شيلوك العصف المأكول!

ملحمة شعرية

د. كمال أحمد غنيم

[email protected]

إضاءات لا بد منها

شيلوك: شخصية مسرحية من شخصيات مسرح شكسبير، مرابي يهودي، طلب رطلا من لحم رجل إنجليزي مقابل قرض ربوي اُضطر له. حكم القاضي في النهاية بحكم ذكي فيه وفاء بالوعد مع اشتراط عدم السماح بنزول قطرة دم واحدة لأن الوعد يشترط اللحم ولا يشترط الدم!

العصف المأكول: من قوله تعالى: "فجعلهم كعصف مأكول"، أي: فجعلهم كأوراق الزرع اليابسة التي أكلتها البهائم ثم رمتها.

 (1) حيفا

حيفا تزغرد والنسيم يرددُ

جئتم على فرحٍ،

وجاء الموعدُ

عكّازة السبعين فاض شبابها

لمّا تفجّر في الرحاب المَوْقدُ

مرحى لمن فاض الفضاء بلحنهِ

وتمتّع السهل الفسيح الأمجدُ

طوبى لكم

يا القادمينَ بناركم

كيما يذوب الثلجُ؛ بل يتبددُ

إنّا...

وإن سكنَ البغيضُ ديارَنا

ما زال يسكن في القلوب السؤددُ

في كلّ زاويةٍ

ترددَ همسُها:

"سقياً لمن في الأفق ظلّوا يُرعِدُوا"

ماضونَ...

والمجد الأثيل دثارنا

لم يَنبتُ "الشيلوك"،

أو يتمددُ

هذى المآذنُ

لم تزل بأذانها

ورجالها ونسائها تتمردُ

 (2) أبابيل

العصف المأكول يسافر عبر الزمنِ

والطير المأمور أبابيلُ.

في زمن الردة ينحاز الشُّرفا

لصناعة أمجاد الأمّةِ،

والمجدُ أثيلُ!

يا أصحابَ الفيلِ...

ألم تعتبروا؟!

في عام الفيل تصدّع قصر الرومِ،

انطفأت نارٌ،

وانكفأت أصنامٌ وخيولُ.

في عام الفيل تعملق نور الحقِّ،

وغنّت أرجاءُ الدّنيا:

قد جاء رسولُ!

في عام الفيلِ،

انكشفت أستار الغدرِ،

وأبواق الحقدِ،

تخلّت عنهم -مهما فجروا-

إسرائيلُ!

طيري لتقولي

إنّ الحقّ قويٌ،

يبدعُ في زمن الردّةِ،

ما لم تبدعه أجيال الفتنةِ،

والخسّةِ،

في جيلٍ يردفه جيلُ.

هذي الطيّارة من سورة فيلٍ مبنيّةْ.

في حلقة ذكرٍ

من مائدة قرآنيّة.

والفيل أبابيلٌ، سجيلٌ،

عصفٌ مأكولٌ،

من سبعِ مثانٍ مرويّة.

فيها أنفالٌ أبديّة.

تختمها الناسُ

على رأس الخنّاس المخفيّة.

طيرى لتقولي

إنّ الحقّ إذا ما أمطرَ

كانت قطرات الحق إلهيّة.

واثقةٌ تمضى

منذ عصور الكفر المنسيّة.

فلتهنأ عبر التاريخ كل الأرواح القدسيّة.

لن نهدأ حتى تأتيهم

أسرابُ الطّير الأمميّة.

من كل بقاع الأرضِ،

لتفضحَ زيفَ عناكبِهم،

إذْ نفخوا فيها من روحِ العجلِ الناريّة!

ليعودوا مثل الجملِ الأجربِ،

والقردِ الأخرقِ،

وخنازيرِ البريّة!

قد آن أوانك أن  تخرج يا شيلوكُ

من الأسطورةِ لضميرِ

الأممِ المسحورةِ و(المعميّة).

اخرج مفضوحاً، مذموماً، مهزوماً،

في حجمٍ قزميٍّ،

تدركه كل عيون الناسِ

علانيّة!

فخيالُ الظلِّ تحطّمَ،

والمصباحُ تهشّمَ،

بأبابيلٍ إسلاميّة!

والمسرح صار "برختياً"،

الوعيُ سُداهُ،

والثورةُ تملأهُ،

بأبابيلٍ عصريّة!

 (3) تقدّم

تقدّم... فليس على الأرض ما يمنعك!

