عودة مصعب بن عمير

شهيد من أرض الحرم

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

كان مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف من بيت غنى ومال، وقد هرع إلى الإسلام شابًا، وتخلى عن كل هذا النعيم والمال والجاه،وكان أول داعية لرسول الله  -عليه الصلاة والسلام - فى المدينة قبل الهجرة، وحمل لواءه فى أحد، وفيها استشهد، وفى مارس سنة 1988 كنت فى إسلام آباد، وعلمنا باستشهاد شاب من أثرياء السعوديين آثر أن يترك متاع الدنيا مجاهدًا فى صفوف المجاهدين داخل أفغانستان. فكانت هذه القصيدة.

(1)

ويْحَ نفسِى..!!

ماتَ ميلادى القديمْ

إننى فى حاجةٍ حَرَّى..

لميلادٍ جديدْ

نابعٍ كالفجرِ من صُلْب الحقيقةْ

بنسيج ثائرِ النبْضِ

لهيبِ العُنْفوانْ

ودماءٍ من مَضَاءْ

وضميرٍ منْ ضياءْ

وجبينٍ من إباءْ

(2)

يا دنيا غُرِّى غيْرِى

هل أنتِ إليَّ تعرضْتِ

أم أنت إليّ تشوقْتِ؟

هيهاتَ -أسلِّمُ- يا دنيا

يا دنيا ما أعظمَ خطرَكْ!!

يا دنيا ما أقصَر عمرَك!!

ما أهونَ زادَكِ يا دنيا!!

والدربُ طويلٌ وشريدْ

والسَّفرُ شقيٌّ وبعيدْ

والزادُ الحقُّ هو التقْوى

لا ما تهْوينَ

وما أهْوى..

(3)

ما الذى قد غيَّرَكْ

فأخرجَكْ؟

تتركُ المالَ

وظلَّ الروْضِ

والزوجةَ

والسهلَ الذهبْ؟!!

 تهجرُ السيارةَ المرْسيدسَ الفخمةَ

والعطْرَ..

وأملاكًا عجبْ؟!!

والشفاهَ اللُّمْيَ

والخدَّ الأسيلْ

والأغانى..

والأمانى

وانتشاءاتِ الأصيلْ؟!

ما الذى

يا أيها الإنسانُ.. قل لى:

غيَّرَكْ؟!

ـــ

دفترُ الشيكاتِ..

فى الدُّرْج الشماليِّ من المكتبِ

ما عادَ لهُ فى قلبِه

أيُّ حِسابْ

والرصيدُ الضخمُ فى البنْكِ

هوى فى ناظريهِ..

لم يعدْ يعدلُ حتى شِسْعَ نعْلِهْ

غيرُ صوتِ الحقِّ فى أعماقِهِ

أضحى خرابْ

أمُّ كلثومٍ

وفيروزٌ

وسلْمَى

وعتابْ

كلُّ هذا طعمُهُ ملْحٌ

وتَنْعابُ غرابْ

وضياعٌ واغترابْ

وكئوسٌ من سَرَابْ

(4)

من ذا الذى قدْ غيَّرَكْ

وأخرجَكْ

وحوَّلكْ

من بلبلٍ عاشَ الوداعةَ

والسكينةَ

والرفاهةَ

والنِّعم

لكاسِرٍ

ضارى العزيمةِ

همُّهُ خوضُ المعاركِ

والفيالقِ

والخنادقِ

والضَّرَمْ؟

سبحانَ منْ سوَّاكَ

ثم عدَّلَكْ

فى صورةٍ شمَّاءَ

شاء رَكَّبَكْ

يأيها الإنسانُ

-فى ساحاتِها-

ما أعجبَكْ؟

(5)

قد كان ثم صارْ

من جدةٍ

لغزْنَةٍ

لقنْدِهارْ

حيثُ الجليدُ

والحديدُ

والزحوفُ

واللظى الموارْ

حيثُ الجبالُ السودُ

والقفارْ

حيثُ الهزيمُ والدمارْ

وغربةٌ...

بعيدةُ المدى عن الديارْ

لكنه فى زحفِهِ.. وعصْفِهِ

-رأيتُهُ-

كمارجٍ من نارْ

سلاحُهُ الرشاشُ

واليقينُ

والنهارْ

رأيتُهُ

فى زحفِه وعَصْفِهِ

لِلّيلِ والمدَى وللصخورِ..

منْ زحوفِهِ انبهارْ

(6)

يا مصعبُ الجديدْ

يا عزمةً حديدْ

طوبَى..

فقد هويْتَ

فى مضمارِها شهيدْ

طوبَى

لكَ الخلودُ

فى مُقامِكَ  السعيدْ

يا مصعبُ المجيدْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إسلام آباد

مارس - 1988م