السؤال الذي يؤرّق طلبتنا: ماذا سندرس في الجامعة؟

السؤال الذي يؤرّق طلبتنا:

ماذا سندرس في الجامعة؟

معين رفيق

مشرف اللغة العربيّة- تربية جنين

خسائر الاختيار الخاطئ

لا أبالغ إذا ما قلت إن خطأ الإجابة على سؤال "ماذا سأدرس؟" قد كلف كثيرين أثمانا فادحة، وليس أقلّها عدم إحساسهم بالمتعة في وظائفهم التي نالوها بناء على التخصصات التي اختاروها في دراستهم الجامعية. وقد تلقى الواحد منهم فيقول: "أنا أعمل في مجال كذا، ولكني أكره عملي، وأتمنى لو درست التخصص الفلاني، لكنت الآن في غاية الشغف والانفعال".

وآخرون كانوا أقل حظّاً، جعلهم جهلهم برغباتهم يتوقفون عن متابعة دراسة مادة تمنّوا- بعد أن شرعوا في تعلّمها- لو أن بينهم وبينها بعد المشرق والمغرب. وبعضهم كانوا أوفر حظّاً، تابعوا دراستهم، ولكن بعد أن أضاعوا سنوات وثروات، وهم ينتقلون حائرين من تخصص إلى آخر في الكلّيات والجامعات.

أخي الطالب، ها قد أوشكت على إنهاء دراستك الثانوية، وأنت على باب الدخول إلى الجامعة، أنصحك أن تختصر هذه المعاناة، وتتعظ بغيرك، وتتحضّر للإجابة الصحيحة على سؤال المستقبل: "ما التخصص الذي أريد؟"؛ وذلك لتجعل من دراستك القادمة ممتعة، وشيقة، وإلاّ تفعل تكن ممّن يسير على دروب الفاشلين، الذين ضيّعوا أموال ذويهم، وأهدروا سنواتهم، واستنزفوا  جهودهم في معارف وعلوم تُسخطهم ولا تُرضيهم، ومباحث تثير قلقهم أكثر ممّا تطمئنهم.

الرغبة أوّلاً

سلْ نفسك أوّلاً- أخي الطالب- الأسئلة الأهم: ما هي رغبتي؟ وما هي ميولي؟ وما المادة التي أُحبُّ، وكنت لا أشعر بالوقت والمعلم يشرحها؟ وعليك أن ترجع إلى نفسك، وتواجهها بهذه الأسئلة الحاسمة؛ فكل إنسان يعلم عن نفسه وقدراته أكثر من أيّ شخص آخر، فابحث- بعمق- في المباحث التي تستهويك، وتحسّ أنّك قادر على فهمها بسهولة، وتستلذّ لسماعها، وتُعجب وأنت تقرؤها، أو تتحدّث عنها. اسبر غور نفسك، واركض وراء رغبتك، ولا تلتفت إلى قرارات الآخرين، ولا تقارن نفسك بهم،  فلكل منا ميوله وقدراته، وليس بالضرورة أن تتشابه النفوس، ولا أن تتطابق الاتّجاهات.

وأنا أعرف- للأسف- أن كثيرين من أبنائنا لا يعرفون ميولهم، ولا يشعرون بأن لديهم القدرة على استكناه رغباتهم، وهؤلاء يمكنهم الاستعانة بمعلميهم وذويهم، بشرط أن يتوقّف دور الأهل والمعلّمين على تقييم قدرات الطلاب أنفسهم، وعلى تمييز طبيعة ميولهم، من دون أن يقرّروا عنهم، أو يفرضوا عليهم تخصصات لا قِبل لهم بها، ولا رغبة لديهم فيها.

خطوتان لازمتان

وإذا خطوت عزيزي الطالب هذه الخطوة بالغة الأهمية، باختيار تخصّصك عن رغبة، فعليك بعدها أن تتأكد أن لديك القدرة على فهم هذا التخصّص وهضمه، وعلى إتقانه واحترافه، فثمّة فرق بين ما هو موجود لديك من قدرات، وبين ما تتمنّى أن يكون موجودا لديك بالفعل.

واعلم أنّه لا عيب في أيّ تخصّص ما دمت تحبه، وتشعر أنّك قادر على ممارسته- في المستقبل- باحتراف ومهنيّة؛ لذا لا تدع انبهارك بالألقاب، والتفاتك إلى المظاهر يدفعانك إلى اختيار تخصّص لا تميل إليه، فالخطأ كل الخطأ أن تحرم نفسك من سعادة الاقتراب مما يسعدُكَ تعلّمُه، من أجل رغبات الآخرين، أو بسبب قيم اجتماعية زائفة تعلي من شأن بعض التخصصات وتحطّ من قدر أخرى، أو انطلاقاً من نظرة اقتصادية  ترى في هذا التخصص نفعاً ماديا أكثر من غيره.

وأخيراً، أعود فأنصحك عزيزي الطالب: اعرف نفسك، واكتشف ميولها ورغباتها أوّلاً، ثمّ تأكد من قدرتك ثانياً، ثمّ اختر تخصصك، وعندها ستضمن- إن شاء الله-  أن تجد المتعة والإبداع، وتعثر على التفوّق  والتميّز.