خطاك تسطّر نبضا حميماً

تردّده أضلعك.

تقدّم... ففي الأرض كلّ شريفٍ

بحبٍّ كبيرٍ يراكَ ويسمعك.

تقدّم ففي الكون –بإذن الكريمِ-

جميع الملائك تهفو إليكَ

وتحنو عليكَ

وبين يديكَ

تؤز العصاةَ

وتحيي الغفاةَ

وترمي الطغاةَ

وأنت المحاط بما يحفظك!

تقدّم ففي الدهرِ منذ البدايةِ حتى النهايةِ

تمضي الحكايةُ في مقلتيكَ

وفي قبضتيكَ

وبين يديكَ

إلى ما يسرّك أو ينفعك!

تقدّم... لتشفي قلوبَ رجالٍ

من الأنبياءِ

من الصالحينَ

من الأولياءِ

من العارفينَ

قضوا من زمانٍ بأيدي العصاةِ

الذين تربوا على الكبرياءِ

وذبحِ المعاني التي تنفعك!

تقدم ففي القدسِ تحبو الأفاعي

وتبكي البواكي

وأنت الوحيدُ الذي ترقبك

تقدّم... فبين الصحاري سجونٌ تئنُّ

وجوعٌ يحنُّ

إليكَ

إلى نبضةِ الحقِّ في راحتيكَ

وفي أضلعك!

تقدّم... فشيلوك هذا الزمانِ

تمادى بمضغ القلوبِ

وسفك الدماءِ

وطحن البيوتِ

وأنت الوحيدُ الذي يسمعك!

 (4) صافرات

دوّت هناك الصافرات!

لكنها لم تغنِ عن صوت الهدير الصاخبِ!

جاء الهدير من الشمالِ،

من اليمينِ،

من اليسارِ،

من الجنوب اللاهبِ!

وتفجّر الصوت المخيف مع السحورِ،

مع الفطورِ،

وفي الظهيرةِ والمساء الناحبِ!

***

دوّت هناك الصافرات!

جاء الهدير من السماءْ.

جاء المغير من البحارْ.

صارت رمال الأرض تنفث من زفيرِ الأوفياءْ!

البرُّ يبتلع الخطى

والبحر ينبض بالهوى

والجوّ يمطر بالرواجمِ،

والقواذفِ،

نحو آخر ما لديه من المدى!

***

دوّت هناك الصافرات!

والليل أنبت حسرةً ملء القلوب الواجفات!

هذا جناه عليكمو بطل الدفاعِ

عن الحصون المثقلات!

أعمى البصيرةِ

لم يرَ الفجر المؤطّر في خيام المبعدين عن الديارْ...!

لم يلههم وجع الشتات!

صنعوا من الأوتاد حبلا للنجاةْ!

نامت عيون الظالمين ولم تنمْ

عينُ المعذّبِ في أتون الذكريات!

وضع الحصاةَ مع الحصاةْ.

رصّ الحجارةَ في ثباتْ.

ومضى على عزف الرصاصِ

يلملم الريشَ المبعثّرَ

من طيورٍ قد نُذرنَ لأبرهاتْ!

***

هذي هي السجّيلُ تُبعث من جديدْ.

لا ضيرَ فالإنذار جاء مبكراً

قبل اختراع الصافراتْ!

قالت حجارتنا الكثيرَ،

تكلّمت روح الشهيدِ،

من الحدودِ إلى الحدودْ!

لم تسمعونا...

ظلت أصابعكم تمارس دورها المشئومَ

في طمسِ الثقوبِ المشرعات!

لا تسمعونَ،

ولم تروا...

والرأس ينفض في المباكي

ما تسرّب من صراخ الثاكلاتْ!

***

"شيلوكُ"...

ماذا قد تفيد الصافرات؟!

أعمى البصيرةِ...

كلما دار الجدار العازلُ،

وتحصّنت كل الجنود بمركفاه...

جاء الحساب!!!

فالشيخ "عز الدّين" ينهض صائحاً:

"أين العزيمةُ يا رجالْ؟!

أين الشباب؟!"

وإذا بنبعٍ من يقينٍ

يملؤ الآفاق علماً سرمدياً

من كتابٍ لا يضاهيه كتاب!

يقرأ الأشبال فيه

كيف يمكن أن تواجه كل أشكال الصعاب!

***

دوّت هناك الصافرات!

وتقدمت جند الطغاةْ!

