الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة الفصل الرابع

الفصل الرابع الهجاء في شعر الدول المتتابعة الفصـل الـرابع الهجاء في شعر الدول المتتابعة

منذ أن قال إبليس لربه عز وجل )خلقتني من نار؟، وخلقته من طين( ([1])بدت من مخلوقاته علائم الهجاء والاحتقار… وما الهجاء في حقيقته إلا إحساس بالتعالي ممن يرى غيره، كائناً من كان ليس أهلاً للمحلة التي هو فيها، أو يراه يتصرف بما لا يليق؛ وهو أيضاً تعبير محسوس عن نفس اختلت عندها المفاهيم والموازين فراحت تندد بالآخرين، وتنظر إليهم على أنهم (دونها) في المكانة والمنزلة.

وقد حدد نقاد العرب شروطاً للهجاء فأحسنه أقصره، إذ تكفي فيه اللمحة والإشارة، إلا إن لم يوف الشاعر الغاية التي جاء من أجلها، وعندئذ فلا حرج من الإطالة، ويجب أن تكون معانيه سهلة، وأن ينأى صاحبه عن الفحش والقذف إذ أشده أعفه، وأصدقه وأجوده ما استطاعت العذراء أن تنشده في خدرها كما يقول ابن رشيق([2]). ولذلك عُدّ قول الحطيئة في الزبرقان:

واقعدْ فإنك أنت الطاعم الكاسي ([3])

  دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها    

من أقذع الهجاء، واستحق عليه السجن.

وقد تنوعت المجالات التي تعرض الشعراء فيها للهجاء، وبدا فيه مظاهر وسمات :

أولا : أنواع الهجاء :

 تعددت ألوان الهجاء في شعر هذا العصر، فهناك هجاء اجتماعي، وآخر سياسي، وثالث عقائدي، وهناك هجاء للمدن و…

1- الهجاء الاجتمـاعي :

ويتعلق بعضه بذوي المهن أو بالموظفين وطبقة العلماء ،أو بأخلاق اجتماعية، كتنكر صديق لصديقه، أو إضرار بالآخرين، أو خروج عن الأعراف والتقاليد … فالشاعر البوصيري هجا الموظفين في منطقة الشرقية في مصر فندد بأمانتهم إذ كانوا يسرقون الغلال ويأكلون الأموال بالباطل ويدّعون التقوى والصلاح أو يدعون أنهم أصحاب الحق الشرعي فيها، وكان المسلمون يقولون نحن أولى من تأخذ هذه الأموال والوظائف، والأقباط يقولون نحن أبناء البلاد والمسلمون غصبوا أراضينا، كما أحل اليهود أكل أموال الناس أجمعين وشاركهم في هذا ابن قطيبة فهو ينهب الغلال ليجمع الذهب بعدما كان فقيراً، ويحرص البوصيري على استرداد هذه الأموال منهم، ولاسيما أن اليهود الذي تسلموا زمام الأمور يعذبون المسلمين ويذلونهم ويسرقونهم، فكأنهم عصا موسى التي تأكل أموال القوافل والسفن، يقول في ذلك :

فلم أرَ فيهم رجلاً أمينا

  ثكلْتُ طوايفَ المُسْتَخدمينا    

مع التجريبِ من عُمري سنينا

  فقد عاشرتُهم ولبثْتُ فيهم    

بهم فكأنما سرَقُوا العيونا

  فكم سرقُوا الغلالَ وما عرفْنا    

من الزهّادِ والمُتَوَرِّعينا

  تنسَّك معشرٌ منهم وعُدُّوا    

وقد ملؤُوْا من السُّحْتِ البطونا

  وقيل: لهم دعاءٌ مستجابٌ    

بها، ولنحن أولى الآخِذينا

  يقول المسلمونَ لنا حقوقٌ    

وإنّ سِواهم هم غاصِبونا

  وقال القبطُ نحن ملوكُ مصر    

لهم مالَ الطوايفِ أجمعينا

  وحلَّلَتِ اليهودُ بحفظِ سبتٍ    

لهم في كلّ ما يتَخَطَّفونا

  وما ابنُ قُطَيْبَةٍ إلا شريكٌ    

فليتَك لو نهبْتَ الناهبينا

  وفي دار الوكالةِ أيُّ نهب    

يسومُ المسلمينَ أذًى وهُوْنا

  فثمّ بها يهوديٌ خبيثٌ    

تلقَّفَتِ القوافلَ والسفينا ([4])

  إذا ألقى بها موسى عصاه    

وقد يعزل إنسان عن عمله فيهجو من عزله، أو يندد طلابه بمن أساء إلى أستاذهم أو شيخهم، كما فعل علي الشنفاسي([5]) لما عزل شيخه عن المدرسة البيبرسية إذ قال:

وغابت الأُسْد فاغْتَرَّ السراحينُ

  عُزِلَ الشهابُ فجاءَتْنا الشياطين    

ففي وصيَّتِهمْ ضاع المساكينُ 

  وقد تواصَوْا على ما لا به سَدَدٌ    

وهجا «مصطفى الخليفة»([6]) أديباً يدعى محمد الراعي، وكان الثاني كثير التعرض للناس بشعره، ينشر الرذائل ويهتك الأعراض وقد فاق برأي الشاعر إبليس والكفرة بمآثمه مع أن عيوبه كثيرة، فاستحق العقوبة والمذمة في الدنيا والآخرة يوم يجد المرء ما عمله حاضراً ليحاسب على ما اقترفت يداه، يقول في ذلك :

