أم سلمة (أيِّم العرب)

الشيخ حسن عبد الحميد

أيها الأحباب شاركوني فرحتي وتجاوبوا معها ،

فرحت مرتين ؟؟؟

١/ مرة هنا في تركيا : كنت في مركز تجاري ضخم وإذا بشاب تركي يسلم علي بالعربية الفصحى ، ويحدثني بها في طلاقة ؟؟ قلت فرحا : أراك تتحدث العربية بطلاقة ؟؟ قال لم لا وأمي عربية ؟؟ قلت : من أمك ؟؟ 

قال : السيدة الجليلة فقيهة الصحابة ، أم المؤمنين جميعا ، عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، ولعن ربنا من سبها وانتقصها واتهمها ، فأبكاني الرجل .  

٢/ أما الثانية : فعندما صليت الجمعة مرة في مدينة الباب ، في جامع جديد يحمل اسم عائشة رضي الله عنها ، وهو أول مسجد يحمل اسم امرأة عظيمة ، واستمتعت بخطبة الخطيب 

فقلت حبذا لو بنينا مسجدا باسم أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، قال لي أخونا الشيخ زكريا المسعود لقد بنيت مسجدا في مزرعتي سميته مسجد أم سلمة رضي الله عنها ، ففرحت .

 قلت اين مكان المسجد ، فحدد لي المكان قرب  قطعة من الجبل ( جبل الشيخ عقيل ) كنا نسميها ونحن صغار جبل قرويش ، ولعل الواو زائدة فهي قريش ، القبيلة العربية ، ورسول الله عليه السلام عربي من قريش ، فلو أردنا أن نكتب الاسم بالعامية ( قرويش ) من قروش ، يقول الاب لأولاده لاتقروشوا علي أريد النوم ؟؟ 

أعود لفرحتي : إلى السيدة الجليلة العظيمة أم سلمة ، وما أدراك ما أم سلمة ؟؟

 هل تذكرون صلح الحديبية ، أراد النبي عليه السلام أن يعود إلى بلده المنورة بنوره ، كان عليه السلام محرما ، قال تعالى ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) ٢٧الفتح

طلب المصطفى من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين أن يتحللوا من إحرامهم ،حسب نصوص صلح الحديبية ، فما قام أحد من الناس ، هاهو الفاروق عمر رضي الله عنه ينتصب قائلا : يارسول الله ألم تعدنا بالطواف في البيت ، فاجابه المصطفى عليه السلام : أقلت لك هذا العام ؟؟ فقال له الصديق رضي الله عنه : ياعمر الزم غرزه ، 

توقف الصحابة المشتاقون للبيت الذي حرموا منه سنوات ، قال عليه السلام لزوجه أم سلمة رضي الله عنها لقد تأخرت بالتحلل ، قالت يارسول الله ناصحة انحر هديك واحلق رأسك فإن رأوك يتبعوك ، فأخذ النبي عليه السلام بنصح العاقلة اللبيب ، فنحر هديه وحلق شعره ، فأخذ الصحابة الكرام يقلدونه فنحروا وحلقوا ، 

فمن هي أم سلمة رضي الله عنها ؟؟

 هي هند المخزومية ، وكانت تسمى أيم العرب ، وهي ليست أما لسلمة ، وإنما أم لمائة مليون مسلم ، يشرفهم أن يقول كل منهم أمي أم سلمة ، كما قال التركي عن عائشة رضي الله عنها 

ابوها سيد من سادات مخزوم ، وجواد من أجواد العرب ، كان يقال له زاد الراكب ، زوجها قبل النبي عليه السلام عبد الله بن عبد الأسد أحد العشرة السابقين الى الاسلام 

اسمها رضي الله عنها هند ، ولكن غلبت عليها الكنية فصار اسمها أم سلمة ، هي رضي الله عنها من السابقات إلى الإسلام ، إسلامها أحدث ضجة في قريش ، فصُب عليها العذاب صبا ، وأذن الحبيب بالهجرة ، الى أين ياأم سلمة ؟؟ إلى ديار الغربة ؟؟

 قطعت الوديان  وخلفت في مكة بيتها الباذخ وعزها الشامخ ونسبها العريق ؟؟

 وجاءت الأخبار إلى المهاجرين أن المسلمين في مكة قد كثر عددهم وعزوا باسلام حمزة والفاروق رضي الله عنهما ، فكانت أم سلمة في طليعة العائدين ، ولكن الأمر كان مبالغا فيه ، وعاد العذاب وعاد البطش للقلة المسلمة ، وعندما أذن المصطفى عليه السلام لاصحابه بالهجرة الى المدينة ، كانت ام سلمة وزوجها أول المهاجرين 

ولم تكن هذه الهجرة نزهة ، فبين مكة والمدينة أكثر من ٣٥٠كم تستغرق الرحلة فيها على الجمل تسع أيام في صحراء قاحلة موحشة وفي حر شديد وليس معهم إلا التمر والماء غير المبرد . 