لكنها...

قبل الدخول تفاجأت

بمسافةِ الصّفرِ التي كانت هنا

نزْراً يسيراً من تلالِ مفاجآت!

"الله أكبرُ" كلْمةُ السّرِّ التي

تتفتق الأشباح فيها للعيون الذاهلاتْ!

من أين جاءوا.!

... لست أدري!

في غمضةٍ...

في ومضةٍ...

نزل الشّواظُ على الرؤوس الراجفات!

ماذا تفيدُ الصافرات؟!

ماذا تفيدُ الصافرات؟؟!!

ماذا تفيدُ الصافرات؟؟؟!!!

 (5) شيلوك

يا أيّها النبلاءْ!

كلّ الوحوش تجمّعت أوضارها

في قلب شيلوك المرابي!

شيلوك جاء من المسارحِ

يحمل العطش القديمَ

إلى اللحومِ إلى الدماءْ!

يا "شكسبيرُ" ألم تسجّل رغبتهْ؟!

"شيلوك" عاد وليس فيكم

من يداوي شهوتهْ!

"شيلوك" عاد وراح يقتل من

يشاء كما يشاءْ.

لا يختفي خلف الكواليس التي

حجبت على مرّ الزمان مشاهدَ

العنفِ المثيرةِ للرثاءْ!

لا يكتفي بالرطل من لحمِ

الفقيرِ المعدمِ

جزَّ القلوبَ من المشاعرِ

والدُّموعَ من العيونِ

فلا رثاءَ ولا بكاءْ!

سحر الجميعَ بمالهِ،

وفنونهِ،

وجنونهِ،

وفلولهِ،

ما عاد في الجمهور من يدري

لماذا لم تحرّكه الدِّماءْ؟!

صبَّ الرصاص على الرجالِ على النساءْ!

طحن البيوت على رؤوس الساكنينَ؛

فداءَ أعمدة السحابِ أو السماءْ!

واليوم جاءَ، اليوم جاءْ!

يلهو على جُرفِ الجماجمِ والدِّماءْ!

سكت القضاةُ هنيهةً،

وتلعثمت كلمات زورٍ

في قلوبٍ من خواءْ!

هجم الغريبُ مع القريبِ مع

الصديقِ مع الحبيبِ على

رؤوس الأنقياءْ!!!

"الله أكبر" كم تبدّل حالنا!

"شيلوك" صار هو الضحيّةُ؛

لا عزاءَ لمن تفتّت جسمُهُ

عبْرَ الفضاءْ!

في أحسن الأحوال نحن سواسيةْ!

ماذا لو انّ اللحمَ كان لغيرنا

ماذا لو انّ الدّمّ كان لقادمٍ

من شرقِ أمريكا وغربِ اللندنِ

ومن دَمِ الشيلوك في زمن الغباءْ؟!

يا أيها النبلاء

مَنْ للجماجمِ والهياكلِ

والجلودِ على سفافيدِ الشِّواءْ!

يا "شكسبيرُ"...

تطاولت تلك المشاهدُ

في مسارحِ عمرنا المصلوبِ؛

ليس لها انتهاء!!!

يا "شكسبيرُ"...

مضى زمان الصمت؛ فانتصب الفداءْ!

لا تعجبنّ إذا رأيتَ الأنقياءَ

يمارسون اليوم دورَ

الأنبياء!

نحن الذين مضى زمان النّحر فيهم،

دونما عدل القضاءْ!

متوثبونَ،

وقادمونَ،

وصاعدونَ،

من الحضيضِ إلى السَّماءْ!

شيئا فشيئا

سوف تنكسرُ الذِّئابُ،

وسوف ينحسر العواءْ!

ربح الذين على الأصالةِ راهنوا،

وعلى الوفاءْ!

تبّت يدا لهبٍ وتبْ.

باع الأصالةَ، ما كسبْ.

باع العروبة والكرامة والإخاءْ!

ومضى إلى سوق النخاسة والبغاءْ!

تبّاً لمن رفعوا دساتيرَ الحقوقِ،

وزيّفوا فحوى النصوصِ

لدى حقوق الأبرياءْ!

وتشدّقوا باللغوِ عن حقِّ الضَّعيفِ إذا

استفزّ الذّئبُ فيه الكبرياءْ!

يا "شكسبير"...

مضى زمان اللغوِ في شكل العدالةِ

عندما سكتَ القضاءْ!