ما أنْتَ ذاك البارِدُ المخذول

  يا باذلاً نقدَ المَضَرَّة للورى    

وعليك فعلُ الملحدينَ قليلُ

  سُدْتَ اللعينَ بمكرِه وخداعِه    

عَبِثاً بأعراضِ الأنامِ تجول

  وأُراك في نشرِ الرذيلةِ لاهياً    

إلا وأنتَ بطينِها مجبولُ

  ما في الزمانِ مذمةٌ ومذلةٌ    

أهلُ الحسابِ لكان ذاك يطول

  وعيوبُ نفسِك لو تَعُدُّ ألوفَها    

كلُّ امرِئ عما جنى مسؤول ([7])

  محصيةٌ تأتيكَ في يومٍ به    

وهذا صديق تنكر لصديقه بعدما علت رتبته وتسنم ذرا القضاء، وكان قبلُ يود صاحبه ولا يسطيع أحدهما أن يفارق الآخر، وكان الشاعر «فيض الله الرومي» يسبغ عليه من فيض مودته الصافية الشيء الكثير ولكن المنصب أعمى بصيرته، فبعد عنه الشاعر، وأخذ من موقفه معه عبرة لمن يعتبر، وقال :

ما ليس في الأجسامِ يُدرَك بالبصَرْ

  لي صاحبٌ في العزلِ يُبصر دائماً    

وأعلّ منه الصفوَ خالٍ من الكَدَرْ

  ما زلْتُ أنهلُه مياه مودَّتي    

وكذاك عني ليس فيه مُصْطَبَرْ

  لا صبرَ لي عنه نهاراً كاملاً    

أعمى البصيرةِ فيه مكفوفَ النظَرْ

  حتى إذا ولي القضاءَ رأيتُه    

يوماً إذا جاءَ القضا عَمِيَ البَصَر ([8])

  ورأيْتُ أحسَن ما يقالُ لمثله    

والشاعر أجاد بالتورية إذ ليس المراد بالقضا القضاء والقدر الذي إذا حل بالمرء لم يجد عنه مهرباً ولكن مهنة القضاء التي غشيت عينيه فنسي أصدقاءه .

وهذا صدر الدين بن الوكيل([9]) يقول في رجل يدعى الزملكي سيئ الخلق مؤذيا :

كعقرب أخفيت في البيت معنا

  طباع الزملكِي لها مثال    

وتضربه سريعاً لا لمعنى ([10])

  فما مرت بشيء قط إلا    

وقد يهجى امرؤ لمخالفته الأعراف في المجتمع الإسلامي، فالبابي الحلبي هجا من  أطال عذاره مقلداً غير المسلمين :

وطلى ذلك البياض سوادا

  قد كسا الله صبح خديه ليلاً    

وغدت جمرة الجمال رمادا ([11])

  أصبحت ماء وجنتيه سراباً    

وكان البوصيري قد قال في أناس قصروا في خدمته:

نرجو الإقالةَ من ربِنا

  «فما كان أطولَها ليلةً    

براغيثُهم ضيّفوهمْ لنا» ([12])

  فما ضيّفونا ولكنهمْ    

فقال محمد الفارسكوري» ([13]) في أمثالهم وتابع قوله بما قاله البوصيري :

بُلِيْنا بكَرْب على كَرْبِنا

  مررْنا بقومٍ نَرُومُ القِرى    

كأنا مُغَازُون في حربِنا

  فجاؤوا بفَرس كُويْنا به    

فلا الأكلُ طابَ ولا شربُنا

  وجاؤُوا بأكل غصَصْنا به    

 

2- الهجاء السيـاسـي:

وهو يتعلق بولاة الأمور حين ينحرفون عن نهج الصواب، أو يخيل للشاعر هذا فيرى أنهم يظلمون الناس بغير الحق.

وقد يكون الشاعر مصيباً أو غير مصيب، وقد يندد بهم لأنه يخالفهم في آرائه أو عقيدته، فيروح يصب عليهم جام غضبه، ويتهمهم زوراً أو يقول حقيقته وعلى أي حال فلا يخلو عهد من أخطاء أو شوائب، والأدباء يقوّمون المعوج أو يثورون غضبة لأنفسهم حقاً كان أم باطلاً.

ففي سنة 742 خلع السلطان الملك المنصور أبو بكر بن محمد بن قلاوون وقتل، وأقيم على الملك أخوه الأشرف كجك وهو ابن ثماني سنوات، ولم يكن هذا العمل ليرضي العقلاء، ولذلك ندد ابن الوردي بهذه الجريمة النكراء التي جعلت أعيان الدولة يتنازعون فيما بينهم بعد أن ألقى الشيطان وساوسه في صدورهم، وإن آثار هذه المفسدة ضياع للحقوق، وهل ينال ضعيف حقه من سلطان صغير السن؟ على حد قوله:

خُلْفٍ وبينهمُ الشيطانُ قد نَزَعا

  سلطانُنا اليومَ طفلٌ والأكابرُ في          

أن يبلغَ السُّوْلَ والسلطانُ ما بَلَغا ([14])

  وكيف يطمَعُ مَنْ مسَّتْهُ مَظْلَمَةٌ    

وكان أرغون شاه شديد البطش وسفك الدماء، قطّع بدويا سبع قطع لمجرد الظن، وضرب فرساً حتى عجزعن القيام، فقال فيه أحد شعراء قطره وقد أخفى اسمه خوفاً:

أظهرْتَ للناس عقلَكْ

  عَقَلْتَ طرفَك حتى    

على بني الناسِ مثلَكْ ([15])

  لا كانَ دهرٌ يُوَلّي    

ولما أسند سلطان المماليك قاتيباي المناصب إلى غير مستحقيها وجعل على حلب صغار السن وكثر البغي والظلم قال الشاعر يوسف الحنبلي([16]) للسلطان :

