مع الشيخ محمد الغزالي في حديث الاثنين

معمر حبار

أولا: خصال الشيخ من خلال الكتاب

1)    حول الكاتب والكتاب: حينما تقرأ كتاب: "حديث الإثنين"، للشيخ محمد الغزالي، رحمة الله عليه، إعداد الأستاذ: عبد القادر نور، الطبعة الأولى 2011، دار الوعي، الجزائر، من 259 صفحة، تستحضر أيام الله، التي كان الجزائريون جميعا، ينتظرون حصة الشيخ كل يوم إثنين، بشغف كبير، عبر الرائي الجزائري، وموجات الإذاعة الوطنية، ولعلّ هذه الأسطر من بركات تلك الأيام الخالدة.

2)    صوت وقلم: رزق الشيخ محمد الغزالي، حسن الصوت، وبيان القلم. ومن أراد أن يكون للكتاب أثرا، فليقرأه بصوت الشيخ وعقله، وليستحضر طريقة الأداء والإلقاء، إن أكرمه الله بالاستماع إليه.

3)    شرح القرآن بالقرآن: كل الحصص التي ألقيت وذكرت، مدعمة بآيات بيّنات من الذكر الحكيم، فهو يستحضر الآية في الوقت المتناسب، بسرعة فائقة، مايدل على الحفظ الجيد، والذاكرة السليمة، رغم عبء السنوات.  فهو يشرح القرآن بالقرآن، ويربط بين السورة الأولى وآخر سورة، ليستخرج منها حكما ، كالذي بيّنه 206، حين تطرّق لمقارنة سبب الترتيب العجيب، بين سورة الكافرون، وسورة النصر.

4)    فقه الحديث: حين يتطرق للحديث، يقف مطولا عند الظروف التي قيل فيها الحديث، معتمدا فيما بعد على القرآن الكريم، وحديث آخر يعضده ويشرحه، كما فعل مع حديث" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق"82 . فالشيخ رزق فقه الحديث، وفقه الآية.

5)    الإجابة المناسبة: سرعة البديهة لدى الشيخ واضحة، ويجيب السائل بقدر ذكاءه، ودرجة حماقته. فهو يجيب الذي سأله عن أن الجن سكنه قائلا، ولماذا لاتسكنه أنت؟. أما الذي قال له، إن جن صهيوني سكنني، يرد عليه الشيخ قائلا، أما يكفي الصهاينة، أنهم احتلوا أرضنا، ليحتلوا أيضا أجسادنا؟.

6)    حديث الفصحى: إن دروس "حديث الإثنين"، ألقاها الشيخ كلها، باللغة العربية الفصحى، وفهمها الأمي، والفصيح، والذي يتحدث باللغة الفرنسية. وما جاء في الكتاب، هو نقل لتلك اللغة، وليست إعادة كتابتها باللغة العربية. مايدل أن اللغة العربية الفصحى، إذا وجدت الصوت الجيد، والأداء الحسن، والصدق والإخلاص، والبساطة في التعبير، اخترقت الآذان، ومسّت الأفئدة.

7)    فضل الرئيس الشاذلي على الشيخ محمد الغزالي: من نعم الله على الجزائر، أن قيّض الله لها، الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمة الله عليه. فدروس "حديث الإثنين"، كانت بطلب من الرئيس الشاذلي بن جديد، والرئيس نفسه هو الذي أصرّ على أن يكون توقيتها قبل نشرة الثامنة، ليضمن الاستماع والانتشار. رحمة الله عليك أيها الرئيس الشاذلي بن جديد، وأسكنك فسيح جناته، وجعلك رفيق أهل العلم، ورزقك شفاعتهم.

8)    بساطة في مقدمة وخاتمة: يبدأ حديثه بـقوله: "أيها الأخوة السلام عليكم ورحمة الله"، وينهي حديثه بقوله: "والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله". وظلّ على هذه الأحرف القليلة الغالية، طيلة "حديث الإثنين"، وكل محاضراته ودروسه.

9)    هدايا الشيخ محمد الغزالي للجزائر: أهدى الشيخ مستحقات بيع كتاب "حديث الإثنين"، للمعاقين الجزائريين. كما أنه تنازل عن كافة حقوقه للقارئ الجزائري، بالنسبة للكتب التي أعيد طبعها في الجزائر. وحين يُسأل عن حقوقه، يجيب قائلا، لقد أغناني الله تعالى، فأنا من أغنياء المسلمين.