لا فرقَ بين النَّاسِ في كرةٍ

تدور من الصباح إلى المساءْ.

بالعدل سارت كل أفلاك السماءْ.

شبَّ الضعيف من المدارِ الليلكيِّ

إلى المدار السرمديِّ

على طريق الأنبياءْ!

فليفهمِ العقلاءْ!

فليفهم النّبلاءْ!

فليفهم الكون الملوّثِ

بابتسامات التواطئ أننا وعد السماءْ!

جئنا من الوجع الكبيرِ

على أثيرٍ من ضياءْ!

ولنا البقاءْ!

ولنا البقاءْ!

ولنا البقاءْ!

 (6) مليار

هل للحكاية آلة فيها تروسٌ

لا تكفّ عن الدّوار؟!

سبعون عاما قد مضت

والناس تحكي في انبهارْ:

الليل يتبعه النهارْ!

الليل يتبعه النهارْ!

كل الحكايا في الدُّنى

دارت رحاها في تخومِ المنحنى:

غضبٌ... صراعٌ، وانتصارْ!

إلا حكايتنا توقف سيرها

في برزخٍ لا ينتهي بين الخطوط

البيض والسمر الثِّقال!

صدأٌ أصاب تروسنا، فتكررت

تلك المشاهدُ

عند أفراحٍ يباغتها انكسارْ!

يجتاحنا نبضُ الربيعِ

ولا نكاد نرى الزّهور ولا الثمارْ!

وتزورنا شمس الحياةِ،

وليس يدنو غير ليلٍ...

من سحاب الصّيف يحجبها،

فلا مطرٌ يجيء ولا نهارْ!

كل الشّعوب تقدّمت وتطورت

ومضت بها الأيام نحو نهايةٍ لعذابها

وتمسكت بالشّمس دون تشبثٍ

وتحوّل الليل الطويل على مدار العمر إلى نهارْ!

لم يعرفوا طعم انكسارْ!

لم يشعروا بلظى الحصارْ!

شطبوا من التاريخِ معنى الانهيارْ!

إنّا -وإن سالت دمانا-

قد قبعنا في شروخٍ تحتوينا

في دوارٍ ودوارٍ ودوارْ!

دوّامة العنف الكبيرة لم تقف

لنظلّ في تلك التروس البائسات بلا مسارْ!

وكأننا بعض الدُّمى

يتلاعب الشيطان فيها كي تظلّ

بلا قرار!

ما زال فينا من تخلى

عن ضميرٍ وانتماءٍ للديارْ!

يا أمّةً كسرت قواها باختيارْ!

حتى الوحوش تجمّعت وتشكّلت

فرضت على التاريخِ أن

يحكي حكاية شعبها المختار!

وكأننا لم نحترق بلظى التتار!

وكأننا لم نعتبر من ألف عامٍ

بالحكايات الكبيرة

عن بلادٍ

ناشئاتٍ من حطامٍ

كان يعلوه الغبارْ؟!

يا أمّة المليارِ،

ما زالت لدينا كلُّ أسباب الحياةِ

وما يئسنا من جموعٍ

ماضياتٍ في ثباتٍ

نحو إنقاذ النهارْ!

يا أمة المليار مهما أمعنت

شِللُ الدَّمارْ...!

ماضونَ... من دَمِنا

نعيد الشمس بالقوهْ...

ولن نرضي بغير الشمسِ

والأفراح والعزَّهْ!...

ولن نرضى بخوَّانٍ يبيع الأرض والثوارْ!

هذي الجراح جراحنا

عادت لتروي قصة الأخدودِ،

والسّهمِ الذي طعن الفؤادَ،

لتهتدي كتلُ الضلالِ

إلى المسارْ!

هذي الجراح جراحنا

عادت لتشعلَ ثورة الأحرارِ

في زمن البوارْ!

إنّا هنا،

والموت يقصف حولنا،

ودماؤنا،

غسلت تروسَ الصمت من صدأٍ وعارْ!

إنَّا هنا،

والشمس ملك يميننا،

لن ننحنى،

لن يغرقوها في بحارٍ من غبارْ!

صدر القرارُ،

ولا رجوع عن القرار!!!

صدر القرارُ،

ولن نعود عن القرار!!!

 (7) حصار

شيلوك قال بعجرفهْ:

لن أكتفي إلا بسحق العابثين بأمننا

ولديّ كلّ المعرفهْ!