كنا مرة في مكة المكرمة وقبيل صلاة الجمعة نحن في الساعة التاسعة ونوينا السفر إلى مدينة رسول الله عليه السلام وانطلقنا وصلينا الجمعة في مسجد الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ثلاث ساعات بسيارة مكيفة ، والمهاجرة العظيمة قطعت المسافة بعدة أيام والشمس تكوي الأبدان ، والسير البطيء من سفينة الصحراء الجمل ؟؟

تقول رضي الله عنها لما عزم ابو سلمة على الخروج إلى المدينة أعد لي بعيرا ثم حملني عليه وجعل  طفلنا سلمة في حجري ، ومضى أبو سلمة يقود بنا البعير ، وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال قومي من بني مخزوم وتصدوا لنا ، ثم وثبوا عليه وانتزعوني منه ؟؟

 ولما رأهم بنو عبد الأسد قوم أبو سلمة قالوا : والله لانترك الولد عند صاحبتكم ، هو ابننا ونحن أولى به ، وطفقوا يتجاذبون طفلي سلمة حتى خلعوا يده وأخذوه .

تقول ام سلمة رضي الله عنها وفي لحظة وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدة فزوجي اتجه الى المدينة فرارا بدينه وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي خطفا ، أما أنا فقد استولى علي قومي بني مخزوم وجعلوني عندهم ، وصرت اخرج كل غداة إلى الابطح فاجلس في المكان الذي شهد مأساتي ، إلى أن مر بي رجل من بني عمي فرق لحالي ورحمني ، وقال لبني قومه ألا تطلقون هذه المسكينة ؟؟ فرقتم بين زوجها وولدها ؟؟ 

وما زال بهم حتى رقت قلوبهم .

 فقالوا لي الحقي بزوجك ، كيف الحق بزوجي في المدينة واترك ولدي في مكة ؟؟ 

ورقت قلوبهم وكلموا بني عبد الأسد فردوا لي ولدي ، لم انتظر حتى أجد من أسافر معه ، وضعت ولدي في حجري وانهضت بعيري وخرجت متوجهة إلى المدينة أريد زوجي وما معي أحد من خلق الله 

 وما أن بلغت التنعيم حتى لقيت عثمان بن طلحة وهو حاجب بيت الله في الجاهلية ، اسلم ودفع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم فتح مكة ، فقال عثمان بن طلحة : إلى أين يابنت ( زاد الراكب ) ، فقلت أريد زوجي في المدينة ؟؟

سأل عثمان أم سلمة : أمعك أحد ، قلت لا والله ، إلا الله وابني هذا ، قال عثمان والله لا اتركك أبدا حتى تبلغي المدينة ،ثم أخذ بخطام بعيري وانطلق يهوي بي ، 

تصفه أم سلمة كان إذا نزل منزلا ينيخ بعيري ثم يستأخر عني حتى أنزل عنه ، فيقتاده إلى شجرة ويقيده فيها ، ثم يتنحى عني إلى شجرة اخرى فاضطجع في ظلها  ، ومازال يصنع بي ذلك كل يوم ، حتى بلغنا المدينة ، فلما وصلنا قباء وفيها بنو عمرو بن عوف ، قال عثمان زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا الى مكة ، 

الله اكبر ، إنها مااعظم الشهامة ؟؟

في قباء اجتمع الشمل وقرت أم سلمة بزوجها ، وسعد أبو سلمة بصاحبته ، ثم  شهد بدرا وخاض غمار أحد فأبلى فيها أحسن البلاء وجرح جرحا بليغا، زاره المصطفى عليه السلام فلم يكد عليه السلام أن ينتهي من زيارته حتى فارق الحياة  ، اغمض النبي عليه السلام عيننه بيديه الشريفتين ، وقال ( اللهم اغفر لابي سلمة ، وارفع درجته  في المقربين افسح له في قبره ، ونور له فيه )

ودعت ام سلمة اللهم اخلفني خيرا من مصيبتي ، حزن المسلمون وأطلقوا على أم سلمة ( أيِّم العرب ) إذ لم يكن لها في المدينة أحد من ذويها 

 وتقدم الصديق لخطبتها فأبت ، ثم تقدم عمر رضي الله عنهما لخطبتها  فردته ، ثم تقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام  لخطبتها وتم الزواج المبارك ، واستجاب الله دعاءها وأخلفها خيرا من أبي سلمة ، فلم تعد أم سلمة أما لسلمة بل أما لكل المسلمين 

أجل لم تبق هذه المخزومية اما لسلمة وحده ، بل غدت أما لجميع المؤمنين ، رضي الله عنها ، وصلى الله على زوجها سيدنا محمد عليه افضل الصلاة واتم التسليم 

أخي الفاضل ، إن جاءك مولود فسمه سلمة ، فتكن أمه أم سلمة 

والله أكبر والعاقبة للمتقين 

وفرجك ياقدير

وسوم: العدد 672