يا أيُّها الملكُ العظيمُ الأشرفُ

  قلْ للذي عمَّ الخلائقَ بأسُه    

في آخر العمْرِ الذي لا يُخْلَفُ

  انظرْ لخلقِ اللهِ نِظرةَ رحمةٍ    

لم يعرفوا واللهِ أن يتصرفوا

  في مثل هذا الوقتِ تُنْصبُ صبيةٌ    

والناسُ فوضى ما لهم مَنْ ينصِفُ

  وتعود أحوالُ البلادِ قطيعةً    

ليدبِّروا أمرَ العبادِ ويُنْصفوا

  حلبٌ تريد لها رجالاً كمّلاً    

بسديدِ رأيٍ صائبٍ وتألَّفوا

  وإذا بغى باغٍ تولَّوْا قمعَه    

ولما ولي محمد التادفي([17]) قضاء مكة نوزع عليها لأنه ليس من أهلها، وساعد  شريف مكة في ذلك فهجاه التادفي ورحل، بعد أن بين ظلمه ودعا عليه، وبين له أن الظالم لن يطول أمده حتى يلقى عقابه، قال :

عَزْلي بعزلِكَ مُنْذِرٌ قد عَنَّ لي

  يا والياً قطرَ الحجازٍ تَعَسُّفاً    

لحرورها أبداً همومُك تصطلي

  فاشربْ بكأسِ حمامِ موتك جُرْعَةً    

سَهْمٌ مصيبٌ مَنْ نأى في المَقْتَلِ

  أو ما علمْتَ بأنني شهمٌ له    

سُحبْ المنايا عنهم لا تنجلي 

  فابشرْ بحَتْفك مع ديارِك والتي    

أما الشهاب الخفاجي فندد بحاكم مصري ظالم، وبين أنه فاق فرعون في ظلمه لاحتجابه عن شعبه فقال :

حكمَ فينا بخلافِ الصوابْ

  في مصرَ جبارٌ علينا اعتدى    

لم يحكِهِ إذْ كان سهلَ الحجابْ ([18])

  إن كان فرعونَ فما بالُه    

وكان للثورات الداخلية التي تنشب ضد الحكام أثرها في الهجاء السياسي من ذلك أن «إبراهيم العاملي([19]) كان يكره «أحمد باشا الجزار»  لأنه قضى على ثورة العامليين في جبل لبنان، فهرب هذا العاملي وراح يندد بالدولة ويدعي أنها نشرت المنكرات في كل مكان وكثر فيها السلب والنهب ولهذا فقد خرج منها يقول:

فخرجْتُ بعد تَلَوُّمٍ وأَناةِ

  خطبٌ دعاني للخروجِ من الحِمى    

فيه بضائِعَهُ على الطرقاتِ

  مالي وللبلدِ الذي نشرَ الخنا    

مَرَّتْ بساحتِه صِغارُ شياةِ

  وثبوا على الأموالِ وثْبَةَ ضَيْغَمٍ    

كما ندد نيقولا الترك بالجزار إثر قضائه على ثورة للنصارى في منطقته ووصمه بالغدر والخيانة والبطش الشديد الذي خلف كثيراً من اليتامى والأرامل، يقول في ذلك:

مَنْ كان في قتلِ النفوسِ قد انهَمَكْ

  الخاينُ الغدّارُ سفّاك الدما    

هذا الظلوم فكم دم فِيّ سُفِكْ

  عكا تنادي: اللطفَ يا مولاي مِنْ    

منه وكم في الحيِّ أرملةٍ تَرَكْ ([20])

  بل كم يتيم بالورى ويتيمةٍ    

وعندما قامت ثورة ابن جانبولاذ وتعاون مع آل معن في لبنان وآل حرفوش، وارتكبوا جرائم شتى في دمشق، فقال الشاعر القيم محفوظ الدمشقي مندداً بأصحابها لما اقترفوا من جرائر ومنكرات:

كجِمالٍ قد رَغَوْا

  دخلَ الشامَ جيوشٌ    

بهمُ الناسُ لغَوْا

  كلُّ كرديٍ غبيٍّ    

لمقال ما صَغَوْا

  ودُرُوزٍ ولئام    

وعلى الناس بغَوْا ([21])

  نهبوا الشامَ وآذَوْا    

وهكذا ارتبط الهجاء السياسي بالأوضاع الداخلية للبلاد وكان أعداء الدولة لها بالمرصاد، وقد شوّه هؤلاء صورة بعض حكامها لاختلافهم عنهم في أفكارهم وعقائدهـم .

3- الهجاء العقـائدي :

يتعلق هذا النوع من الهجاء بما يمسّ الدين وآله، كأن يندد صاحبه بمن يخالف الشرع أو يتهجم عليه من ذوي الملل الأخرى ، أو يفوه بما يغضب المولى تعالى

فالشاعر "عبد اللطيف السراج"([22]) يندد بالفلاسفة الذين كان علمهم ضلالا أثر على عقول الناس ، فيقول :

دع منطقـا فيه الفلاسفـة الألى      ضلت عقولهم ببحر مغرق

واجنح إلى نحو البلاغة واعتبرْ     أن البلاءَ موكل بالمنطـق

       وذم محمد الطرسوسي([23]) شهر رمضان وسمى المسلمين أهل الشقاء، وكان معروفاً بمجونه، وقال عنه إنه شهر الشقاء، والتراويح فيه بلاء ولو تمارض الإنسان لاستطاع الأكل، وفي التمارض شفاء، وهو يدعو، ولا أحسبه مسلماً، إلى معاداة هذا الشهر الكريم والأكل فيه إن تمكن المرء من التخفي،  يقول اللعين الذي يزعم أنه يبلغ الدرجات العلى إن لم يصم :

