رهان المعارضة المصرية في الانتخابات الرئاسية

على خلاف غيره من المرشحين، ومع احترامنا الكامل لكل من أقدم على الخطوة، فإن المرشح الرئاسي المحتمل الفريق (سامي عنان) ليس كغيره من المرشحين المحتملين لاستحقاق الرئاسة المصرية والمزمع عقده في أيام 16و 17 و18 من شهر مارس القادم .

 الفريق (سامي عنان) قائد أركان الجيش المصري في أخرعهد الرئيس السابق (حسني مبارك) في الفترة من 2005 حتى 2012، وهو معروف في مصر كجزء من المجلس العسكري الذي حكم البلاد بعد ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، وزعيم حزب مصر العروبة الديمقراطي، والرجل المعروف جيداً لدى موظفي البيت الأبيض، لتوليه ملف المساعدات الأمريكية أيام مبارك ليس رقماً عادياً، فهو يمتلك رصيد ليس بالقليل في صفوف قادة القوات المسلحة المصرية حتى بعد حركات التغيير المتتالية التي قام بها رئيس النظام في مصر في صفوف قادة الجيش من أجل توثيق الولاء، كما أن تعامله مع أغلب الساسة المصريين خلال حكم المجلس العسكري بعد ثورة يناير أكسبه ثقة وخبرة ليست بالقليلة في التعامل مع قطاع الساسة في مصر، وقد وضحت تلك الثقة في حديث زعيم حزب غد الثورة الدكتور (أيمن نور) حين وصف عنان بأنه رجل له حسابات دقيقة، وأنه يمتلك ظهير من القيادات العسكرية التي تمتلك كلمة داخل المؤسسة العسكرية، وأن الرجل غالباً لم يقدم على هذه الخطوة إلا بضوء أخضر إقليمي ودولي.

 كما أن الرجل له ثأر قديم مع رئيس النظام منذ 2014 تزامنا مع فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية، ففي الوقت الذي أعلن فيه عنان رغبته عن خوض الانتخابات، استطاع السيسي تقليب المجلس العسكري عليه لإثنائه عن الخطوة بحجة عدم شق صف الجيش، كما أن حديث ما عن محاولة اغتيال الفريق عنان أثناء عودته إلى القاهرة قادماً من إحدى المحافظات المصرية، كان بمثابة رسالة موجهة ، فهمها عنان سريعاً.

 محاولة منع عنان من دخول الانتخابات يحدث مجدداً بمنع إصدار توكيلات له، وهو ما دفع سامي بلح أمين عام حزب مصر العروبة لرفع شكوى للجنة القضائية المشرفة على الانتخابات.

 توصيف الدكتور (أيمن نور) لترشح (سامي عنان) هو توصيف كاشف إلى حد بعيد لموقف المعارضة المصرية بالخارج والمناهضة لحكم رئيس النظام الحالي. ذلك أن عنان الذي يعتبر شخصية براجماتية مفتوحة للتوافق والحوار السياسي مع جميع منافسيه يمكن أن يكون خيار أفضل من حالة الانسداد السياسي الذي تشهده البلاد.

 وهو ما يعني أن المعارضة قد تراهن على عنان فيما لو دخل فعلياً الانتخابات، وإن دعت بعض الشخصيات المعارضة في بيان لها دعم (خالد علي) لكن الدعوة يبدو أنها متعجلة ودون مراجعة باقي القوى المعارضة في الخارج.

 فحظوظ (خالد علي) ضعيفة إلى حد كبير لكنه في النهاية ورقة ضغط يمكن التعويل عليها لاسيما فيما يتعلق بالمطالبات الحقوقية والضمانات التي يمكن رفع سقفها من أجل أدنى درجات الشفافية المطلوبة لإجراء عملية انتخابية .

