إيران بين تقوية داعش و بعث تنظيم خراسان

يخشى حسين شريعتمادي رئيس تحرير جريدة جمهورى إسلامى وأحد المقربين من المرشد خامنئي ، من تسوية في الأزمة  السورية   على حساب مصالحها نتيجة جهود ثلاثية لكل من: أميركا و روسيا و تركيا، وبالتالي تذهب إستراتيجية إيران أدراج الرياح ، مما يعطي لها الحق في استخدام الإستراتيجية التي تراها مناسبة".

و إلى جانب ما ذكره شريعتمدارى هنالك حالة تخوف إيرانية غير مسبوقة من سيناريو  "المنطقة الآمنة" و  الذي بات  العنوان المشترك بين أمريكا و تركيا و روسيا "الذي يشترط موافقة نظام بشار الأسد المغلوب على أمره أصلاً " ؛ لذا  أدركت طهران تماماً ، أن هنالك توافق بين الأطراف الثلاثة  على ماذا يجب أن تكون عليه ما تسمى بالمنطقة الآمنة في الداخل السوري وعلى الحدود الشمالية والجنوبية ،  وهي تحتاج إلى مناطق حظر جوي  ، مدركة طهران أن إقرارها  لن يصطدم  بالفيتو الروسي ولا الصيني طبعًا.

فضلا عن يقين طهران بأن  دورها وطروحاتها باتت  وصفة منتهية الصلاحية ، وغير ذات أهمية  بالنسبة لروسيا فيما يتعلق بالمسألة السورية، بعد مضي أكثر من ست سنوات، مع استمرار استنفاذ قدرات وموارد روسيا ، وأن حوار "طهران – موسكو" لم يعد إستراتيجيًا ، بل للمناورة وللتسلية السياسية لامتصاص نقمة دولة ولي الفقيه التي تتبنى  في الأصل مشروعا لا يروق لمصالح روسيا الجيو-إستراتيجية في المنطقة .

و تشير وسائل الإعلام الإيرانية إلى تسريبات تنسبها  عادة لمصادر أمنية مطلعة أن التوافق الأميركي – الروسي قد نضج  فيما يتعلق  بمضمون التفاهم على المصالح المشتركة بين روسيا أمريكا  في الملف السوري ، تمهيداً للتفاهم حول  ملفات المنطقة ، وعبر رافعة التوافق حول الأزمة  السورية،  ليكون عنواناً  للتنسيق في الملفات الأخرى .

فيما تتحسب طهران من إعادة  فلترة الجماعات المسلحة وإعادة تصنيفها  بكل أطيافها، لتشمل مليشيا حزب الله ، والمليشيات الإيرانية والشيعية  المتعددة الجنسيات التابعة لها ،  وهي خطوة أولى للتخلص من فائض القوة الإيرانية المدمرة في سوريا ، تمهيداً لاستهداف  المليشيات الإيرانية الموجود في مداخل الأزمات الإقليمية الأخرى ؛ لا سيما في العراق .  و تدرك  إيران أن المنطقة  باتت على صفيح ساخن  ، وهي بالتأكيد ُمتجهة إلى مزيد من الاشتعال والحروب أكثر من أي وقت مضى .

و الحقيقة المرة  تشير إلى أن دولة ولي الفقيه قد  وعدت  العالم  في حال تهديد مصالحها في سوريا  بقلب الطاولة  على الجميع من خلال تبني سياسة "  دروازه جهنم " " بوابة جهنم ، وهذا سيؤدي  إلى عودة التصعيد المتفاقم  أصلاً على طول خطوط الأزمات  بدءا بالأزمة السورية مروراً بالعراقية واللبنانية ، ودفع بعض الفصائل الفلسطينية لضرب إيران من خلال  بوابة غزه على فرض  التصعيد ضد إسرائيل ، وسوف يكون مقدمة لخلق أزمة دولية جديدة، غايتها توظيف قدرات إيران  ، ولجم أميركا عن أي أنشطة عسكرية  ضد طهران . إن أولى  مشاهد مسرحية "بوابة جهنم الإيرانية"  و التي تتمثل  في  توظيف مختلف أوراقها ؛ وفي مقدمتها العمل على تقوية داعش من جديد من خلال بوابة العراق وسوريا ، ومدّها بالموارد الكافية لضمان استمرارها  عملها بقوة .