وليلُ التراويحِ ليلُ البلى

  نهارُ الصيام حلولُ الشَّقا    

وبعضُ التمارضِ كلُّ الشِّفا

  تمارَضْ تحلُّ لك الطيباتِ    

فأكثِرْ من الصومِ بعدَ العِشا

  وإن كان لابُدَّ من صومه    

فعادِ الصيامَ بخبزٍ وماْ

  وإن كنتَ لا تستحلُّ المُدامَ    

ومن دونِ صومي بلوغُ السُّها

  يظنُّ بي الصومَ أهلُ الشقا    

وهذا شقي آخر يسخر من رجل ويقول له إنه يتحمل عنه الصلاة، فيرد عليه علي الأُصفُوني([24]) مبيناً أنه سيدخل جهنم لأنه كالحمار يحمل أثقالاً ولا يستطيع أن يتحمل عن أحد صلاة أو عبادة :

لا عشْتَ تبلغُ عندها الآمالا

  ارجعْ ستلقى بعدها أهوالا    

فلأَضْرِبنَّ بسَيْرك الأمثالا

  يا مَنْ تجمَّع فيه كلُّ نقيصةٍ    

وكذا الحمارُ يَحْمِلُ الأثقالا

  وزعمْتَ أنك للتكالُفِ حاملٌ    

ويهجو الشاعر حسين القصيفي([25]) المتصوفة الذين يعيشون في التكايا ويبين أنهم أصل المصائب وليس بهم صفاء ولا نقاء، وإنما يدعون أموراً ينفر منها الأتقياء، وشيوخهم جهلة فاسدون، يأكلون أموال الناس بالباطل ويتكبرون في الأرض بغير الحق، فضلاً عن أنهم كذابون مفترون، يقول في ذلك:

أنتُم أهلُ البليَّةْ

  يا نُزولاً بالتكية    

حلَّ في أقوى رَزِيَّةْ

  كلُّ مَنْ رامَ حِماكُمْ    

لا، ولا حالٌ وفيَّةْ

  ما لكم قطُّ صفاءٌ    

فرَّ منها ذو التقيَّةْ

  بل أمورٌ إن تراءَتْ    

كم حوى لفسادِ نيَّةْ

  شيخُكُمْ للجهلِ شيخٌ    

خُلْقُهُ السوءُ سَجِية

  آكلُ السُّحْتِ دواماً    

فهو دَجَّالُ البرية

  لا جزاهُ اللهُ خيراً    

وكان «المهدي السوداني» قد ادعى أنه المهدي المنتظر وكفر الدولة العثمانية ودعا إلى محاربتها، فهجاه أستاذه محمد شريف شيخ الطريقة السمانية ، وبين أنه طلب منه أن يستقيم في أقواله وأفعاله، ثم فضح أمره بعدما استمر في غيّه وضلاله ودعا إلى قتاله، فقال يفضحه :

فهذا مَقامٌ في الطريقِ لمن يدري

  فقال أنا المهديُّ فقلْتُ له استقِمْ    

ومحسُوبكُمْ في الحبِّ في عالمِ الذَّرِّ

  وخادَعَني بالقولِ كالمهديِّ ابنِكُمْ    

فأنت لك الكرسيْ ولي دُوَلُ الغَيْرِ

  فقُمْ بي لنَصْرِ الدينِ نقتلْ مَنْ عصا    

وتالله شرٌّ قد يجرُّ إلى الشرّ

  فقلْتُ له دَعْ ما نَوَيْتَ فإنهُ    

فإنك منصورٌ على البرِّ والبحر

  وقال له الشيطانُ بشِّرْ ولا تخَفْ    

وأفتَيْتُ فيه بالضلالةِ والكُفْر

  ومن ذلك النادي أبى وأبيتُه    

أتاهُمْ بما يهواهُ من واضحِ النكر ([26])

  وإني أذِنْتُ الجيشَ أن يضربوه إنْ    

ولما حل الطاعون في بلاد الشام شمت أهل سيس وكانوا من النصارى بهم فقال أبو الفداء:

وكذا العوائدُ من عَدُوِّ الدينِ

  سكانُ سيسٍ يسرُّهُمْ ما ساءَنا    

ليمزِّقَ الطاغوتَ بالطاعونِ ([27])

  فالله ينقُلُه إليهمْ عاجلاً    

 ومما يدخل في الهجاء العقائدي هجاء الزمن مع أنه ورد في الحديث القدسي  قوله تعالى :«لاتسبوا الدهر، أنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار»، ولكن الشعراء تعدوا حدودهم حين راحوا يهجون الزمان ويسمونه بالخيانة وبالظلم وبأنه فرّق الأحبة، من ذلك قول «الشهاب أحمد الخفاجي»:

ويَخْفُضُ كلَّ ذي شيمٍ شريفَةْ

  رأيْتُ الدهرَ يرفَع كلَّ وَغدٍ    

ولا ينفكُّ تطفو فيه جِيْفةْ ([28])

  كمثلِ البحرِ يغرقُ فيه حيٌّ    

وقال «إبراهيم بن يحيى العاملي» في هجاء الدهر الذي فرقه – بزعمه- عن أحبته:

وجارَ وبعضُ المالِكين يَجورُ

  لحى اللهُ دهْراً سامني خطةَ الردى    

ألا كلُّ شيْءٍ لا يطاقُ عَسِيْرُ

  وحملَّني مالا أُطِيْقُ احتمالَه    

يُصاب لمثلي في الزمانِ نصير ([29])

  وبدَّد أنصاري على الدهر حيث لا    

 

4- هجـاء المـدن والبلـدان:

   وهو أمر جديد في هذا العصر، إذ كان الشعراء قبله يهجون أهلها ويكون ذلك عندما يحس الشاعر أنه ظلم في بلد ما، أو لقي فيها لئاماً لا يسطيع أن يعاشرهم، كما فعل الشاعر شهاب الدين الخفاجي،إذ عاد من بلاد الروم إلى أرض مصر بعد غياب طويل،وهو يمني نفسه أن يلقي فيها أشياخه وأخدانه، فإذا هو يراها مقفرة كقبر موحش يحوي الأشحاء الفاسدين، ويحس أن الدنيا بخلت بعطائها، فيقول في ذلك:

