مريم تفرش رداءها للرسول

مريم تفرش رداءها للرسول

المتوكل طه

للسّورِ ظِلٌ لا يراه الراكبون،

فربّما ظنّوا خيالَ مواكبِ الإسفلتِ

 ما يُعطي الشوارعَ لونَها،

ويهرولون على امتداد سطوحِها،

ويعلِّمون مفارقَ الطرقاتِ بالوَهْمِ الخفيفِ،

ويكتبون على الحجارةِ،

ما يؤكّد رحلةَ الصحراءِ،

أو أهواءَ بعضِ المُدَّعينَ

بأنَّ موسى جاء مُمتطياً جواداً..

كي يُسَلِّمَ وعْدَهُ للهاربين

 من الجبابرةِ الرُّعاةِ، على السواحل،

عابِدي حَجَرَ الحديقةِ في الصباحِ،

وآكلي رُمّانَ عشتارَ الشهيّ

على العَشاء،

وقاتلي وحشِ الخُرافةِ،

قبل أن تسري الزوارقُ في السؤالِ..

 وكان قد ملأوا الجِرارَ،

بما يفيضُ من التأمّلِ..

 زيّنوا الحَبَقَ المُرنَّقَ بالحريرِ،

ولوّنوا أكمامَهُ بالأرجوانِ..

وأورسالمُ قِبْلَةُ الناموسِ،

إنْ صَلّوا وصاموا..

لم يكونوا غير ما كانوا، سحاباً

أو مواقدَ في عشيّاتِ الغناء.

***

وأورسالمُ تسترُ العَوْراتِ

 بالصخرِ المُضَلَّعِ والمُلوَّنِ،

تدفنُ السيفَ الغريبَ

وقوسَ قاتلِها..

ليصدأ أو ينامَ،

ولا ترى إلاّ محاريثَ الشتاء..

وتستفيقُ على صلاةِ القاطفين

 زبَرَجدَ الزيتونِ،

تُسْرجُ خيلَها وفَراشَها للهيبِها ..

وينزُّ من أعرافِها عَسلُ الشروقِ،

برقْصةِ الفتيانِ،

إنْ حَمَّ السباقُ أو اللقاء.

***

والأنبياءُ من الهديرِ إلى الغديرِ

 تواثبوا،

حتى يجيئوا أورسالمَ..

والذي عبَرَ المدينةَ كان منّا،

أو لهذي الأرضِ ماءً في الوسادةِ..

نامَ في أولادهِ،

وتوالدوا،

وتعابثوا،

واستأجروا ذئباً بريئاً، مرّةً،

أو أنشأوا مُدناً،

وزادوا في النقوشِ،

وهدّموا أبراجَ مَن ختنوا الصغارَ،

وغرَّبوا صوبَ الرمالِ،

ولم يعودوا..

لم تزل أصداؤهم في ملعبِ النسيان!

وانفرجَ الزمانُ على الصبيِّ وأُمِّهِ،

ليعود فيه الأمنُ، ثانيةً، ونعرفُ

ما مدى الطاعون في لَحْمِ الخِرافِ،

وأنْ يقومَ الميّتونَ من النعاسِ أو الفناء.

***

ويجيءُ من رملِ الجزيرةِ

مَن يُبَشّرُ بالخلاصِ،

ويمنحُ البشرَ الطريقَ إلى الموازين،

التي غابت..

ويبدأُ عهدَه بعدالةٍ لم يعرفوها،

أو يبدِّلُ ليلَهم بنهارِهم،

ويقودهم لكرامةٍ هُدرت طويلاً

في العماء.

يا ناقةَ البدويّ!

يا ثوبَ الخشونةِ والرّضا!

الآنَ تختمُ بالحروفِ الواثقاتِ

 على العهودِ.. ولن تبددَها الحروبُ،

أو المُدجّجُ بادِّعاءِ الادّعاء.

فهنا الأخوّةُ في المكانِ أو الزمانِ،

لكلِّ مَن  يأتي ويذهبُ،

دونما سِتْرٍ ظلاميٍّ،

ويبدو خلفه الساطورُ،

أو يخفي الأفاعي في الثيابِ..

وكان عرياناً وحيداً،

في الزوايا  .. كالإناء!

وقالَ: عُدتُ! ولم يكن أصلاً ببيتي،

في الأمام أو الوراء!

فما له أن يأخذَ المِحرابَ،

أو يأتي على أيقونتي،

جهراً وسِرّاً،

بالحريقِ أو الفوؤسِ..

ولم يكن موسى هنا،

وأتى يهوشعُ غازِياً؟

وأنا وريثُ رسائلِ الوحيِ ، الوحيدُ!

فَلا جدالَ ولا نقاشَ سوى السلامِ

على المدينةِ.

والسلامُ لها ولي،

 ولمريمَ العذراءَ

 تفرشُ للرسولِ رداءَها،

وعلى خيوطِ ردائِها بعضُ الدماء!