***

لكنه لم يبتعدْ،

عادت جحافله، وصرّح قائلاً:

فضحت جُهينة سترنا

نأسفْ...

لأنّ الموت باغتَ بيتنا

بالقاذفات المسرفهْ!

***

شيلوك يصقل سيفه،

والجند تلعق جرحها،

والحاقدون يمارسون الكولسهْ...

هذا أبو لهبٍ وذاك مسيلمهْ...

شيلوك قرّر أن يعود بجنده

وفق الوعود المترفهْ!

***

شيلوك أنزل سقفه،

ومضى يقول محاذراً:

النصر ليس محقّقاً،

يكفيك جيشي أن تحطّم واثقاً

تلك التروس القاذفهْ!

***

نزلت شواظ محرقهْ...

دبّابةٌ...

بل ناقلهْ!

جرّافةٌ...

بل حافلهْ!

تلك الكتيبة أُحرقت،

سُحب الجنود إلى العيون النازفهْ!

***

شيلوك أنزل سقفه،

ومضى يقول مغمغماً:

النّصر ليس محققاً،

أنفاقهم هي ما نريد زواله،

وإذا عجزنا عن مقاتلة الرجالِ...

فليس أسهل من منازلة البيوتِ،

بدكِّها

لتظل رأسي -رغم كسرى- واقفهْ!

***

شيلوك يطلب نجدةً،

هبّت عواصم كوننا في لهفةٍ،

نحو الحقيقةِ زاحفهْ!

***

شيلوك يطلب هدنةً،

كلّ العواصم لم تخبّئ حزنها،

راحت تجمّل هدنةَ المحتلِّ

دون تأخرٍ:

"لله أعطونا هدوءاً...

للقلوب الراجفهْ"!

***

فكّوا الحصارَ عن البلاد النازفهْ!

***

لم يسمعوا...

زاد النّزيف ولم يزل

قيد (الأحبّة) خانقاً،

يحكي (الأحبّة) عن حصارٍ

سوف يُرفع لاحقاً...،

الموت يقصفُ، والوعود لها طنينٌ، والمنايا واقفةْ!

فكّوا الحصارَ عن البلاد النازفهْ!

***

لم يسمعوا...

كمّاشةٌ راحت تمارس دورها

خلف القلوب الناشفهْ!

***

فكّوا الحصار عن البلاد النازفهْ!

***

لم يسمعوا...

شيلوك يسمعُ،

والحشود الهاتفهْ!

***

ملأ النّزيف رُبَى البلادِ،

وأقبلت كل الطيور الواجفهْ!

***

الرادفهْ!

ما الرادفهْ؟!

غضبُ الضعيفِ له شواظٌ قاذفهْ!

***

يا لعنةَ الأجداد

ظلّي واقفهْ!

***

لا تتركيهم

للبلاد النازفهْ!

***

يا لعنة الأجدادِ

لا تتأخري،

صبّي لظاك مع الجموعِ الزاحفهْ!

***

اللهَ يا غضبَ الجموع الزاحفهْ!

الله يا شرفَ الجموع الرادفهْ!

 (8) إنزال

نبعوا

من تحت الأرض إلى حطّين!

وتماوجَ

في الأفق سرابٌ

يتلوّى فيه الضوءُ،

وتنتحرُ القطراتُ،

أمام عيون الأفّاقين!

(هل هذا حلم الخبز بأفواه الجوعانين؟!)

إنزالٌ يتلوه إنزالٌ

من جوف البحرِ،

ومن أعماق الأرضِ،

ومن فوق سماءٍ...،

تحلم برجوع الأوّابين!

ما أحلى تلك الكلماتْ:

إنزالٌ

خلف خطوط عدوٍّ،

لا يعرف معنى الأزماتْ!

أسطورة أجيالٍ منذ السنوات...

السبعين!

قولوها: إنزالٌ خلف خطوط

الكذّابين!

قولوها: إنزالٌ يكسر بلّلورَ

الجبناء المهزومينْ!

قولوها:

"يُحكى أنّ الفيلةَ نشأت

منذ طفولتها بقيودٍ واهيةٍ ظلّت تحبسها

-رغم هشاشتها- حفْنات سنين!

ما أتعسها!

لو أنّ الفيلة -إذْ صارت كجبالٍ تمشي-

توسعُ خطوتها، ليزولَ القيدُ

عن الماشين!

