترفاكس الروسية بأن المحادثات ستتطرق إلى مسألة شراء طرابلس أنظمة دفاع جوي روسية متطورة وعشرات المروحيات القتالية والدبابات وقاذفات الصواريخ وغواصة بحرية.

كما أشار مسؤول بالكرملين إلى أن البلدين قد يتعاونان أيضا في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية. وفي المقابل تسعى روسيا إلى للحصول على عقود الطاقة في الجماهيرية، كما تبدى شركة غازبروم الروسية اهتماما بالمشاركة في بناء خط أنابيب للغاز يصل ليبيا بأوروبا.

زيارة القذافي تزامنت مع كشفت وزارة الخارجية الأميركية النقاب عن قيام طرابلس الغرب بدفع 1.5 مليار دولار لصندوق ضحايا "الإرهاب". وأوضح ديفد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية أن دفع التعويضات "يزيل تلك العقبة الأخيرة أمام علاقة طبيعية بين الولايات المتحدة وليبيا". كما وصف بيان للخارجية الأميركية ليبيا بأنها شريك مهم في تنسيق الجهود المشتركة ضد "الإرهاب", قائلا إنها "تعد نموذجا للدول التي ترغب في تجنب العزلة والاندماج في المجتمع الدولي".

بعد نحو أربعة عقود من حكم البلاد, ما تزال ليبيا القذافي تبحث عن هويتها وعن السبيل الذي ينبغي لها أن تسلكه. فبعد شعارات القومية العربية والأممية والأفريقية والنضال ضد الإمبريالية، ومن ثم الانفتاح على الغرب والإقرار بالذنب الإرهابي وتفكيك البرامج التسليحية ودفع التعويضات الباهظة, ما يزال الغموض والتشويش يطبعان النهج السياسي للقيادة الليبية. فالقذافي الذي يخشى هجوما أمريكيا جديدا، بحسب الصحف الروسية، استقبل مؤخرا وزيرة الخارجية الأمريكية بحفاوة بالغة, مقدما لها الهدايا التذكارية ومن بينها خاتما وقلادة تحوي صورته، ومشيرا إلى رايس بأنها حبيبته السمراء الأفريقية.

وإذا كان للدول العربية أن تستفيد من العودة الروسية للمسرح الدولي، لتحد من الاستفراد الأمريكي فيه والهيمنة عليه، فإن تلك الاستفادة تصبح عديمة الجدوى إذا كان التنافس بين الطرفين الروسي والأمريكي في العالم العربي سينحصر على بيع صفقات الأسلحة الضخمة والتعاون النووي واللذان يشكلان في نهاية المطاف استنزافا للمقدرات والثروات العربية.

وإذا صحت التقارير الإخبارية الواردة، فإن ليبيا هي الدولة العربية الثانية والتي تعلن استعدادها لفتح موانئها وأراضيها للقوات الروسية. أوليس من المؤسف أن دولا عربية وبعد عقود من نيل الاستقلال، ورفع الشعارات الرنانة في الصمود والتصدي، أصبحت تسعى جاهدة لاستضافة القواعد الأجنبية على أراضيها؟ ليبيا التي بنت  برنامجا نوويا وفككته وأنفقت المليارات على التسلح، تحتاج قبل شراء سلاح جديد وإطلاق برامج نووية سلمية لاستكمال بنيتها التحتية الأساسية، والتي ستقوم إيطاليا تحت مسمى اتفاق التعويضات الأخير على فترة الاستعمار بالمساعدة في إنشائها كمدخل للعودة لليبيا ولمشاريعها وأسواقها.