الشعب التركي قال كلمته و أسقط الانقلاب ..

لقد سقطت مؤسسات استراتيجية محصنة وذات تأثير سياسي كبير واقعة خارج العملية الانتخابية، ومنها المؤسسة العسكرية والمؤسسة القضائية والمؤسسة الاعلامية و من دار في فلكها من مؤسسات مالية داعمة أو أمنية مخترقة .. وهذا أمر هام جدا غاب على كثير من المحللين، والدرس المصري مؤلم و تاريخي في هذا الباب.

فلوقت طويل لم تستطع الحكومة التركية الوصول إليها والحد من تواطئها و تماهيها مع كيان كولن الموازي للدولة، بدعوى استقلاليتها و حساسية الوصول لشبكاتها السرية العاملة بشكل حثيث على تقويض دعائم المؤسسات الشرعية المنتخبة ، حيث احتمت بالقوانين والضمانات التي تخلوها الديمقراطية.  

لقد فشلت من جديد الاستراتيجيات الغربية في دعم و إضفاء الشرعية عن انقلاب عسكري خطط له منذ مدة و بعناية فائقة .. ومازال الترنح سيد الموقف، أنظر لموقف وزارة الخارجية الفرنسية التي تعطي الدروس في كيفية التعامل مع الأجهزة والمؤسسات المنقلبة على الشرعية.

العداء السياسي و العمى الإديولوجي و انعدام الرؤية و فقدان البصر و ظلمة البصيرة، سيدة الموقف عند كثير من منسبي بعض الأحزاب العربية والمغربية، حزبية مقيتة، ونفسية عصبية، وكره مستحكم، حتى أصبحوا ملكيين أكثر من الملك ... لم يستوعبوا الدرس المصري، لما داستهم جزمات العسكر المنقلب .. مرة أخرى الدرس التركي يكشف جبهتنا الداخلية و يسقط التقية السياسية الممارسة من قبل هؤلاء الصغار  من المحللين ..

الشعب التركي، أعطى الدرس، لشعوب العالم، بأنه متمسك بالشرعية، متمسك باختياره الحر والديمقراطي، وأنه مستعد لحماية إرادته بالقيام في وجه العسكر المنقلب ودباباته مهما كانت التضحيات.. وهو درس له ما بعده، سوف يبقى نبراسا للشعوب الطالبة للحرية والكرامة و العدالة الإجتماعية.

أن تنقل الحكومة التركية بلدها من المرتبة 111 عالميا، إلى المرتبة 17  وأن تسعى للوصول لأقوى 10 اقتصادات عالمية بحلول 2023 ، و أن تحرر قرارها السياسي والمالي والاقتصادي من المديونية للمؤسسات المالية المقرضة أمر ليس بالهين، بل هو انجاز استراتيجي، علما إذا قارنا وضعية بعض البلدان مثل مصر والمغرب التي تضاعفت مديونيتها الخارجية و الداخلية بشكل مهول وغير مسبوق. وأن تضاعف الدخل الفردي للمواطن التركي من 2700 دولار سنة 2002 إلى 11000 ألف دولار سنة 2011 على أن يصل 25000 دولار في أفق 2023 .. إنها شرعية الإنجاز التي خبرها الشعب و خرج لحمايتها و الدفاع عنها بشهدائه و تضحياته.

البعض يحاول تحليل الوضع التركي، بعاطفة زائدة، و تحت تأثير أدوات صناعة الرأي العام الموجهة، فيسقط أدوات تحليله المحلية، أو رؤيته الحزبية، أو ما التقطته آلات بحثه هنا وهناك، على دولة تعيش وضعا داخليا وخارجيا معقدا و مركبا له خصوصيته، دولة اخترق فيها تنظيم كولن مؤسسات حيوية عسكرية و قضائية وأمنية و إعلامية ، تنظيم ارتهن لقوى اقليمية و دولية لها حساب طويل مع تركيا التي فتحت ذراعها لأحرار العالم من أبناء هذه الأمة ..

اللحظات التاريخية الحاسمة في تاريخ الدول، تطلب رؤية استراتيجية، دقة اجرائية، و مقاربة شمولية، وفهما ميدانيا دقيقا، وحسما واضحا يعيد الثقة للشعب والمؤسسات و يحافظ على الدولة و تماسكها.

وسوم: العدد 677