دعوة للسيسي لإحراجي شخصياً!

ثلاثة من أصحاب القلوب الرحيمة، التقوا بصحاب القلب الكبير، ليعلنوا في حضرته، تخوف المنافسين له في الانتخابات الرئاسية المقبلة من الإعلام وهجومه عليهم في حال إعلانهم أنهم سيخوضون الانتخابات، ولهذا فهم يحجمون عن الإقدام على هذه الخطوة، فدعا من فوره الإعلام أن يرفق بهؤلاء!

الثلاثة هم رؤساء تحرير الصحف القومية (الحكومية) الثلاث: «الأهرام»، و«الأخبار» و«الجمهورية»، وكان صاحب القلب الكبير هو الأخ الأستاذ عبد الفتاح السيسي، ولي أمر المصريين، ومنذ أن خلق الله الخلق، والذي «تشحتف» حتى دنا فتدلى فبدا كما لو كان الفنانة الراحلة «أمينة رزق»، وهو يتذكر مشهد «أولاند» و«ماكرون»، الذي يطلق عليه المصريون «ماكرون محمد أحمد» نسبة لرئيس المجلس الأعلى للإعلام «مكرم محمد أحمد»!

مشهد انتقال السلطة في فرنسا، جعل عبد الفتاح السيسي يحلم أن يراه في مصر. وقد حاول أن يقلد مثل هذا المشهد، بانتقال السلطة من «المؤقت» عدلي منصور إليه، لكن لأن الأمر كان على سبيل المحاكاة، فمنصور لم يكن يمتلك سلطة لكي تنتقل، نسى الناس هذا المشهد التمثيلي المزري ولم يعلق بأذهانهم، والمدهش أن السيسي نفسه نساه، فمحاكاة الواقع ليست واقعاً.

هذا فضلاً عن أن مصر كانت مؤهلة لمشهد انتقال السلطة قبل عامين، عندما تنتهي ولاية الرئيس المنتخب، لكن العسكر عصف بكل هذا «بجرة بيادة»، وأعادنا إلى العصر الحجري، فتصبح عملية انتقال السلطة من الأعاجيب، ولا شك أن السيسي كان يقف على حجم انبهار المصريين بالصورة المنقولة فرنسيا، فلم يبهرهم المشهد الأمريكي، الذي كان يفتقد للياقة التي يتمتع بها الفرنسيون، فقد بدا في الصورة الأمريكية، أن الرئيس المنتهية ولايته، من الهنود الحمر، في استقبال الفاتح ترامب لتسليمه مفاتيح البيت الأبيض إقراراً منه بالهزيمة!

ولا شك أن المشهد الفرنسي غلب عليه ثقافة القوم، حيث الاهتمام بالصورة التي تقدم للرأي العام، تماما كما قناة «فرانس 24»، وهي قناة جيدة من حيث الصورة، وجاذبة من حيث الشكل، ولأنها كذلك فإن المصورين في استوديوهاتها لا يناموا خلف الكاميرا، فهم في حالة يقظة تامة، لكن لم يحدث أن كانت المناقشة في كثير من البرامج جذابة، ولا يخبرك أحد بما يثار في برامجها، والمرة الأولى التي يذكرني أحد بها عندما كنت أشاهد عبد الفتاح السيسي، فنصحني بالذهاب إلى «فرانس 24» التي تنقل وقائع انتقال السلطة في فرنسا، فأخذت بالنصيحة وإن لم أغادر مشهد السيسي على القناة الأولى المصرية، فإن القلوب تمل، والسيسي ينشر الفكاهة في ربوع الكرة الأرضية!

«من قعر القفه»

«فرنس 24»، أفضل حالاً من القناة الألمانية الناطقة بلغة الضاد، التي تشعر أنها سقطت من «قعر القفه»، ورغم انتقال مذيع بكفاءة يسري فودة إليها، إلا أنه لم يجذب إليها المشاهدين، حيث تبدو ليست مشغولة بهم، فيبدو أن المتحكمين فيها يخافون عليها من «العين» وقد ورد في الأثر أن العين فلقت الحجر!