 أما المشهد الثاني فيتمثل بإشعال الفوضى في المنطقة، من خلال إدخال ممثل جديد  في مسرحية الدم وهو  تنظيم خراسان الإرهابي  - الذي بدأ الإعلام الإيراني  بقدرة قادر يتعجل ظهوره - النسخة المطورة من تنظيم داعش  ليضرب من خلال بوابة  دول آسيا الوسطى والقوقاز ، ولينتقل  العرض إلى المنطقة تباعاً ، و  ضمن حلقات متتالية،وهو رد فعل إيراني طبيعي ،  الهدف  بمجمله تحطيم ممنهج لنسيج المجتمعات العربية  ، واستنزاف قدرات الخصوم ، وتلقين الغرب وأميركا وروسيا وتركيا والعرب درساً في الإرهاب  الإيراني بحجة التآمر على مشروعها .

داعش وإيران : وجهان لعملة واحدة  

لا شك بأن تنظيم داعش لم يستهدف  إيران حتى كتابة هذه السطور ، إلا في إطار إعلان طهران أنها تمكنت من تفكيك عدد من الخلايا التابعة لهذا التنظيم ، وأن هنالك مصلحة عظمى تجمع بين دولة ولي الفقيه وداعش ألا و هي الحرب مع الأنظمة العربية التي لا تحمل لواء الإسلام الحقيقي . وقد اتضح أن الهدف الرئيس من دعم إيران لظهور هذه الجماعات التكفيرية المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، مع اندلاع الأزمة السورية وبعدها العراقية، هو السعي لتفتيت الدول العربية وإضعاف جيوشها ، واستنزاف مواردها ، الأمر الذي يعتبر من أبرز الأهداف التي تسعى له إيران وإسرائيل وداعش على حد سواء .

وبفضل التوافق بين هذا الثالوث بتنا  أمام عراق مقسم ، وسوريا مدمرة ، وليبيا وتونس ومصر...... مستنزفة و مستهدفة  ، وتعاني من هاجس أمني مضطرب على مقياس متعدد الدرجات ، أما القضية الفلسطينية  فهي في ذيل القائمة منسية ومهمشة،

وما من شك في أن الدوائر السياسية والأمنية الإيرانية ، بحسها الانتهازي المعروف، هي المستفيد الاكبر.

لكن ما أوجه التشابه بين داعش وإيران وفقا للمعطيات السابقة ؟

 إيران تدعي أنها الدولة الإسلامية "الشيعية " التي تحمل  لواء الإسلام الحقيقي ، كما أن داعش تصف نفسها بأنها الدولة الإسلامية  "السنية"  ، لكنها دولة مشوهة وكافرة ، لذلك يجب دعمها والترويج لها – حسب الفهم الإيراني - تمهيداً للإجهاز على الدول السنية بعد تشويه صورتها . ولكن  نسيت إيران أن هناك قواسم مشتركة كثيرة تجمعها بداعش ، فهذان الكيانان  الإرهابيان يعرفان نفسهما ،  من حيث أن تنظيم الدولة و داعش  يتصفان بالكراهية والتحريض ، لهذا فهما يذبحان  الشعوب بوحشية قل نظيرها  بذريعة كفرها ، كما أنهما يفخران بارتكاب المجازر الرهيبة  لتغيير مجريات التاريخ، ويقومان بزعزعة استقرار الدول المجاورة والمضي بتقسيمهما . لهذا يمكنهما التعاون ، بل العمل  والتنسيق معًا، ولهذا السبب هناك دعم إيراني  لامحدود لتنظيم داعش .

