على ضفاف شط العرب

على ضفاف شط العرب

للكاتب كاظم فنجان الحمامي

رياض عبد الواحد

كاظم فنجان مرشد بحري خارج النمطية المعروفة للمرشدين البحريين بسبب من موسوعيته المعرفية, وسعيه الحثيث لامتلاك ناصية العلم, وتسخيره على مستوى الميدان ونبضه, وهو بعد هذا قد أدمن البحر, وركبه ركوب المقتدر, وحمل حقائبه في رحلة مضنية, جاب فيها البحار, وصفع موجات التيارات الشديدة, التي كانت تصفع الساحل دهرا بلا حدود, ثم امتثل للصوت القادم من منابع العلم, وعانق عالم المصفوفات المتشعب الرؤى..

رحلته الحياتية رحلة رغبت في المحاكاة, لكنه وجدها مرفوضة من دواخله, فكان حبل السرة مشدودا بينهما, لكن صفير الأحداث التي مر بها البلد ألح وأزف, فطال التحامه مع مستجداته اليومية من خلال الفكرة الثاقبة والاستنتاج الأبهر والتأسيس المبدع الملتحم بالعلم والحقيقة, فامتلأت حقائبه بالمعرفة التاريخية, فعقر الناقة صوب الشط مرة ثانية واستهواه العزف على أوتار التاريخ, فكان ممن قال فيه وأبدع. الكتاب يتناول شط العرب, وهذه الموضوعة ليست جديدة على مستوى الطرح العام إلا إن فضيلة هذا الكتاب انه كتب بلغة شفيفة ومائزة, وقد التفت المؤلف التفاتات نابهة وذكية إلى الإرهاصات, التي رافقت تطلعاته ورحلاته البحرية في هذا الشط الخالد, والى رغبته الجامحة في الحفاظ على ما تبقى منه بمنهجية علمية واعية, وبسرد وقائع تاريخية رصينة, واستخلاصات قل مثيلها ومنها الكثير, الذي ينبغي التوقف عنده وتأمله تأملا واعيا وسريعا, لأنه مبني على منهجية علمية تتساوق وطموحات الإنسان العراقي الشريف في  الحفاظ على بيئته النهرية.

كتب مقدمة الكتاب الدكتور الفاضل عامر السعد وهو ابن الماء, ابن الملتقى وسدرة ادم, استنشق عطر الماء وهو صبي, وخرج من  قاع الشط وهو يدندن نشوان بما تدغدغه نسيمات الهواء الراقصة على وجه الشط, فكانت مقدمته قطعة شعرية تنضح  ذكريات عبقة لهذا الشط. تناول الكتاب كل صغيرة وكبيرة, بل ودخل في أطروحات عصرية ومقترحات كثيرة تساعد أصحاب القرار على الغور في هذه المسألة بنجاح, لأن المفاتيح الرئيسة قد وضعت بين أيديهم.
في المقالة الموسومة (البحث عن مرساتي الضائعة). .

يغوص كاظم فنجان في أعماق التاريخ ليقف عند كلمة (الأنكر) وتأصيلها النظري وما تؤول إليه ويقول: ان العراقيين هم الذين اكتشفوا هذه التسمية, وهي من رواسب اللغات السومرية والأكدية والآرامية, كما واكتشف إن سفينة سيدنا نوح هي من اكبر السفن السومرية وكانت تحمل (24) مرساة مصنوعة من الحجر, ويصل وزن بعضها إلى (10) أطنان. وحين يتحدث عن السلطة البحرية العراقية, فهو يضع مجموعة من المقترحات, التي تساعد أصحاب القرار في أن يحتل العراق المكانة, التي تليق به من خلال إحياء فكرة السلطة البحرية العراقية, وحين يعرج على قناة (الروكا) وسبب تسمياتها أو معناها فيقول: وجدت كلمة الروكا في المفردات (الأنجلو – هندية), وهي الوثيقة المكتوبة بخط اليد, وهذا يعني إن قناة الروكا هي القناة الملاحية, التي ترسم مسالكها وتثبت فناراتها بوثائق وأوراق قانونية رسمية مكتوبة بخط اليد, وعلى امتداد صفحات الكتاب يظل المؤلف وفيا وحريصا على منهجيته التاريخية في استخلاص القيم الروحية والأبعاد العلمية لشط العرب, والذي اكتسب على مر التاريخ بعدا مهما في حياة العراقيين بنحو عام, وحياة البصريين بنحو خاص.

بقي أن أقول في ختام هذا العرض المتواضع لهذا الكتاب (الوثيقة), إن على العراقيين جميعا قراءته بنحو كامل, وعلى كل بحري أن يتمعن فيه ليستخلص العبر والدروس والمواقف, وما ينبغي أن نفعل للحفاظ على بيئتنا البحرية. .

ان هذا الكتاب يحاول إنعاش الذاكرة العراقية في ضرورة عدم التفريط بهذا الشط ومنافذه البحرية, ومما يسجل لهذا الكتاب ولمؤلفه تلك الطريقة الممتعة للعرض واللغة الرصينة وطلاوة التعابير, التي استعملها المؤلف. مجمل القول الذي نريد الوصول إليه إن هذا الكتاب شهادة راقية ومهمة ووثيقة تاريخية لهذا النهر الأسطورة, الذي استطاع أن يبقى علامة مضيئة في صفحات تاريخ العراق والبصرة.