شذا الكرامة

حسن النيفي - منبج

بهـاءُ جرحِـــكَ لا شمسٌ ولا فلقُ ونبضُ قلبِكَ لا الأقـــلامُ والورقُ

تمـاوجَ المجدُ فـي عينيكَ فاحتدمتْ مواجــعُ الكـونِ في جنبيكَ تعتلقُ

الأربعونَ علـى أجســادِنا زحفتْ على مناكبِنا مـن جـورِهــا رهقُ

نأسـى ونحلـمُ لـــم نبصرْ بخيبتِنا آمالُنا بلظــى الخــذلانِ تحترقُ

قــد غالَنا الصَّمتُ دهـراً لا يراودُنا ممَّا تكابـدُ إلا السُّــهدُ والأرقُ

وأشــرقَ الحلمُ كــم أفعمته وجعاً وكم تشعَّبَ فـي ترحـالـهِ نفقُ

شـذا الكـرامةِ هـل للقلبِ مصطبحٌ إذا ظمئْتُ وهـل لــي منكَمُغتبَقُ

يــا شــامُ ليس بنيكِ القاتلونَ ولا هـمْ حافظوكِ ولا من رحمِكِ انبثقوا

تنــاسلُوا مـن كهوفِ الليلِ يحفزُهم إلى الجريمةِ فـي أوصــالِهم شبقُ

مــن ضرعِ ساسانَ لذَّ المكرُ في فمِهم فبئسَ ما رضعُوا منهم ومــا لعقوا

توارثوا الحقدَ يســري في دمائِهـمُ فليس يردعُهم ديــنٌ ولا خـلقُ

تزوَّدوا مــن فنونِ القتلِ كـم سملوا عيناً وكم هصروا عظماً وكم محقوا

سقوكِكـلَّ زعـافٍ نزَّ مـن دمِهمْ ومن عيونِكِ طهرَ المــاءِ قد سرقوا

يجرِّبون علـى عينيكِ مخـــرزَهـم ففي نواجـذِهم مــن جلدِكِ المزقُ

تباينتْ فـــي صنوفِ الخبثِ هيئتُهم لكنَّهم فـي صميمِ الشَّـرِّ ما افترقوا

مبــاركٌ دمُــكَ المسفوحُ يـا وطني كهـالـةِ الفجرِ فـوقَ الكونِ يندلقُ

قــد أدمنُوكَ رهيناً فـي براثنِهــم لا ملمحٌ فيكَ إلا فيـه قــد فسقوا

عاثــوا بكـــلِّ تليدٍ فيكَ مؤتمنٍ حتى المـآذنَ فــي عليائِها صعقوا

يمضي بنـوكَ عـراةَ الصَّدرِ يبغتُهـم مـوجُ الرَّصاصِ إلى الأكبادِ ينطلقُ

يستعذبون شميمَ المـوتِ حينَ بــدا طيفُ الكرامـة فـي عينيك يأتلقُ

جنـائزٌ شيَّعتْ أخـرى وشيَّعهــا مـن الجنـائزِ فــي تشييعها نسقُ

ضممتُ فـي خافقي ما لستُ أبصرُهُ ترى البصيرةُ مــا قد يخطئُ الحدقُ

علـى ترابِـكَ قـد تفنى أضـالعُنا لكـنَّ حبَّكَ فـي الأرواحِ ملتصقُ

هـــذي الجـراحُ أزاهيرٌ مبعثرةٌ تباينتْ فـي الـرُّؤى والعطرُ متفقُ

مـن شمسِ آذارَ أضرمْنا حنـاجرَنا لعلَّنا مـن إسـارِ الــذُّلِّ ننعتقُ

عرسُ الشَّهادةِ معقودٌ فمـا انطفأتْ نجومُـهُ الزُّهــرُ حتَّى يسطعَ الفلقُ

يا سهلَ حورانَ أزهـارُ الرَّبيعِ نمتْ على جـراحِـكَ فهـي اليومَ تنفتقُ

فـاستلهمتْ عطرَها الفوَّاحَ أفئدةٌ تكـادُ مـن قهرِهـا بالحـزنِ تختنقُ

جادَ الربيعُ فمن أجسادِنـا هطلتْ ورودُهُ الحمــرُ واليسمينُ والحبقُ

عذراً حمـاةُ فما أرثيكِ فــاجعةً عينـاكِ أجملُ مَـنْ بالشِّـعرِ يرتفقُ

بـوحَ النَّواعيرِ قـلْ لي أيُّ ذاكرةٍ تروي حكـايـةَ مَنْ ماتوا ومن حُرِقوا

لن أوقظَ الجرحَ أخشى أن يفيضَ بِهِدمـعُ الإبـــاءِ فيفنى قلبيَ النَّزقُ

يا حمصُ صوبَـكِ مدَّ الكـونُ أعينَهُ يسترشدُ الدَّربَ لمَّا ضـاعَتِ الطُّرقُ

كان الدَّليلَ إلـى لقيـاكِ فيضُ دمٍ مـلءَ الضُّلوعِ وجـرحٌ ليس ينغلقُ

وكانَ خـالدُ مذهـولاً يسـائلُني أينَ السُّيوفُ التي قـد كنتُ أمتشقُ

شــكراً لنزفِكِ كـم ذبـحٍ فديتِ به! شــعباً بكـلِّ فنونِ القتلِ ينسحقُ

يـا آثـمَ النَّفسِ خـارتْ عند غضبتِنا أوتـارُ بأسِكَ واستشرى بكَ الحنقُ

لــم ينأَ بطشُكَ عـن شيخٍ ولا امرأةٍ حتَّى الصِّغارُ وهم في المهدِ مانطقوا

تخشى أنـاشيدَ أطفـالٍ بهــا هتفُوا وفـي يديكَ عتـادُ العسفِ والفرقُ

فسلْ سـياطَكَ كـم فـي خسَّةٍ بليتْ لمّـا تحدَّى أذاهـا جلدُنــا الخلقُ

لـن يوديَ الصَّوتَ أن تجتثَّ حنجـرةً قـد خـطَّ صوتيَ في جـدرانِهِ الأفقُ

نهشْتَ عفَّةَ أحــلامي أمَـا هرئتْ؟ أنيابُ غدرِكَ فـوقَ الجرحِ تصطفقُ

تخـافُ صيحةَ حقٍّ قــد نطقتُ بها ولا يريبُكَ مـن صهيونَ مــا أبقوا

فـانعمْ بغيِّكَ واستمرئ شـقاوتَنـا إلـى مصيرِكَ يومـاً ســوفَ تنزلقُ

تبَّاً لحبلِ أكـاذيبٍ عُـرِفْتَ بهــا إنَّـــا بغيرِ حبـــالِ اللهِ لا نثقُ

يـا ربِّ وعـدُكَ فوقي أستظلُّ بِـهِ فلتظمأ النَّفسُ حتَّى يـأتـيَ الغـدقُ