10)          الشيخ الشاعر: عبر "حديث الإثنين"، وصفحات الكتاب كلها، يمتّع الشيخ، السامع والقارىء، بأبيات شعرية، من حفظه وذاكرته، رغم كبر السّن، لكبار الشعراء، ومن مختلف العصور، كالمتنبي، وعنترة بن شداد، وأبو تمام، وامرؤ القيس، وشوقي، والمعري. وإذا أضفت لها حسن الإلقاء، وروعة الأداء، علمت سبب تأثير الشيخ على السامع والقارئ.

ثانيا: محطات من الكتاب

1.    الثورة الجزائرية والتكبير: 61 كانت صيحات الله أكبر في هذه البلاد - الجزائر-، هي التي أوقعت الفزع في قلوب النصارى، والتي جعلت القادة الذين تخرّجوا من كليات عسكرية فنية محترمة معتبرة، جعلتهم ينهزمون أمام الفلاحين والعمال والطلاب الذين انطلقوا يحررون بلدهم تحت صيحة:  الله أكبر.

2.    الثورة الجزائرية وعدم الموالاة: 164 الذين أُمِرْنا بعدم موالاتهم هم الذين يحاربوننا. هؤلاء هم الذين أمرنا بمقاطعتهم أو بمحاربتهم أو بعدم موالاتهم. هم الأشخاص الذين عرفنا نماذج لهم في حرب التحرير في الجزائر، عندما مال بعض الخونة والمنافقين إلى المحتل الغاصب، وكان بقلبه معه أو كان بمسلكه معه.

3.    أدب الخلاف: يعيد الشيخ على الأسماع حقيقة، أن 80: الخلاف في فقه الأحكام واسع، ولا ضير منه، ولا حرج فيه. والخلاف له فضله وله أجره. ويختمها بقوله: وإن المخطىء له أجر، والمصيب له أجران، لايدري من المخطئ ولا من المصيب، فالقصة عند الله هي التي تعرف، قضية يحكم فيها ربنا.

4.    التمكين العام والتمكين الخاص: يرى الشيخ 100 أن: التمكين في الأرض صفة يعتز بها الإسلام. ويُقسّم التمكين إلى قسمين101، ويقول أن: الشيء العادي ليس مفخرة للانسان. وأنه 102: لم يكن التمكين العام هو الذي نحتفظ به لأنفسنا، بل كان تمكين خاص. إذا كنت دون البشر العادي فأنت معرّة للإسلام، بل مرض يصيب هذا الدين وينخر كيانه. ويختم بقوله 103: وإذا لم نمكن لأنفسنا في الأرض فإننا لن نمكّن لديننا.

5.    أخلاق أركان الإسلام: 108 هذه الأخلاق الثلاثة: الإخلاص، النظام، النظافة ترتبط بالصلاة. عندك الصيام ترتبط به الجلادة والصبر، والأمانة والتحمل. هناك أخلاق ترتبط بالزكاة، هي تمرين الإنسان على أن يكون شاعرا بآلام الآخرين، سريعا إلى إذهابها. هناك الحج 109، رحلة لترويض الإنسان على أدب اللسان والعفة، أن نجعل من الأمة الإسلامية أمينة على شمائلها وفضائلها.

6.    الحق من خلال غزوة بدر: يرى أن أغراض الجهاد الإسلامي 124، تكمن في: حماية الدعوة. منع الفتنة. حماية الدماء والأموال. ثم يشرح ذلك من خلال غزوة بدر، فيقول132: معركة بدر أعطت للتاريخ الإسلامي، أن الحق يُفرضُ. ماذا يصنع الدليل العقلي بإزاء من يضع يدك في فمك ويمنعك من الكلام؟. ثم يؤكد حقيقة من خلال غزوة بدر، مفادها 133 أن: الحق المجرد يغلبه باطل مسلح. في بدر تبيّن أن أهل الحق إذا اعتمدوا على الله لم يخذلهم مهما يكن موقفهم ضعيفا. 135 بدرا كانت النموذج الأول الذي التقى فيه الحق مع السيف الذي يؤيده ويسانده إعزازا لله وإحقاقا للحق وإبطالا للباطل.

7.    تماسك الأمة من خلال غزوة احد: يصف الشيخ، الصحابة رضوان الله عليه، بقوله 242: هؤلاء الذين استجابوا للرسول من بعد  ماأصابهم القرح، هم الذين تحاملوا على جراحاتهم بعدما نزل بهم من ألم دون أن يضعفوا ودون أن ينهزموا، ورفضوا الشائعات التي أطلقها الأعداء، وقاوموا كل أسباب الهزيمة، وكانت النتيجة أن مرّ المسلمون بمحن "أحد" دون أن ينهزم الايمان، ودون أن تنكسر الصفوف، بل سرعان ماعادت الأمة متماسكة وراء نبيّها حتى أقامت دولة الإسلام عالية شامخة.