مني السلامَ لساكِنيها ([30])

  جُزْ بالقرافة واقرأَنْ    

مِ الأكرمينَ الأفضلينا

  وقل السلامُ على الكرا    

إلا جهولاً أو سفيها

  لم ألْقَ بعدَهُمُ بها    

ـلةُ بالعطاءِ لمُجْتَدِيْها

  فكأنما الدنيا البخيـ    

ـدِ فأيُّ حُرٍّ يرتَضيها

  سادَتْ بها فِرَقُ العبيـ    

وطلبْتُ أرضاً أصطفيها ([31])

  فلذا هجرْتُ مقامَها    

وها هو «علي بن مراجل»([32]) يهجو مصراً لشح أهلها وسوء معاملتهم للغريب، ونفاقهم في معاملتهم، فيقول:

يُسَكِّنُ اللهُ ما ألقى من القَلَق

  يا أهلَ مصر أجيبُوا في السؤال عسى    

يَلقى لوفد بوجه ضاحك طَلْقِ

  هل فيكُم من يُرَجّى للنَّوال ومَنْ    

بقيةٌ من ندىً أو عارِضٌ غَدْق

  أم عندكُمْ لغريب في ديارِكُمُ    

وإنما سُفنُنا تجري على المَلَقِ ([33])

  فقيل ذلك مما ليس نعرفُه    

ولما تغرب «عبد الله يوسف السفاح» ([34]) إلى دمشق ثم إلى القاهرة آثر عدم العودة إلى حلب لأن اليهود سيطروا عليها، وقال :

عليها لأنباءِ اليهودِ صناجِقُ

  أ أرضى حِمى الشهباءِ داراً وقد علَتْ    

إليها، وإلا فهي مني طالق ([35])

  فإن نكِّسَتْ أعلامُهم أنا راجعٌ    

وكذلك هجا «رحمة الله الأيوبي» ([36]) مدينة دمشق لقلة وفاء أهلها، وظلمهم لمن يتمتع بالخلق الحميد:

على البلادِ بها من كلِّ مَرْغُوب

  قالوا دمشق حَوَتْ كلَّ المنى وزهَتْ    

يُرى بها ذو وفاءٍ غيرُ مغلوب ([37])

  فقلت لكنْ بها قلَّ الوفاءُ فلا    

ومما يتعلق بهذا اللون هجاء البحر، وكأن «عبد الغني النابلسي» يقلد ابن الرومي حين يذكر أنه يخاف ركب البحر خشية الغرق في بحر حانق، وإن كان قد أضاف إلى هذا المعنى الخشية من الله سبحانه خالق البحر العظيم:

بجلالِ خالقِهِ فمنه نَفْرَقُ

  لن نركبَ البحرَ الخضمَّ مهابةً    

بُرُكوبِنا، فهو العدوُّ الأزرقُ ([38])

  نخشى به غرقاً ونخشى أسْرَهُ    

 

ثانيا- مظـاهر الهجـاء:

تبدت في قصائد ومقطعات الهجاء في هذا العصر مظاهر شتى ولعل أهمها:

1- الترفـُّع عن الهجاء:

فمن خلال اطلاعي على كتب تراجم العصر، وهي كثيرة كما يبدو من قائمة المصادر تبين لي قلة ما سجل من هذا الفن الشعري، ولعل السبب في ذلك يعود إلى نأي المؤلفين وكتاب التراجم عن نقل هذا الشعر إلى المجتمع لئلا تفشو كلمة السوء والبغضاء، اعتماداً على قوله تعالى: )لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم(([39])، ولذلك صرنا نرى في أوصاف الشعراء «كان هجاماً هجّاً، رجّاماً للأعراض رجاً» ثم لا يذكر له شيء من الهجاء، أو يذكر له ما لا يترك أثراً سيئاً في النفس، فالصفدي مثلاً ترجم لأحمد بن قرصة([40])، وذكر أنه كان «يقرض الأعراض»، ومنهكاً لها، ولكنه لم يذكر له من أشعاره في الهجاء شيئاً ([41]) .

وذكر المحبي أيضاً أنه عاف كثيراً من الأهاجي ولم يثبت إلا ما رآه لا يخل بالأدب بل «مما تبوأ للإحسان منزلاً ومحلاً»([42]) على حد قوله، ووصم ابن معصوم ابن المهتار بالهجاء، ثم لم ينقل له إلا ما ندر، حتى حسب د.عائض الردّادي أنه يتحامل عليه لأن شعره لا يشير إلى ما نسب إليه([43]).

وقد عكس الشعر هذه الظاهرة، ففتح الله بن النحاس رد على من طلبت منه أن يهجو من تعرض له بالسوء فقال:

فقلْتُ لها هجُو اللئيمِ بتركه

  وقائلةٍ لمْ لا هجَوْتَ الذي هجا    

لسبكي فما ذُمَّ النضارُ لسَبْكه

  وهَبْ أنه أورى من الهجوِ نارَه    

وأُنْقي يقيني من دناسةِ شكِّه

  أنزِّه شعري عن دناءَةِ قدرِه    

بصدقي في هذا المقامِ وإفكِه

  وقومي أدرى يا بثينُ وقومُه    

وفهمُ سليمانَ وعِزّةُ مُلكِه ([44])

  ولكنّ لي حِلْمُ ابنِ قيسٍ وصدقُه    

ويرجو" شمس الدين بن المنقار"([45]) أن ينال الأجر في الآخرة لإحجامه عن الرد على من هجاه لأن الرد القبيح وهو من فعل لجهلة لا العلماء، وليس من طبعه أن يقول هجراً، أو يغدر بالآخرين ، يقول في ذلك :

