نشيد لأم فقدتُها في ليلٍ أصمّ

بن العربي غرابي، ميسور، المغرب

إلى: فاطمةَ، مشروعِ أمٍّ واعد

اقتداء بجدتها.

في الصقيع الذي يذيبنا

والليل الذي يغشانا

والسماء التي شحت وأضلت غيمَها

لا أملك إلا أن أنادي:

أنت أمي الخالدة.

****

اسمك مضغوط يا أمي

حرف حلقي وحرفان شفهيان متعانقان

هل لأن الحياة آلمتك؟

وتمسحين الألم بمتعة العناق؟

****

قبل الأمومة كنت باسمكِ تُعرَفين

تُنادَين به

فتجيبين ولا تجيبين

وعندما ولدتِني اختفي اسمك من لساني

فصرت أمي

فإن شكونا

وشعرنا بزحف الصحراء

قلنا : يا أمي.

****

لم تتخرجي من جامعة

غربية ولا عربية

لتلقين أبجديات الأمومة

لكنك كالسحاب والنبع

والمطر والواحة والشراع

والمجداف والحقل والنجم والوردة والجبل

والمدرسة والكتاب

فالأمومة فيك طبع

تسري فيك

قبل بناء الجامعات وتأليف الكتب

وصناعة الأقلام.

****

أمي لا تفاضل بيننا

كلنا أكبادها كما تدندن دائما

لكنها إذا كنت وإياها وحدنا قالت لي:

أنت كلُّ كبدي

وهكذا قال إخوتي تقول لهم.

****

عندما تصفحت معجم أمي

لم أجد فيه لفظا موجعا

ولا نزيفا ولا صدعا ولا شتيمة

بل قرأت أسماء الورود

ومراتب العشق ومدارج الفناء والتضحية.

****

أمي تكدح في النهار والليل

لا يداعب النوم جفنيها

كأنها ليست من فصيلتنا

تفتح بصيرتها على الفجر

تحيي الغيم والندى والشمس المكنونة

قبل تحيتنا

تنام بعين واحدة

وتكلأنا بالأخرى.

****

أمي لا تطرد العصافير من البيت وسطحه

تترك لها السلال والأواني تعشش فيها

تنثر لها مؤونتها من الدَّلال

والشعير

وتغني لها أغنيتنا

فالعصافير في معجم أمي

أبناؤها بالتساوي.

****

أمي تبسم بملائكية

عندما تحملني على ظهرها

عندما تضمني

عندما تُلبسني

عندما ترقب خطوي إلى المدرسة

عندما تُسلمني إلى السرير

فيا عجبا كيف تستلذين العذاب من أجلي؟

لماذا تحترقين من أجلي؟

تذوبين هكذا بالمجان؟

****

أمي تعرف فقه الفصول

تعرف في الطبيعة اللفحَ والصقيع والاعتدال

لكنها قلبها ثابت على دفء أمين

وحنان وديع.

****

أمي ما تعلمت علوم الطب

لأنها أنجبتني قبل صنع المشارط

غير أنها تعلمت الترويض على أجسادنا

والتضميد في جراحاتنا

وخلطات العشب في آلامنا

تخلطها بحفنة من دعائها

وقطرات من دمها

وتقول باعتداد:

دوائي كأمومتي

كدعائي

كسهري

بالمجان.

****

أمي لم تقل يوما أفٍّ

لم تلعن القدر يوما

تكتم أناتِها

وتدفن آهاتها

تحت وسادة الصبر

لتشرق بسماتُها ساطعةً في غبش الليل

وعندما تنتصب للصلاة

تقول بضراعة: سامحني أيها الرب الغفور

على كِسرات نوم سرَقتها من حقهم

على ما بدا مني من

تراخ

وتكاسل

وتقصير.