ما علينا، فقد استشعر عبد الفتاح السيسي، انبهار المصريين بالمشهد الفرنسي، فقال في حديثه مع رؤساء تحرير الصحف القومية، إنه يتمنى أن يحدث هذا في مصر في سنة 2022، وأنه يبحث عن من يمكن تأهيله ليخلفه في الملاعب، وكأنه صار وصياً على البلاد ليختار لها من يخلفه، وكأنه تم تأهيله هو لهذا المنصب الذي أثبت فيه فشلاً عظيماً، والنجاح الذي حققه هو لصالح إسرائيل، سواء على صعيد سد النهضة والتنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه النيل، أو على صعيد تفريطه في التراب الوطني لتصبح المياه المصرية الخالصة مياهاً دولية. هذا ناهيك عن مخطط تهجير أهالي سيناء لتفريغها استعداداً لما وصفه بصفقة القرن!

قفز عبد الفتاح السيسي على الاستحقاق الانتخابي في سنة 2018، وكأنه يريد أن يقول إن أحلام المصريين قد تتحقق بعد أن يقضي دورتين في السلطة، وكأنه أصبح قدر مصر وقضاءها، ومع ذلك فعندما قيل له إن هناك من يريدون أن يخوضوا انتخابات الرئاسة، لكنهم يتخوفون من أن يشهر الإعلام بهم، دعا الإعلام إلى عدم التشهير بهم!

السؤال مسكون بدلالات أخرى غير الظاهرة، فمن سأله يُظهر من يريدون خوض الانتخابات في صورة الضعيف، الذي يخاف من الإعلام، ويطلب الأمان من السيسي، صاحب القلب الكبير، والذي يبدو في صورة من لا يملك حمل الإعلام على ذلك، فكل ما يملكه هو دعوة هذا الإعلام إلى الرحمة بهؤلاء، وكأن هذا الإعلام ليس أذرعاً إعلامياً له، يملك بعضه بصورة مباشرة، ويملك بعضه من الباطن، ومن خلال الملكية الظاهرة لرجل الأعمال أبو هشيمة، ويدار عموم الإعلام المصري من مكتب عبد الفتاح السيسي، وقد شاهدنا برنامج «يوتيوب» على التلفزيون العربي، الذي نقل مقاطع مشابهة في كثير من البرامج، بما ينحدر بالإعلام المصري في عهد السيسي ليكون نموذجاً لإعلام التعبئة الخاضع لسيطرة السلطة، وكأن مقدمي البرامج يقرأون من «سكريبت واحد» تم تمريره عليهم!

صفائح القاذورات

لا أعرف أحداً في نيته خوض الانتخابات الرئاسية ويخشى من الإعلام، فإعلام السيسي لا يخيف ولا يؤثر، ولو كان مؤثراً لصار السيسي هو زعيم الأمة والأمم المجاورة، فالشاهد أنه مع انحياز الإعلام له، فإن فقرة في برنامج في قناة «الجزيرة» أو غيرها، تجعل السلطة تصاب بالارتباك وينسحب ارتباكها إلى إعلامييها، فتسيل صفائح القاذورات على ألسنتهم!

وقد شاهدنا بالصوت والصورة الاعتداء على الإعلاميين التابعين للسيسي أمام الكاتدرائية، ومحاولة الفتك بهم، ممن كنا نظن أنهم يمثلون الظهير الشعبي للانقلاب العسكري وأذرعه الإعلامية.

فليس صحيحاً أن الخوف من الإعلام هو ما يدفع للعزوف عن خوض الانتخابات المقبلة، ولكن عدم وجود ضمانات بنزاهة العملية الانتخابية، ومن المؤكد أن انتخابات تتوافر فيها النزاهة سوف تطيح بالسيسي من الجولة الأولى، وهو يعلم ذلك، ولهذا فلن يتعهد بضمانات النزاهة، لأنه يعلم أن القرار بانتخابات نزيهة هو حكم يصدره على نفسه بالإعدام!

إن مصر لا توجد فيها صحيفة واحدة معارضة أو مستقلة، ولا توجد فيها قناة تلفزيونية واحدة يمكن أن تتبنى مرشحاً آخر غير السيسي، والأمر هنا لا ينبغي أن يحكم بدعوة يطلقها السيسي، وإنما بضمان تطبيق القانون في حال خروج هؤلاء عليه، والذي يحظر السب والقذف، ويجرم الخوض في الحياة الخاصة، ويمنع نشر الأخبار الكاذبة، وكلنا نعلم أنهم يمارسون الخروج على القانون في حماية السلطة، التي لا يمكن أن تبقى في وجود إعلام حر!