قصيرٌ ولكنْ يومَ ذاكَ طويلُ

  لسانُ العِدا إن ساءَ فهو كَلِيْلُ    

وليسَ سواءً عالمٌ وجهولُ

  وهل لجهولٍ أن يقاومَ عالماً    

إذا ما رآهُ صاحبٌ وخليلُ

  وإنا لقومٌ لا نرى الغَدْرَ سُبَّةً    

وربما كان لمعاقبة الدولة لمن يندد بالأعراض أثر في ذلك الصدّ عن هذا اللون المشين لما فيه من إساءة بالمجتمع، قال الصفدي مندداً بابن قرصة الذي وصمه بأنه مات ميتة الطلاب مشيداً بمن قتله لأنه كفى الناس شره :

للموتِ مِيْتَةَ شرِّ كلبٍ نابحِ

  ماتَ ابنُ قُرْصةَ بعد طولِ تقَرُّضٍ    

طلعَتْ عليه طلوعَ سعدِ الذابحِ

  ما زال يشحَذُ مِدْيَةَ الهجوِ التي    

عَقَرَ النطيحةَ عَقْرَ ناقةِ صالحِ

  حتى فَرجى وَدْجَيْهِ عبدٌ صالحٌ    

كفَتِ المؤونَة كف كلِّ جرائحي([46])

  فلْيَحْيَ قاتلُه، ولا شُلَّتْ يدٌ    

وقد يكون العقاب من المجتمع أيضا، فالشاعر ابن الوردي نظم بيتين يهجو فيهما قاضي القضاة أحمد الرباحي([47])، وكان هذا قد ألف نثرية وشعرية سماها (الحُرقة للخِرقة) أكثر فيها من الطعن، وقال ابن الوردي فيهما:

وقلبُه مُمتلِئٌ من دَغَلْ

  امتلأَتْ من ذهبٍ أكياسُه    

بالسمِّ هذا المغربيُّ الزَّغَلْ([48])

  ما هو إلا حيةٌ بزقها    

ثم قال لابنه (إن رجع القاضي عن فعله اكتمها، وإن استمر فأظهرها، فلم يرجع القاضي عن غيه).

وهذا يعني كراهية المجتمع لنشر القبائح والتنديد بمن يذيعها لئلا تتفشى في المجتمع ظاهرة الطعن بالآخرين .

2- عـدم ذكر اسـم المهجو :

وكأني بالشعراء قد تأسوا خطا الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يقول (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) دون أن يسمي الفاعل السوء، ولذلك نرى أحمد الفلاقنسي([49]) عندما ابتلي بعصابة سوء سامحهم مراراً، فلما لم يرعووا هجاهم دون أن يشير إلى هويتهم، فضلاً عن أنه شتمهم بأسلوب الوعظ والحكمة، وهذا يشير إلى كرم خلاله تجاه من سلط لسانه عليه، قال :

ألفوا الخنا وفعالَ ما لا يَجْمُلُ

  ولقد بُليتُ من الزمانِ بعُصْبةٍ    

حقدٌ يئزُّ كما يئزُّ المِرْجَلُ

  يُرْضيكَ ظاهرهُ وبين ضلوعهِ    

وطفِقْتُ أهجرُ مَنْ عليه أُعَوِّلُ

  إني غُرِرْتُ بسوءِ فعلِك برهةً    

وأرى الهجاءَ بكل ندلٍ يَرْذُلُ

  لكنني أبداً أصونُ فرائدي    

يُجدي، وبالنُّطْقِ البلاءُ مُوَكَّل

  والصمتُ أسلمُ والذي حاولتُهُ    

 

3- البعد عن الهجاء الفاحش :

والدافع إليه النأي عن إشاعة المنكر والفساد ، ولكن أمامي بضعة نماذج بعيدة عن الأدب، منفرة للنفس، والأديب من ترفع عن هذه الرذائل لأن مهمته أن يقود الأمة إلى الخير لا إلى الرذيلة، وربما كان قول "عبد النافع الحموي"([50]) في هجاء قاض بقوله:

حماتَه يا قُبْحَ ما استَحْسَنَتْ

  من شرِ بيتٍ شرُّ قاض أتى    

في رأسِه من دوحةٍ أَغْصَنَتْ

  أبوه محتالٌ دنْيْءٌ وكم    

وعيشِكُمْ ليس التي أُحْصِنَتْ ([51])

  وأمُّه مريمُ لكنها    

من أقذع ما قيل في هذا الباب،بل إن هذا الشاعرفيما أرى اضطر إلى تغيير اسمه بسبب هجائه ، إذ أوردت له كتب التراجم اسمين هما عبد النافع وعبد القادر ، وكنا رأينا ابن قرصة يقتل لهجائه وتعرضه للأعراض .

4- الهجاء السـاخر :

وقد يأتي هذا اللون لطيف الوقع لما فيه من دعابة، وقد يأتي لاذعاً مراً كالعلقم.

