من مآسي التاريخ العربي الحديث

من مآسي التاريخ العربي الحديث أن تجليات تجمع العرب ومظاهر توحدهم كان وراءها قوى غربية استعمارية معادية لهم في جوهرها وإن تظاهرت نفاقا وخداعا بخلاف العداء .

_ ما سمي الثورة العربية الكبرى في 1916 كان وراءه بريطانيا مستغلة تنامي النزوع العربي للاستقلال عن الامبراطورية العثمانية ، وانتهت تلك الثورة بخديعة سايكس _ بيكو التي قسمت الوطن العربي ، ومهدت لوعد بلفور ، وإقامة وطن لليهود في فلسطين .

_ وبريطانيا كانت وراء إنشاء الجامعة العربية في 22مارس / آذار 1945 لقطع الطريق على أي وحدة عربية حقيقية ، ولاستغلال الجامعة في مساندة المصالح البريطانية . كانت الجامعة  المعادل العربي للكومنولث البريطاني . وتستر أنتوني إيدن على حقيقة هدف بلاده من إنشائها الجامعة بأنه يؤيده مناصرة لتطلعات المفكرين العرب لوحدة أوطانهم . ولم تصنع الجامعة العربية أي مكسب للقضايا العربية ، وظهرت على حقيقتها المتفقة مع هدف منشئها الاستعماري حين أيدت تدخل الناتو في ليبيا الذي يحترق الليبيون منذئذ بحصاده الدموي ، وجمدت عضوية سوريا في مخالفة قانونية فظة حتى لميثاق مجلسها ، وهي الآن في أعمق دركات الهزال والانعزال والعجز المطلق عن فعل أي شيء نافع في أي مشكلة عربية .

_ واعترفت مصادر أميركية مؤخرا أن أميركا انتهزت حريق الأقصى في 21 أغسطس / آب  1969 بيد متطرف يهودي ، ودفعت السعودية والمغرب لتبني فكرة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي بظاهر الدفاع عن الأقصى والقضايا الإسلامية ، وهو ما حدث في الرباط في 25 سبتمبر / أيلول 1969 ، والهدف الحقيقي الخفي مناصرة أميركا في مواجهة الاتحاد السوفيتي .

وماذا أفادت المنظمة المسلمين ؟ نفس ما "أفادته" الجامعة العرب . الفوائد الحقيقية للمنشىء الحقيقي .

_ وفي مستهل 2015 كونت السعودية " التحالف العربي " من عشر دول عربية وإسلامية ، وما من شك في أن وراءه أميركا ، وكانت أولى جرائمه العدوان على الشعب اليمني في 26مارس / آذار من نفس العام ، وسيدخل تاريخ العرب بوصفه تحالف الجريمة والعار .

 والآن ، 55 دولة عربية وإسلامية تجتمع في الرياض بإرادة أميركية للاجتماع بترامب لتأسيس تحالف عربي إسلامي أميركي إسرائيلي ، وإن كان الجانب الإسرائيلي لا يظهر اسمه صريحا ، والهدف  من هذا الاجتماع ومن التحالف المنتظر أن يظهر بعده ، هو ، مثلما صرح هربرت ماكماستر مستشار الأمن القومي الأميركي : " اتخاذ خطوات جديدة شجاعة لتعزيز السلام ، ومواجهة داعش والقاعدة وإيران ونظام الأسد الذين يثيرون العنف ويتسببون في الكثير من المعاناة عبرالعالم الإسلامي وخارجه " . والسلام هنا هو السلام مع إسرائيل الذي نتوقع أن تفوز به إسرائيل دون أن تعيد مقابله أي قدر من الحقوق الفلسطينية ، وخبر المبادرة الخليجية الجديدة المعروضة على أميركا وإسرائيل ، والمكتفية مقابل هذا السلام بتجميد الاستيطان خارج المستوطنات الحالية ، ورفع بعض مظاهر محاصرة غزة ؛ يؤكد صحة ما نتوقعه . والفوائد المالية والسياسية ستكون لصالح أميركا صرفة خالصة : 200مليار استثمارات سعودية في أميركا ، و550 مليار مبيعات أسلحة أميركية  للسعودية في عشر السنوات القادمة يتسلح بها جيش يصنف ثالث جيوش العالم من حيث حجم ميزانية تسليحه، ويخوض للسنة الثالثة في اليمن حربا عدوانية فاشلة تشاركه فيها جيوش عشر دول ، ويعجز تماما عن حماية حدود بلاده مع اليمن من توغلات محاربي جماعة أنصار الله بأسلحتهم الفردية.

والفوائد  السياسية الأميركية التي قد تتلون بنار الحرب ودخانها هنا وهناك ، وبين حين وحين ستكون في تحجيم النفوذ الإيراني و الروسي في المنطقة ، وفي تخليص إسرائيل من خطر حزب الله والمقاومة الفلسطينية . ولن يبوء العرب  وأولهم السعودية والدول الخليجية من التحالف الوشيك مع أميركا وإسرائيل إلا بالخسران المميت المبين ، وسينصب عليهم هذا الخسران في تتابع متلاحق ، وستكون الخسارات التي نجمت عن توحداتهم وتجمعاتهم السابقة التي اصطنعها الاستعمار صغيرة جدا إزاء كبر وفداحة الخسارات الناجمة عن تحالفهم الجديد المتخذ مظهر التوحد والتجمع العربي الإسلامي .

وسوم: العدد 721