إنزالٌ يتلوه إنزالٌ

والنخبةُ تهرب من ضرباتٍ تمشي بثباتٍ

فوق صراطٍ كالسّكّين!

تتلوّى النخبةُ،

تطلبُ أحضانَ نساءٍ ثكلى،

خدعتها أسطورةُ

أبطالٍ من  كرتون!

(هل هذا كابوس الهلكى منذ قرون؟!)

حشدوا لقتالٍ أم حشدوا

لمماتٍ فوق ترابِ فلسطين؟!

إنزالٌ مثل مبيدٍ خلقيٍّ

لخطايا الخطّائين!

إنزال تتخلله كل دموع

المنكوبين!

منذ اللحظات الأولى حتى

الساعات الملأى بدماء المذبوحين!

إنزالٌ،

عصفٌ مأكولٌ،

ما زالت تتداعى

فيه نبضاتُ العزّة منذ قرونٍ وقرون!

 (9) عادت بسلام 

في السابقِ،

كان الموت يرافق كل نجاحْ!

واليومَ،

تعود القوّات بلا قلقٍ كالأشباح!

ما أحلى تلك الأوقات!

ما أحلى تلك الكلماتْ:

"عادت بسلامٍ تلك القوّات!"

سارت كالعصف المأكولِ

على رتل الدبّابات!

لم يعرف أحدٌ

هل جاءت عبر أثيرِ أبابيلٍ

أم سجّيلٍ

أم في زخّات الطلقات؟!

أبرهة المذهول يحدِّق في بلهٍ

نحو الآفاق المعجونةِ

بشظاياه المجنونةِ

ودماء الأجيال الصارخة

دون موات!

ما زالت تعلو تلك الصرخات!

ما زالت ترسل أشباحاً

تتناثر بين الأقدام بلا هفوات!

ما زالت تلك الآهات!

ما زالت تلك الأنّات!

ما زالت تلك الصرخات!

ما زالت تلك اللعنات!...

كيف تحوّل

ضعف النّاس إلى موجاتٍ من طاقات؟!

هل تفنى الطاقة بفناء الموتى...

أم أنّ الموت منابع تلك الموجات؟!

صاح الشيلوك بخوفٍ

ويداه على أُذنيهِ، يحاولُ منع الكلماتِ

من اللكماتِ،

من الهجماتِ،

من الطعناتْ!

لكنّ القوات تمارس هجمتها

في ثقةٍ، لا تهتزّ،

ولا تزعجها

صرخات الجندِ، ولا (الكميراتْ)!

عادت بسلامٍ تلك القوات

عادت والنصر بأيديها، تنثره قمحاً

في بطن الأرضِ،

وفي الأنفاقِ،

وفي الطرقاتْ!

ما أجمل تلك الكلماتْ!

ما أروع تلك القوّات!

ما أحلى العودة

بعد الإنجاز القدسيّ الطلقات!

 (10) أطفال

يزداد الوجع الشيلوكيُّ،

فتندلع الشهوات الدمويّهْ!

تحمل فاطمةُ الدميةَ،

كى تؤنسَ وحدتها،

ويلاطم فارس في الشهر الثامنِ

صاروخ الزّنّانة بالرضّاعةِ

ذات الأخطار النوويّة!

"ديمونةُ" وجدت في الأطفالِ

سلاحاً فتّاكاً،

قد يعصف بالأفكار الصاروخيّةْ!

"ديمونةُ"

وجدت في الأجدادِ

الفيروسات الوطنيّة والدينيّة!

""ديمونةُ"

مولعةٌ بدِماءِ صبايا غزّةَ

والأشلاء المطحونة والمشويّةْ!

"ديمونةُ"

رسمت للشيطان عروشاً

فوق رمادِ بيوتِ النّاسِ المنفيّةْ!

مائةٌ في الميّةْ!

أطفالٌ قتلى، ونساءٌ،

وكتائبُ أجنادٍ مدنيّةْ!

وشهودٌ عميٌ في دولٍ أمميّة!

أطفال الفقرا

محرومون من الأحزان الإنسانيّةْ!

أطفال الفقرا

ديناصوراتٌ همجيّةْ!

لا تبكي الديناصورات دموعٌ بشريّةْ!!!

عفواً...

فالشاشات -تقدّست الشاشاتُ-

لا تحتملُ مناظرَنا الوحشيّةْ!!!

رحماكمْ

يا صنّاع الحريّةْ!