 معلوم أن المعارضة لن تلقي بثقلها - سواء في الخارج أو حتى في الداخل- بشكل علني على مرشح بعينه، وهو ما يؤكد استعجال مصدري بيان (خالد علي)، إلا أن اتفاقات وتربيطات يمكن أن تتم فيما لو أظهر عنان نية لاستيعاب الجميع، وحلحلت الأوضاع المتردية في مصر والتي منها حالة الانشقاق المجتمعي الذي يؤثر بشكل كبير على سير دولاب العمل بالدولة، وما يتبعه من تحريك عجلة الاقتصاد المتردي بفعل الفساد المستشري وحالة المكايدة التي يعيشها النظام سواء من المعارضة أو من الأذرع المختلفة داخل الدولة، التي انقسمت بين ساعي للحصول على منفعة من النظام الجديد، أو طامع في عودة النظام القديم المتجذر في دواليب المؤسسات على مدى ثلاثين عاما هي مدة حكم مبارك.

 وإن قررت المعارضة الرهان على (عنان) فإن هذا الرهان يتوقف على عوامل كثيرة منها ما هو إجرائي يتمثل:

-أولاً : في ضمان إجراء انتخابات نزيهة كما ذكرنا – وإن كان مستبعد – لكنه ليس مستحيلاً، وهو ما يتوقف على رغبة المجتمع الدولي في إحداث تغيير ما في خريطة القوى السياسية في المنطقة، وهو محتمل، بعد ظهور ضعف كبير وصل إلى حد الفشل في شبكة العلاقات السياسية للنظام الحالي، والذي آثار مشاكل جمة بالمنطقة وهدد مصالح الغرب والولايات المتحدة تحديدا بعد التقارب الكبير بينه وبين روسيا، والذي تجلى في اتفاق يعطي الحق للطيران الحربي الروسي في استخدام المجال الجوي المصري ومطاراته، والذي يعني أن روسيا باتت في عقر دار المصالح الأمريكية في المنطقة بهذا الاتفاق.

 كما أن المؤشرات التي تتحدث عن انهيار شعبية السيسي بعد إجراءات تقشف مؤلمة ورفع للأسعار وتردي الحالة الحقوقية التي أصابت المواطن في مقتل يجعل إزاحة السيسي أمر وارد فيما لو شهدت 2018م انتخابات نزيهة .

 وهو ما يجعل رهان المعارضة على عنان مرجح، إلا أن ذلك قد يفتح باباً للشقاق في صف المعارضة نفسها، ففيما يرى البعض أن الرئيس مرسي هو الرئيس الشرعي، وكل ما تلا انقلاب 2013 من إجراءات هو باطل، وبالتالي فإن الدخول في العملية الانتخابية عبث سياسي، يخدم النظام الحالي الذي يحلم بحالة من الزخم الشعبي يحفظ بها ماء الوجه الذي أريق في انتخابات 2014 بعد عزوف الشعب عن انتخابه.

 فإن جزء أخر من المعارضة والذي لا يمانع في الاشتراك في العملية السياسية من اجل الإطاحة برئيس النظام، وهو في الغالب محسوب على التيار المدني، يرى في عنان شريكاً في قتل ثوار يناير في أحداث (محمد محمود) ومجلس الوزراء وستاد بورسعيد وجنود سيناء في رمضان وغيرها مما يرونها جرائم مرتكبة من المجلس العسكري، وهو بالتالي لا يجوز دعمه، وهو ما يفسر إصدار بيان لدعم (خالد علي).

 لذا فإن الانتخابات الرئاسية القادمة ستشهد حراكاً كبيراً على المستوى السياسي قد يصاحبه حراك شعبي تجاوباً مع هذا الحراك السياسي، لكن المخاوف الكبيرة من نتائج هذه الانتخابات هي أن يخلف مزيد من الانقسامات تلقي بظلالها على الفترة القادمة .

 وهو ما يلزم مزيد من التنسيق بين قوى المعارضة لوضع خطط، و خطط بديلة مع إيجاد قناعة عامة تجمع الشارع المعارض من أجل موقف موحد يرسم خريطة طريق للأشهر القادمة تحدد مستقبل المعارضة في السنوات الأربع التالية.

ياسر عبد العزيز  

مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية

وسوم: العدد 755