ابن العربي وموقفه من الدولة الأموية

د. حمدي شاهين

من هو أبو بكر بن العربي ؟

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد المعافري الأشبيلي المالكي، ولد في شعبان 468 هـ، بمدينة أشبيلية في أحضان أسرة كانت لها حظوة لدى المعتمد بن عباد في عصر ملوك الطوائف، وكان لابن العربي جهاده السياسي مع المرابطين ثم الموحدين، كما كان له جهده العلمي المتميز ونتاجه الخصب في الفقه وأصول الدين وعلوم القرآن والحديث واللغة وغير ذلك، وتوفي بمدينة فاس بالمغرب في ربيع الأول سنة 543 هـ(1).

ابن العربي وكتابته عن الدولة الأموية

يعد كتاب العواصم من القواصم من أبرز الكتابات التاريخية التي تسعى لإنصاف الأمويين، وتنقية تاريخهم مما علق به من شبهات المؤرخين والأدباء، وهو لم يحاول إنصاف الأمويين وحدهم، بل امتد بحثه إلى تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم، ورد الشبهات عن تاريخهم.

ويتعجب ابن العربي من استكثار الناس ولاية بني أمية مع أن أول من عقد لهم عقد الولاية رسول الله –صلى الله عليه وسلم، فقال: "نكتة وعجبًا لاستكبار الناس ولاية بني أمية، وأول من عقد لهم الولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه ولى يوم الفتح عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية مكة - حرم الله وخير بلاده - وهو فَتِيُّ السن قد أبقل أو لم يبقل. واستكتب معاوية بن أبي سفيان أمينًا على وحيه، ثم ولى أبو بكر يزيدَ بن أبي سفيان - أخاه - الشام. وما زالوا بعد ذلك يتوقلون في سبيل المجد، ويترقون في درج العز، حتى أنهتهم الأيام إلى منازل الكرام(2)، ويرد الزعم بوجود أحاديث نبوية تهاجم الأمويين وتغض من شأنهم (3).

وعندما يتحدث عن حروب علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهما، يرى أن كلا من الفريقين كان يجتهد رأيه لتقرير الحق، وأنهم جميعا مؤمنون، كما قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات: 9] (4).

ويتحدث ابن العربي عن مزايا معاوية ومكانته العالية في السياسة والفقه (5)، ويرفض الرواية المشهورة عن التحكيم وخداع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري، ويرى أن كلا من الحكمين خلعا صاحبه، وتركا الأمر شورى بين المسلمين بغير سباب بينهما (6).

ويتعرض أبو بكر بن العربي لبحث بعض الشبهات التي تثار حول خلافة معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنه، مثل قتله حجر بن عدي، فيرى أن حجرا أراد أن يقيم الخلق للفتنة، فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فسادا (7)، ويرى أن استلحاق معاوية –رضي الله عنه- زياد بن أبيه لم يكن خروجا عن شريعة الإسلام، كما يزعم أعداء الدولة الأموية، فإن المسألة محل خلاف بين العلماء، وقد فعل معاوية الحق في ذلك على ما يذهب الإمام مالك –رحمه الله (8).

وحين يبحث ابن العربي تولية معاوية –رضي الله عنه- يزيد العهد، يرفض القول بأن يزيد بن معاوية لم يكن عدلا، ولم يكن يستحق الخلافة (9)، كما ينفي الزعم بأن يزيد بن معاوية كان شارب خمر، فقال: " فإن قيل: كان يزيد خمارًا، قلنا: لا يحل إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه بل شهد العدل بعدالته. فروى يحيى بن بكير، عن الليث بن سعد، قال الليث: " توفي أمير المؤمنين يزيد في تاريخ كذا، فسماه الليث أمير المؤمنين، بعد ذهاب ملكهم وانقراض دولتهم، ولولا كونه عنده كذلك ما قال إلا توفي يزيد(10).

ولما بحث ثورة الحسين بن علي –رضي الله عنهما- وخروجه على يزيد بن معاوية –رحمه الله، أخذ على الحسين –رضي الله عنه- أنه لم يقبل نصيحة أعلم أهل زمانه ابن عباس –رضي الله عنهما، وعدل عن رأي شيخ الصحابة ابن عمر –رضي الله عنهما (11). ويلتمس العذر لقاتليه، فإنه: "ما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل –صلى الله عليه وسلم، المخبر بفساد الحال، المحذر من الدخول في الفتن" . ثم يذكر الأحاديث التي تنهي عن الخروج على الجماعة وتفريق الأمة، ويعتب على الحسين بن علي –رضي الله عنهما- حسن ظنه بأهل الكوفة الذين أسلموه (12).

وأخيرا فإن بحث ابن العربي لم يقتصر على هذه الفترة الباكرة من عصر الدولة الأموية، بل يمتد بعض الشيء حتى يروي الروايات عن فقه عبد الملك بن مروان وعلمه (13).

               

1- انظر انظر: أبو بكر بن العربي: العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قدم له وعلق عليه: محب الدين الخطيب رحمه الله، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1419هـ، 1/ 9- 31. ابن بشكوال: الصلة، ترجمة رقم (1297).

2- ابن العربي: العواصم من القواصم، ص234.

3- ابن العربي: العواصم من القواصم، ص235.

4- ابن العربي: العواصم من القواصم، ص168- 170.

5- ابن العربي: العواصم من القواصم، ص202.

6- ابن العربي: العواصم من القواصم، ص172- 181.

7- السابق، ص211.

8- السابق، ص240.

9- السابق، ص224- 234.

10 السابق، ص227- 228.

11- ابن العربي: العواصم من القواصم، ص231.

12- السابق، ص232- 233.

13- السابق، ص249- 251.

المصدر:كتاب: الدولة الأموية المفترى عليها