في الحرب القادمةِ

اهتموا بالردع القاسي للنفثاتِ الشيلوكية!

(فالهاملُ)...

يبحث عن نقطةِ ضعفٍ منسيّةْ!

حاشاكم...

حاشانا...

لسنا الضعفاء،

فهذا الدمّ فداكم...

وفدا الأوطان المحميّةْ!

أبدعتم،

وصنعتم أمجاداً

في زمنٍ عادت فيه الأمجادُ

إلى هبلٍ واللاتِ وأصنامِ التّمرِ العربيّةْ!

أذهلتم كلّ أباطرةِ الحربِ

وصرتم أنموذجَ كلّ الثورات الشعبيّةْ!

خذلتكم كلّ الدول الصغرى والعظمى

وتشمّت فيكم كلّ الأقزامِ

وصنّاع الصهيونيّةْ!

كنتم فرسانَ الحربِ

اخترتم أخلاقَ النّبلاءِ

ترفّعتم عن سفك دماءٍ مدنيّةْ!

لكن عبيد الأرض اشتاطوا غضباً

ذبحوا القيمَ... داسوا

الأعراف الدوليّةْ!

آمنّا فيكم،

آمنّا بالرّوح النبويّةْ!

سقيّاً للطيّارةِ

والصاروخِ

وإبداعات الأنفاقِ الثوريّةْ!

ما زلنا

ننتظر القادمَ

يا خيرَ عبادٍ في أرضٍ قدسيّةْ!

أ. د. كمال أحمد غنيم

** نائب رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني – غزة .

** أستاذ في الأدب والنقد. يعمل في الجامعة الإسلامية بغزة منذ عام 2001.

** عمل محاضراً  في قسم المسرح بكلية الإعلام التربوي في جامعة الأقصى  من عام 1998 إلى 2000

** عمل معلماً بمدرسة خالد بن الوليد الثانوية ثمانية أعوام.

** حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد في أغسطس عام 2001 من جامعة عين شمس وجامعة الأقصى بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى.

** حصل على الماجستير في الأدب والنقد في فبراير 1997 من جامعة النجاح الوطنية بنابلس بتقدير امتياز.

** حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها من الجامعة الإسلامية عام 1992 بتقدير امتياز.

** أصيب في أثناء انتفاضة عام 1987 بعيار مطاطي في عينه اليسرى بتاريخ 12/12/1988.

** اُعتقل في انتفاضة عام 1987 بتاريخ 23/2/1991 ليمكث ثمانية شهور في المعتقلات الإسرائيلية.

**  له كتابات إبداعية في الشعر والقصة والمسرح والدراما.

** شارك في العديد من الأمسيات الأدبية والندوات النقدية والمهرجانات الجماهيرية.

** يُعدّ من مؤسسي مركز العلم والثقافة، وقد رئس الرابطة الأدبية فيه من عام 1994 إلى الآن.

**  رئس نقابة العاملين في الجامعة الإسلامية2007/2009، ويرأسها في الدورة الحالية، ورئس قسم الدراسات العليا بكلية الآداب. وعمل عميدا لشئون الطلبة2009/2011، وفي العام الدراسي 2013 - 2014.

** له مجموعة من الكتب المطبوعة والمنشورة:

   - شروخ في جدار الصمت (شعر) ، غزة، مركز العلم والثقافة، ط 1، 1994. (القاهرة، مكتبة مدبولي، ط 2، 1997).

   - تعلم بنفسك (تربوي)، غزة، مركز العلم والثقافة، ط1، 1996

   - عناصر الإبداع الفني في شعر أحمد مطر (نقد)، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1998

   - شهوة الفرح (شعر)، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1999

   - المسرح الفلسطيني: دراسة تاريخية نقدية(نقد)، القاهرة، دار الحرم للتراث، 2003

   - الأدب الفلسطيني: أوراق في الأدب والنقد(نقد)، الجامعة الإسلامية بغزة، مكتبة الطالب الجامعي، 2004.

   - الأدب العربي المعاصر: أوراق في الأدب والنقد، غزة، الرابطة الأدبية، ط1، 2005. (ط2، 2006).

   - أوبريت الانتصار: مسرحية غنائية قصيرة، غزة، مجلس طلاب الجامعة الإسلامية، 2005.

   - كيف تكتب الشعر في سبعة أيام؟، غزة، نشر بالتعاون مع مجلس طلاب الجامعة الإسلامية، 2006.