السؤال المهم والمحوري هو كيف تستفيد إيران من داعش؟ لا شك من أن  إيران قد استفادت  من تصرفات داعش بحيث أنها تقوم بتعزيز علاقاتها بالمجتمع الدولي  كشريكة  مفترضة في مكافحة الإرهاب ، ومدّ جسور الاتصال مع الغرب ،  وقد تعزز ذلك عبر التنسيق الأمني الذي وصل لحد مطالبة إيران لبناء  تحالف غربي -إيراني، لمواجهة داعش .

 كذلك فإن استهداف داعش  الأقليات الدينية من قتل وتهجير، قد ساهم في  تشويه تنظيم الدوله " السني " في الوقت الذي تعطي فيه إيران" الشيعية" هامش من الحريات لهذه الأقليات والسماح لها بممارسة شعائرها الدينية ، وبناء دور العبادة  ، كذلك فإن استهداف هذه الأقليات قد أدى إلى تعزيز العلاقات الأمنية  بين الغرب و إيران  بشكل خاص.

 واستفادت إيران ايضًا من دعم تنظيم الدولة في بناء مجالها الحيوي  وتعزيز دوافع الاتفاق مع إيران ؛ كونها ظهرت كدولة شريكة مسالمة  في محاربة إرهاب داعش .

المضحك والمثير للسخرية هو أن إيران تستفيد من موضوع  تنظيم داعش  وإرهابه  دعائيًا وإعلاميا لتنفي التهمة عن نفسها وتقول إن «الإرهاب» موجود على حدودها ويتمثل في منظمات الإسلام التكفيري ، الوهابي ، الداعشي  المسلّح بأنواعه وأشكاله ، ولذلك لا بد من التوجه لمحاربة منبع هذا الفكر " السعودية وتركيا " ، ولا بد من اتخاذ كل الاحتياطات الأمنية وإطلاق يد إيران في الدفاع عن أمنها ومصالحها الإستراتيجية من دون أي انتقاد  ، وهذا يفسر أن أي من الدول الغربية لم تعترض صراحة على الدور الوظيفي لإيران .

والأخطر اليوم هو ما تقوم به إيران من مناورات عسكرية تستخدم فيها أسلحة صاروخية هجومية بحجة التخلص والتحلل من موجبات ما تفرضه انتهاكاتها  المتكررة للقوانين الدولية ، حيث استغلت إيران ذلك للتسريع بوتيرة برنامجها الصاروخي و النووي، وإقامة جسر إمداد متواصل للعبور إلى مداخل الأزمات الإقليمية بشكل كبير دون انتقاد من الغرب ؛ بل أثنت بعض هذه الدول على هذه الخطوة ، ودعمتها ضمناً .

مما لا شك به أن  هذه التطورات المتسارعة قد سمحت لإيران باستغلال  الأحداث المتسارعة للعمل وفق قاعدتين: الأولى؛تسريع وتيرة تطوير القدرات العسكرية النوعية ، و لتحقيق فكرة توفير الحدود  الأيديولوجية والعسكرية الآمنة  ، والتي مصدرها المواجهة  الحتمية للتهديدات التقليدية  لدول الجوار 

القاعدة الثانية :  محاولة استنزاف الدول الأخرى  وزعزعة استقرارها الداخلي عن طريق دعم إنشاء الخلايا النائمة،  وإشغالها إستراتيجية نقل الإرهاب العابر لها .

 لذا من هنا نستطيع أن ندرك كيف تعمل إيران للاستفادة من ظاهرة داعش وأخواتها من قوى التكفير والتدمير لأقصى درجة في تمرير مشاريعها وتبريرها، وهذه المرّة بذريعة الخطر الأمني وليس بالهاجس الأمني أو عقدة الأمن  كما كان سابقًا. 

د.نبيل العتوم                                             

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                     

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 709