صاحب القفة ومنطق الزيت والسكر

فؤاد وجاني

بالأمس القريب كان المغاربة على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية قادرين على تناول وجبة الطاجين باللحم أو الدجاج  وبدونهما، ومن لم تكن له الإمكانات لذلك فهناك الجيران والأقارب والأصحاب. بعد تغير البنية الاجتماعية واكتظاظ المدن وعلو العمارة بدل المنازل التقليدية الفسيحة، أصبح الجار لا يطرق باب جاره، والقريب بعيد ، وتاه الأصحاب في دوامة العيش. وظلت القفة رمزَ الكفاح المعيشي ، فقد لا يملك الفقير مسكنا يأويه لكنه يصر ألا يبيت أبناؤه دون عشاء.

القفة أو القُفعة أو الزَّبيل هي التي يركض خلف ملئها الناس، فالشعب المغربي يعشق الخبز والطعام حد الثمالة، وله في كل دار خبيرات متمرسات لا يقدر عليهن أحد من سكان الأرض في صناعة الطبيخ ، ولديه تراث حافل من المأكولات والحلويات مما تشتهي الأنفس ويسيل له لعاب النحل.

كل رمضان تبدأ الحملة الملكية لتوزيع قفة على الفقراء، العام الماضي كانت تحتوي على قالب سكر وقارورة زيت، وهذه السنة أصبح القالب قالبين.  

شعار المرحلة في ممكلة القوالب: القفة ذات الأذنين  لا يحملها سوى اثنان ، القوالب عديدة في المملكة السعيدة، قوالب في الشوارع والطرقات والبيوت وفي الإدارات والوزارات والبرلمان والمؤتمرات والحانات  وبيوت الدعارة والمساجد ، كلها تصيح: عاش صاحب القفة التي لا تنضب، ضامن رزق المواطنين البائسين ، ملك الفقراء ، أمير المؤمنين، حامي الملة والدين، وهلم قوالب.

غدت الرسالة المولوية الشريفة واضحة ؛ القفة الملكية باقية في عصر أكياس البلاستيك،  لكم أن ترموا كل الأكياس  بعد استعمالها أو إعادة تدويرها إلا القفة الملكية، وإن فرغت من كل محتوى فهي صالحة لحمل أعبائكم الأخرى.

هكذا تُوزع ثروات بلاد عامرة بالفوسفاط وغنية بالأسماك والمنتوج الفلاحي. هذه حصة شعب لا يمتلك إعانات مادية من الدولة ولا صندوق تقاعد للمعوزين والمعطلين والعجزة وكبار السن. قالبا سكر وقنينة زيت في بلاد تبذر الملايير على أسفار الملك وموائده الحافلة وقصوره المنتشرة في المعمور وعلى مهرجانات البذخ ، في بلاد لا تستطيع فيها امرأة حامل ولوج مستشفى لتلد كما البهائم أمام الملأ، في بلاد لا يملك فيها المعطل الذي قضى نصف حياته في التحصيل الفلسفي ثمن موس حلاقة.

إنه منطق القفة في بلاد اختلت فيها الموازين ،  وشاع فيها البين بين السلطة والشعب، كل في واد يهيمان.

لم يتغير شيء  في الدار العلوية التي بقيت على حالها . فمازالت دار السلطة العتيقة تعتقد أن الشعب يرى نفسه في القفة كما رأى السابقون وجه جد جلالته في القمر، وأن بحولها دهن الأدمغة بالزيوت الملكية وتحلية ما غدا مرا علقما لا يُستساغ بمنطق السكر.  أما من منظور الشعب ، فليست البنية الاجتماعية والعمران والنمط المعيشي وحدها التي تبدلت بل الحاجات.  الشعب يبحث عن قفة الكرامة والحرية والعدالة والصحة والتعليم المجانيين والثقافة والمشاركة الفعلية في السلطة.  يوما ما ستطفح القفة المليئة بالقوالب ، ولن يحملها الشعب، فالسكر والزيت لا يمثلان حسن الزاد بل يكرسان لاستمرار مشروع الفساد.