    - جرح لا تغسله الدموع (شعر)، دمشق، مؤسسة فلسطين للثقافة، 2007.

    - الأدب والبلاغة (إعداد)، دير البلح، وزارة الأوقاف، كلية الدعوة، 2007

    - خفقات قلم (مقالات أدبية ودراسات نقدية)، فلسطين، أكاديمية الإبداع، 2007.

    - علم الوصول الجميل، الكتاب الثاني من سلسلة كيف تتعلم في سبعة أيام؟ ، فلسطين، أكاديمية الإبداع، 2008.

    - خطوات على سطح الشمس: تجربة نقابية، فلسطين، أكاديمية الإبداع، 2009.

    - علم الكلام الجميل، الكتاب الثالث من سلسلة كيف تتعلم في سبعة أيام؟ ، فلسطين، أكاديمية الإبداع، 2010.

    - سيناريو الفيلم التفزيوني "الأسد الصغير، فلسطين، كتاب الزيتونة، كلية الزيتونة للعلوم والتنمية، 2011.

    - ما لم يقله قيس، فلسطين، كتاب الزيتونة، كلية الزيتونة للعلوم والتنمية، 2011.

    - مقامات الغنيمي، فلسطين، كتاب الزيتونة، كلية الزيتونة للعلوم والتنمية، 2011.

    - قراءة بلاغية جديدة، غزة، مركز العلم والثقافة، 2011.

** له كتب مخطوطة منها:

مجموعة قصص قصيرة (إنهم يزرعون الشوك)

فصول من سيرة ذاتية

ومجموعة دراسات نقدية .

الرابطة الأدبية عبر الأثير.

** رئس تحرير عدة مجلات ثقافية وأدبية، منها: الرابطة، الأوائل، المشكاة، ثقافة، تواصل .

** له مجموعة مسرحيات مخطوطة منها:

"طيور بلا أجنحة" التي أعدتها فرقة العودة بغزة.

ومسرحية "يا ناس عيب!" التي نفذتها فرقة طلاب المسرح في جامعة الأقصى بغزة

وأوبريت القدس الذي أنتجه التلفزيون الفلسطيني.

وأوبريت الانتصار الذي أعده مجلس طلاب الجامعة الإسلامية

وأوبريت (حصار في الشمس) الذي نشرته مجلة فلسطين المسلمة.

** له ثلاثة أفلام رسوم متحركة أنتجتها الجامعة الإسلامية بغزة: (عودة الغزالة، والأسد الصغير، وبحيرة الطمع).

** شارك في العديد من الندوات والأيام الدراسية، منها:

الأسبوع الثقافي الذي أقامه اتحاد الكتاب الفلسطينيين في ذكرى معين بسيسو

والأسبوع الثقافي الذي أقامه الاتحاد حول الأدب الفلسطيني في انتفاضة عام 87، بورقة عمل بعنوان: "أثر الانتفاضة على المسرح الفلسطيني".

يوم دراسي بعنوان: "مقاربات نقدية في شعر الشهيد الدكتور إبراهيم المقادمة"، في الجامعة الإسلامية بغزة، عام 2004.

يوم دراسي عن شعر الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، في الجامعة الإسلامية، 2005.

مؤتمر الإمام الشهيد أحمد ياسين، في الجامعة الإسلامية، 2005.

مؤتمر طموح وإبداع، الجامعة الإسلامية وجمعية تطوير وتنمية المجتمع، 2007.

يوم دراسي عن الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق، في الجامعة الإسلامية، 2007.

يوم دراسي حول (أدب الأطفال في فلسطين: واقع ومستقبل)، الجمعية الفلسطينية للعلوم التربوية، ومركز القطان للطفل، 30مارس2008، غزة.

يوم دراسي عن "جهود مجامع اللغة العربية" عقده مجمع اللغة العربية الفلسطيني مارس 2014.

يوم دراسي عن "صالح فروانة شاعرا" أبريل 2014 عقده قسم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية بغزة.

يوم دراسي عن الأنشطة اللاصفية عقدته وكالة الغوث الدولية في مايو 2014.

مؤتمر "اللغة العربية ومواجهة تحديات العصر"، بحث بعنوان "آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة في 26 يونيو 2014.

**  مكان الميلاد وتاريخه: النصيرات 26/6/1966.

** البلدة الأصلية: وادي حنين - فلسطين.

** العنوان:  فلسطين- غزة- النصيرات