حفريات الحروف في لوحات الفنان يوسف التونسي

كعاشقين يتلاحم الحرف و اللون في أعمال يوسف التونسي.في عصر تتسيد فيه ثقافة الصورة، يأتي بإبداعه المتفرد في هذا المجال. إنها الفاعلية الإشعاعية، التي تؤسس للإبداع بتعبير الشاعر الروسي " صموئيل مارشاك، الذي يعرف بدور الفنان الإشعاعي، قائلا :

من أجل أن يكون الناس أفضل. 
من أجل أن يكون الناس في يسر.
من أجل أن تسقط الأورام الخبيثة
من الأجسام والنفوس. 
...................

...................
يقف الفنان في مرسمه
مريضاً
وإلى الأبد، بالمرض الإشعاعي

حمولة نوعية من جمالية الفن التشكيلي، جمعت بين المعرفة الأكاديمية في علم الآثار، وملكة الإبداع باللون، و"الحرف". بأنطولوجيته، وأركيولوجته ، بالإضافة إلى الوظيفة السيميائية التي أضفاها عليه هذا الفنان الذي سنقف عند تجربته الفنية المثيرة.

تأتي لوحات الفنان يوسف التونسي ، ابتداء من الإطار ، مرورا بالألوان المشعة ، التي تمسك بتلابيب الرؤية ، بتضادية جمالية، تشد العين ، لغاية ما يلقي به الظاهر إلى الباطن المكون لخلفيته المعرفية، يدرك الروح و الفكر سِرَّ الاشعاعيين، اللذين يمتلكهما هذا الفنان.

   إن توظيف الحرف العربي في الفن التشكيلي، ظاهرة أبدع من خلالها فنانون عرب ومسلمون. منهم من حاز على شهرة عالمية ، في هذا الميدان . لكن الاشعاع الذي أتى به هدا الفنان هو معرفته بأصول الحفريات، التي استثمرها في النبش في حفريات الحرف، منذ وجوده الأولي. منذ العصور البدائية..منذ أن كان الحرف رمزا؛ أي صورة عند الولادة ؛ كضرورة تعبيرية/تواصلية، مرورا بأزمنة العصور القديمة.

   تناول ملحمة هوميروس «الالياذة"، وحصان طروادة، موظفا الحروف الرمزية، بالاضافة إلى الألوان، كآليتين جماليتين في البناء الفني للوحاته. و من الأسطورة يمر الفنان التونسي إلى الحضارات المتتالية في التاريخ البشري، و أبجدياتها؛ في تقاطعها، و تنافرها، سواء بتقنية المنمنمات، أو بتشكيلات هندسية تخدم جمالية الحرف وهو يتربع على مشهد اللوحة وفنيتها . لكي يصل إلى المقدس، في الآي القرآني، وتجليات رونق الحرف العربي.

   محطة أخرى، توقف عندها الفنان يوسف التونسي، تمظهرت من خلال تعدد أنواع الحرف، في التراث المكتوب المغربي، بتوظيفه الحرف الامازيغي، مما أغنى تجربته، وأضفى عليها ذلك الإشعاع السحري، المثير للدهشة.

ومن ميكانيزمات العملية الابداعية ـ أيضا ـ عند هذا الفنان، اشتغاله على الدلالة الفنية للحرف، ورمزيته، ولعل هذا ما جعله يعنون إحدى معارضه بـ: " سيميولوجية الحرف ". فهو تارة يحرره، فتجد الحرف محلقا في فضاءات مفتوحة داخل اللوحة، تكسر تماسك سطحها، وهي تقنية جمالية أخرى، لهذا الكيميائي/الفنان. وتارة يجعله متشابكا داخل تشكيلات فنية بحمولة روحية، مثل ما نجدها في لوحة رقصة " السماح" المولوية نسبة لقصيدة المتصوف مولانا جلال الدين الرومي التي تحمل عنوان : "المولوية ".

   ليظل الحرف شعلة إلهام الفنان يوسف التونسي، من خلاله يجسد رؤية تَشكّلِ لها خصوصيتها في توظيف الألوان، وأبعادها المعرفية في صياغة موضوعاتها.

   يغدق الفنان يوسف التونسي على لوحاته ترفا معرفيا و فنيا، فينتشي المتلقي برحيق الحروف البرية، المحملة بأريج التاريخ، و أنغام مزامير الألوان.

fonon9091.jpg

fonon9092.jpg

fonon9093.jpg

وسوم: العدد 909