"هؤلاء الشعراء وعوالمهم المدهشة"

كتاب جديد لفاروق شوشة

"هؤلاء الشعراء وعوالمهم المدهشة"

بدر محمد بدر

[email protected]

ضمن السلسلة الأدبية لمكتبة الأسرة، أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب مؤخرًا: "هؤلاء الشعراء وعوالمهم المدهشة" للشاعر المعروف فاروق شوشة, يستعرض فيه المؤلف عوالم سبعة من مشاهير الشعراء المصريين والعرب، ليكشف للقارئ عن بعض الجوانب الأدبية والإبداعية والإنسانية لدى هؤلاء المشاهير.

أول هؤلاء هو "عباس محمود العقاد"، حيث يرى المؤلف أنه كان حريصًا على أن يكون تأثيره اليومي الفاعل في صنع التاريخ وصياغة الأحداث، أكبر من اهتمامه بقرض الشعر وفنونه، وبالتالي زادت المسافة اتساعا بينه وبين شعراء عصره.

ويمكن القول بأن شعر العقاد يعد نموذجًا يتحدى لدى متلقيه قدراته الكاملة، وفي مقدمتها عقله ووعيه وفكره، وقدرته على التأمل والتجريد، ولم يكن هذا النموذج مسرفًا في العاطفية كشعر الرومانسيين، ولا مسرفًا في العناية بالفخامة كنموذج أحمد شوقي وأضرابه.

ويشير المؤلف إلى أن شعر العقاد يكثر فيه تصوير الحالات النفسية، وتسجيل الخواطر الفكرية، وإثبات التأملات المنطقية، بقدر ما تقل فيه السبحات الهائمة، والانطلاقات التائهة، فكل شئ واضح وله حدود.

وتر نافر

ويستعرض فاروق شوشة نموذجًا آخر، هو الشاعر الصعلوك "عبد الحميد الديب"، الذي يصفه بأنه "وتر نافر في قيثارة الشعر"، ويرى أن موهبته أتيح لها من جوهر روحه وتمرده، تلك النار المقدسة التي يقدر لها أن تتوهج، وأن تشتعل بها عبقرية شعرية مغايرة، شُغلت حتى النخاع بتقييم ذاتها وذوات الآخرين، وحظها المتدني وحظوظ الآخرين، فكان وعيها العميق بالتفوق، بالرغم من دونية الموضع الاجتماعي والإمكان المادي, مطلقًا لهذا المارد الشعري، الذي يجرف في طريقه ـ بوعي وبدون وعي ـ الأصدقاء والأعداء.

نحن إذن أمام صورة شديدة العصرية للشاعر الصعلوك في موروثنا الشعري القديم، والصعلكة في حقيقتها ليست مجرد فقر وعوز، وليست المبيت على الطوى أو ربط الحزام على البطن، ولكنها التمرد على هذا كله والعزم على تغييره، ومن هنا تبدو هذه الروح المتكبرة العاتية التي يمتلئ بها شعر عبد الحميد الديب ويتوهج، لأنه يرى نفسه دائمًا أعظم ممن يقصدهم بالسؤال، وأن شعره دائماً أرفع مما يكتبه غيره.

اللهب القدسي

ويتحدث المؤلف عن الشاعر السوري "بدوي الجبل" وقصيدته "اللهب القدسي"، فيؤكد أن شعره نتاج عبقرية قادرة على اصطناع لغتها الخاصة، ونسج عالمها المتميز من الصور والمجازات الشعرية، وتملك معجم شعري متنوع الصياغات والاشتقاقات والدلالات، ثم هي أيضًا قادرة على إرخاء النَفَس الشعري حتى منتهاه، هجومًا على المعنى، واقتناص اللمحة الجديدة الطازجة، في اقتدار ومهارة وإحكام القبضة على القصيدة من بدئها إلى منتهاها، بحيث لا تخمد الجذورة، وهذا واضح بالذات في قصيدته "اللهب القدسي".

إن هذا المعجم الشعري لدى "الجبل"، المتنوع الصياغات والدلالات، يشبه في قوة تأثيره وفنية إشعاعه، الكواكب المتناثرة في فضاء الكون, وهو في الفضاء الشعري لبدوي الجبل يجسد - في هذه القصيدة بالذات -حالاً مركبة من الخشوع والكبرياء, ومن الخضوع والترفع، ومن الاقتراب والاعتداد.

نزار قباني

ويقول المؤلف عن نزار قباني إنه أكثر الشعراء إثارة لغبار المعارك، وأكثرهم وقوعًا في شرك الأحكام القاطعة المانعة، وهو طليعة الشعراء المقدم عند البعض، وهو الشاعر الزائف الشعرية عند البعض الآخر.

ولم يعرف تاريخنا شاعرًا أتيح لشعره من الذيوع والدوران على الألسنة والأقلام والأسماع، كما أتيح لنزار قباني، ولا شاعرًا طبعت دواوينه بهذه الوفرة والكثافة كما أتيح له, والذي لا شك فيه أن نزار في طليعة الشعراء الكبار الذين يعود إليهم فضل جعل الشعر العربي مقروءًا حتى اليوم.