فمن النوع الأول قول عبد الغني النابلسي إبان رحلته إلى القدس إذ نزل في الطريق بقرية سعسع من دمشق فلم يضفهم أهلها، فلما ناموا أزعجتهم البراغيث فراح يقول:

تَغُرُّ بالناسِ أحاديثُهم

  أنزلَنا الدهرُ على معشرٍ    

ما أَكَلَتْ منا براغيثُهم ([52])

  فما أكلْنا من ضيافتِهم    

ومن الهجاء غير اللاذع أيضاً قول «الشهاب الخفاجي» مندداً بمن غير في مطالع شهر رمضان:

فشكا الناسُ فرطَ جورِ القُضاةِ

  سرقَ النجمَ والهلالَ أناسٌ    

سرقوها نتيهُ في الظلماتِ ([53])

  رَبِّ سَلِّمْ شمس النهارِ فإن هم    

ومن الهجاء اللاذع قول «حسين بن الجزري» وقد شبه مهجوه بالقرد الدنيء والكلب النابح:

ولم أدر أن الجدَّ يجنيه مازح

  رأيْتُ انقباضي فاتخذتُكَ ضحكةً    

فلا غرو به أن صالَتْ عليه النوابحُ ([54])

  ومن يصحبِ القردَ الدنْيءَ لغارة    

 

5- سلب الفضائـل :

   كالتنديد بالبخيل، وببذيء اللسان وبمن أراق ماء وجهه، وبالكذاب المفتري، من ذلك قول «محمد بن دانيال» ([55]) يصف بخيلاً يدعى (شير) ويبين صعوبة تقديمه للآخرين حتى الخبز ولهذا فلا يأكل عنده أحد ولا يذهب إليه إلا متخوم لا يستطيع الأكل، يقول في ذلك:

فكن ضَيْفاً على شِيْرِ

  إذا ما كنْتَ متخوماً    

ـزُ إلا بالمناشيرِ ([56])

  فما يخرجُ منه الخُبْـ    

ولما سخر «أحمد المنطقي»([57]) من «أحمد بن شاهين»([58]) في مجلس ضم الأعيان، رد ابن شاهين عليه وعيّره لأنه يكتسب من الآخرين بالكذب والجور وبلا حياء أبداً:

شامُنا في جوانبِ الغبراءِ

  وأناس من الشآم نَعَتْهم    

ليتَهم قد رضُوا بفضْلِ الثَّراءِ

  خرجوا يطلُبون فضلَ ثِواءٍ    

ما درَوْا قدرَ مكْسَبِ الآباءِ

  أَلِفُوا الكسبَ من وجوه البرايا    

ثم حدُّوا في الكذْبِ والافتراء ([59])

  قد أراقُوا ماءَ الحَيا والمُحيا    

6-  بعض الأهاجي جاء رمزياً أو على شكل تورية:

     فالشاعر البوصيري جاء بهجائه على لسان البغلة وذلك في قوله مندداً بابن عمران ناظر الشرقية في عهده، وكان هذا قد فصله عن عمله:

للورى من بطانة وظِهارَةْ

  وابنُ عمران وهو شرّ متاع    

له بغلةً ومالي حِمارَة

  ماله مِيزة عليَّ سوى أنَّ    

ـخِ من الصَّفْعِ فاسألوا البحارة

  إن جهلْتُم ما حلَّ في ساحلِ الشيـ    

أنا مالي على الغُبونِ مَرارة

  قالت البَغْلَةُ التي أوقَعَتْهُ    

أيّ بخلٍ فيه وأيّ قتارةْ

  قلت ما تكرهين منه؟ فقالتْ    

عِ فإني من الخَوا خوّارةْ ([60])

  لا تلوموا إذا وقعْتُ من الجو    

فالشاعر هنا يصف ابن عمران بالبخل الشديد الذي يجعله يحرم البغلة من الطعام حتى خارت قواها وأوقعته، وقد جاء هذا الوصف على لسان الحيوان ليرمز بحديثه إلى شح المهجو.

وكان الشاعر «حسين بن الجزري» يكره شاعراً حلبياً يدعى «سرور بن الحسين»([61])، وكان هذا ينافسه في مجلس الأمير محمد بن سيفا فقال معرّضاً به مبيناً أنه لم يترك مجلس الأمير محمد بن سيفا إلا لأنه ضمّ الشاعر سرور بن الحسين:

وبُغْضٍ أيها المولى الأمير

  وحقِّك ما تركْتُك عن ملال    

أنِفْتُ مواطناً فيها سرور ([62])

  ولكن مُذ ألفْتُ الحزن قدْماً    

فكلمة السرور قد يفهم منها ما هو ضد الحزن وهذا هو المعنى القريب، أما المعنى البعيد فهو اسم الشاعر الذي احتواه قصر ابن سيفا وكان ابن الجزري يذكر أن يقول مثل هذه التورية ليغيظ الشاعر سرور .

ثالثاً- سمـات الهجاء:

الهجاء تنفيس عن كروب تعتلج في الصدر، وهذا يعني أن حالة انفعالية ما طرأت على صاحبه فأدت إلى أن يفوه بما يؤذي مشاعر الآخرين، ولهذا فإن معظم ما ورد فيه كان مقطعات قصيرة من بيتين أو أكثر بقليل.

وقد تعددت أنواعه فكانت هجاء اجتماعيا وسياسيا ، وارتبط الأخير غالبا بالمصالح الفردية ، وأما الهجاء العقائدي فقد وجه لمن وقف من الدين موقفا سلبيا .

 و جدّ في هذا العصر هجاء المدن والبلدان وإن كان يقصد به غالباً هجاء سكانها، ويرتبط هذا بالحالة النفسية التي يكون الشاعر عليها في البلد الذي يهجوه.

     وأما مظاهره فلعل أهمها إعراض الشعراء عنه خوفاً من الغيبة أو لعدم نشر المنكر، وكان لا يذكر فيه – غالباً- اسم المهجو، وهو ينأى عن الفحش إلا ما ندر، ويلجأ إلى السخرية أو التورية، ويكثر الهجاء الذي تسلب به الفضائل .

([1]) سورة الأعراف /12 .

([2]) العمدة /170، وفي النقد الأدبي – عتيق /183-188 .

([3]) ديوان الحطيئة /117 .

([4]) اديوان البوصيري 218-233،الوافي بالوفيات /106-107 .وينظر لمثلها في ديوانه116و215

([5]) علي بن عمر الشنفاسي (825-890هـ) شاعر مصري حافظ : الضوء اللامع 5/266والشعر 267.

([6]) مصطفى الخليفة شاعر من القرن الثاني عشر الهجري ، ينظر له في سلك الدرر 4/185 .