8.    دور صلح الحديبية في فتح مكة: يتساءل الشيخ، لماذا أبى الله أن يكون القتال أثناء صلح الحديبة؟، فيجيب قائلا 140: أن الله رفض أن يدور القتال في مكة، وكان المؤمنون قادرين على أن يديروا المعركة، ولكن يوجد في مكة مؤمنون أخفياء لايعرفهم أحد، كتموا إيمانهم في ظل الجبروت والطغيان. وعن أسباب عقد صلح الحديبية، يقول 142: كان النبي عليه الصلاة والسلام، يريد أن يُعترف بالمسلمين جزءا من المجتمع العربي، وليسوا خارجين على هذا المجتمع، كان يريد أن يعترف بالاسلام دينا لمن شاء أن يعتنقه وليس دينا خارجا على القانون. لأن الاسلام لايحتاج إلا إلى جوّ حرّ. ثم يبيّن دور صلح الحديبية في فتح مكة، فيقول 143: فتح مكة كان حصادا لسنتين من السياسة الرّاشدة الحصيفة والدعوة المتئدة المتأنية، كان النبي عليه الصلاة والسلام رأس دولة تأخذ لربها ولنفسها ماتريد، ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة أولا، ثم تستغل أخطاء الخصوم في أن تكسب لله وللدّين وللحقيقة ولأتباعها مايعز الجانب، وما يجعل المسلمين إلى آخر الدّهر أسوة حسنة لمن يريدون العيش بالحق والانتصار له.

9.    الحق: أخلاق طيبة ومناهج صالحة: يتطلب التعصب للحق157 أمرين، أن أحترم الحقّ في مجالسي كلها. اختر المجلس الذي يحترم مبادئك ويصون شرفك، واختر من الأصدقاء الذين يتجاوبون مع الهدى ويعينوك على أداء حقوق الله. ثم يشرح معنى التعصب للحق158، فيحدّده في: احترام للفكر السديد والرأي الرشيد، والعمل النبيل، والوجهة الشريفة. ويشرح ذلك بقوله 161: أنا مكلف بأن أعرض الحق على الناس عرضا يغريهم بقبوله وأتباعه. ثم يزيد توضيحا بقوله 162 : اختلاف الدّين ليس سبب عدوان ولا سبب مغاضبة وتجهّم وطغيان. الحق لن يُقبل مني إذا كنت سفيها، وكان غيري راشدا، أو كنت قاصرا وكان غيري واسع الثقافة. ويؤسس قاعدة لأهل الحق، حين يقول 165: ويجب أن نكون مقدمين للحق بأدلته وبأخلاقنا الطيبة، ومناهجنا الصالحة.

10.                       الحق بين النصر والصراع: 206 يتساءل الشيخ، لماذا جاءت سورة النصر مباشرة بعد سورة الكافرون، وبينهما 22 سنة؟.وللإجابة، يقارن بين سورة الكافرون، وهي من أوائل مانزل، حينما كان صلى الله عليه وسلم في مكة، يصارع النكران والاضطهاد، وسورة النصر، وهي من أواخر مانزل، وقبل التحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى. فيرى أن النصر وإحقاق الحق، يكون بعد صراع مرير، وطويل، لكن يبدو وفي الأخير كأنها لحظات معدودات، لذلك جاء النصر مباشرة بعد القطيعة مع الكفر.

11.                       الجنة بين العمل والثمن: يرى الشيخ، 226 أن:  العمل سبب لابد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمنا لها. لكن الله يقبل السبب ويتغاضى برحمته. أي: أنكم دخلتم الجنة بسبب بما قدمتموه وهو العمل الذي لابد منه، ولكنها رحمتي أن أجعل الخلود في النعيم المقيم لعمل محدود قمتم به ... فليس العمل ثمنا ولكنه سبب. ثم يحذّر المغرور، قائلا 227: احذر أن تجيئه وأنت مختال من عمل، فإن العمل لاينفعك إذا لم يكن معه هذا الانكسار، هذا التواضع، هذا التضرع إلى الله.

12.                       لاتوريث في الإمامة: 149 حينما طلب سيدنا إبراهيم الإمامة لذريته قائلا: "ومن ذريتي"، أجابه الله تعالى: "لاينال عهدي الظالمين"، ولم يقل له إن الإمامة في أبناءك، دون عمل أو حساب، بل هي في أبناءك وفي غير أبناءك، إن احترموا السنن الكونية في تسيير شؤون الحياة، ولن تكون أبدا لظالم، ولو كان من ذريتك.