ولا مانع عندي في أن تظل كل وسائل الإعلام المصرية الحالية ترسانة لعبد الفتاح السيسي، شريطة أن يسمح للآخرين أن يطلقوا إعلامهم، دون أن يُطلب من السيسي التدخل لدى وسائل الإعلام بأن ترفق بالمرشحين المنافسين، وبما يؤكد أن السيادة في مصر ليست للشعب أو للقانون ولكن السيادة فيها للسيسي مولانا ولي النعم!

لا بأس، إن أظهر السيسي أنه لا يملك سوى مجرد الدعوة من الإعلاميين بأن يكونوا «لطافاً» مع المرشحين المنافسين، لكن البأس الشديد، في أن يكون هذا من رجل يسيطر على المشهد الإعلامي برمته، وسأجاريه في إدعاء البراءة، فكيف يمكن الحديث عن الاستقلال الإعلامي وهناك ثلاث قنوات تبث من بلد آخر، لتتحدث في الشأن المصري بحرية وهي «مكملين» و»وطن» و»الشرق»، وتاريخياً فإن إطلاق الإعلام المعارض من الخارج، هو بسبب القمع الداخلي، الذي لا يسمح بوجوده في مصر، كما فعلها اليساريون والناصريون في عهد السادات بإطلاقهم إذاعتي «مصر العربية» و»مصر العروبة»!

«التكويش»

وما نلاحظه في مصر، هو «تكويش» السيسي على كامل المشهد الإعلامي، والذي أطلق واجهته «أبو هشيمة» لشراء القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية مع أنها لم تمارس المعارضة قط، لكن العسكر بطبيعتهم لا يطمئنون إلا بالملكية الكاملة تماماً كما فعل عبد الناصر، عندما أمم الصحف، مع أنها كانت تسبح بحمده صباح كل يوم!

وبعيداً عن الإعلام، فكيف يمكن الحديث ببراءة عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما لا يسمح لرجل مثل الفريق أحمد شفيق بالعودة إلى مصر، ورغم أنه حصل على البراءة في كل القضايا التي كان يحاكم فيها، ولا يوجد ما يمنع عودته قانوناً، إلا أنه يعلم أن بلاغاً يتقدم به محام للنائب العام مدفوعاً من الأجهزة الأمنية كفيل بأن يذهب به إلى وراء الشمس ولو كان بريئاً، ذلك بأنه يمثل «البعبع» للسيسي ولو خاض الانتخابات الرئاسية منافساً له، فلن يجد السيسي مندوبين عنه في اللجان الانتخابية!

لقد ذهب الأكاديمي المصري الدكتور عصام عبد الشافي في اتجاه آخر، وهو إذا كان الانقلاب العسكري جاداً فعلاً في الحديث عن انتخابات ديمقراطية فليفرج عن الدكتور محمد مرسي، ليخوض الانتخابات ضده!

وكما يقول المثل الشعبي «تاهت ووجدناها»؛ فقد شوهت الآلة الإعلامية الدكتور محمد مرسي بما فيه الكفاية، فلا تنطق اسمه إلا مسبوقاً بلقب «الجاسوس»، ولم يمكن من الرد على كل الاتهامات الموجهة إليه وأقلها أخونة الدولة، والتبعية للمرشد بالشكل السلبي، كما كان «عدلي منصور» تابعاً للسيسي، وفي المجمل فقد قيل في الرجل ما قال مالك في الخمر!

والحال كذلك، والسيسي يثق في نفسه وفي شعبيته وفي التفاف المصريين حوله وإيمانهم به، فما هو رأيه في أن يخوض الانتخابات المقبلة في مواجهة محمد مرسي مع ضمان نزاهتها دولياً، لتكون نتيجتها إما أن يتحقق حلمه في أن يرى المشهد الفرنسي في مصر، أو أن يُسكت خصومه، وفي جميع الأحوال تتم «حلحلة الموقف» البائس.

أنا واثق بأن أي مرشح يمكنه في انتخابات نزيهة أن يسقط السيسي، ولو كان «خالد علي»، لأن شعبية السيسي في الأصل كانت «صرحاً من خيال فهوى»!

فإحرجنا يا أخي!

وسوم: العدد 721