([7]) سلك الدرر 4/185-186 .

([8])خلاصة الأثر 3/291-292 .

([9]) صدر الدين بن الوكيل شاعر من العصر المملوكي من القرن 8 هـ: أعيان العصر 4/624 .

([10]) أعيان العصر 4/624 .

([11]) نفحة الريحانة 2/447 .

([12]) الضوء اللامع 7/83 .

([13]) محمد بن أحمد الفارسكوري  مصري ولد (770هـ) وكان حافظاً: الضوء اللامع 7/82 والشعر في نفسه .

([14]) إعلام النبلاء 2/325 .

([15]) تاريخ أبي الفداء 2/513، ومثلها في هجاء الأمير بكتمر في أعيان العصر 1/703 .

([16]) يوسف بن عبد الرحمن الحنبلي شاعر حلبي (ت900هـ): إعلام النبلاء 5/327 .والشعر في 329

([17]) محمد بن يوسف التادفي شاعر حلبي (ت956) كان قاضي القضاة في حلب، ثم صار قاضي طرابلس فمكة وعزل سنة 931 فهجا الشريف بركات: إعلام النبلاء 5/223 ،الكواكب السائرة 2/63،والشعر في 64 .

([18]) ريحانة الألبا 2/87 .

([19]) إبراهيم العاملي شاعر من البقاع اللبناني، هرب بعد ثورة الجبل ضد الدولة العثمانية واستقر في دمشق : أعيان الشيعة 2/237 والشعر في 246

([20]) لبنان – الغرر 2/410 .

([21])خطط الشام 2/241-242 .

([22]) عبد اللطيف السراج شاعر من حلب ولد 740هـ كان فقيها :ينظر له وللشعر في: الضوء اللامع 4/324.

([23]) محمد بن إسحاق الطرسوسي، شاعر ماجن فاسق، ينظر له في الوافي بالوفيات 2/194 والشعر في نفسه .

([24]) علاء الدين علي بن أحمد الأُصفُوني، فقيه فاضل توفي 731 :أعيان العصر 3/260 والشعر 361.

([25]) حسين بن رجب الحموي القصيفي شاعر من حماة وفقيه (ت1087هـ): سلك الدرر 2/47 والشعر 49.

([26]) تاريخ السودان/324، والشعر السوداني في المعارك السياسية /112-113 .

([27]) تاريخ أبي الفداء 2/519 .

([28]) ريحانة الألبا 2/331 .

([29]) أعيان الشيعة 2/245 .

([30]) القرافة: المقبرة بلهجة مصر .

([31]) ريحانة الألبا 1/219 .

([32]) الصدر علاء الدين علي بن عبد الرحيم بن مراجل شاعر من حماة ت703، أعيان العصر 3/414 .

([33]) أعيان العصر 3/415 .

([34]) عبد الله بن يوسف السفاح ت764 شاعر حلبي كان كاتب إنشاء: إعلاء النبلاء 5/41 .

([35]) إعلام 5/42 .

([36]) رحمة الله الأيوبي شاعر صوفي حجازي الأصل (ت893هـ). كان حافظاً للقرآن الكريم: الضوء اللامع 4/294.

([37]) المرجع نفسه 4/295 .

([38]) الرحلة الطرابلسية /35 .

([39]) النساء/148 .

([40]) شهاب الدين أحمد بن محمد بن قرصة الأنصاري إذ قيل فيه إن هجاء يقرض الأعراض، وقد أذاق الناس العلقم لكنه قتل لهجائه في سنة 854 ، الأعيان 1/351 .

([41]) ينظر أعيان العصر 1/355

([42]) النفحة 2/409 .

([43]) الشعر الحجازي 2/607 .

([44]) العقود 221-222، معادن الذهب/201 .

([45]) شمس الدين محمد بن المنقار (ت1005هـ) شاعر وقاض حلبي توطن دمشق : عرف البشام /40

([46]) أعيان العصر 1/355.

([47]) أحمد بن ياسين الرباحي قاضي قضاة المالكية في حلب، أقدم على تفسيق العدول وكثر تعديه وجمع حطام الدنيا وكان من أهل القبائح مع براءته من الدين: أعيان العصر 1/409 .

([48]) أعيان العصر 1/411 .

([49]) أحمد الفلاقنسي شاعر من دمشق توفي في القرن الثاني عشر الهجري :سلك الدرر1/ والشعر 165163

([50]) عبد النافع الحموي بن عمر (ت1010هـ)شاعر هجاء من حماة : تراجم الأعيان 2/343، وخلاصة الأثر 3/90 .

([51]) خلاصة 3/292 والنفحة 2/420 .

([52])الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية 1/133 .

([53])ريحانة الألبا 2/293 .

([54]) العقود /48 .

([55]) محمد بن دانيال(ت710هـ)شاعر عراقي رحل إلى مصر ، له مؤلفات مسرحية : أعيان العصر 4/432 .

([56]) أعيان العصر 4/432 .

([57]) زين الدين أحمد بن الملا النخجواني المنطقي قاض من دمشق (ت1045هـ) وينسب إلى نخجوان بلدة في إيران: الخلاصة 1/197، وعلماء دمشق وأعيانها في القرن الحادي عشر الهجري 1/487 .

([58]) أحمد بن شاهين شاعر من دمشق أصله من قبرص (995-1053هـ) : ينظر له في علماء دمشق وأعيانها ص542 .

([59]) خلاصة الأثر 1/199-200 .

([60]) ديوان البوصيري /83-84 .

([61]) سرور بن الحسين المعروف بابن سنين (ت حوالي 1020هـ) : شاعر من حلب ينظر له في الإعلام 6/181 .

([62])خلاصة الأثر 4/47-48 والعقود 34 .

وسوم: العدد 668