مدارس وحكايات

مبدع من الزمن الجميل

توثيقي لمدارس الزمن الجميل السوداني

سليمان عبد الله حمد

البداية :

مدرسة حنتوب الثانوية  ، ومدرسة وادي سيدنا الثانوية ، ومدرسة خور طقت الثانوية مدارس قام المستعمر بتشيدها

لتكون بوتقة للمتفوقين وتمد جامعة الخرطوم والمعاهد

والكليات بنخب مميز من الطلاب وتشترك المدارس الثلاثة في أنها شيدت على الطراز الانجليزي وكذلك المنهج وروعي في موقعها أن تكون خارج المدن حنتوب بالضفة الشرقية لحاضرة الجزيرة ووادي سيدنا بكرري شمال أم درمان وخور طقت ضاحية في عروس الرمال 000

عندما تم تحويل كلية غردون إلى جامعة تم إفتتاح ثلاث مدارس ثانوية عليا لمدها بالطلاب وهى خورطقت وادى سيدنا وحنتوب وكلها مدارس داخلية وقومية يقبل لها الطلاب من كل أنحاء السودان وكان الأهالى يحتفلون ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها حال إقتعاد أحد أبنائهم مقعدا فى واحدة منهن. وربما جاءت حنتوب أولا بحسب الهجاء وبحسب(المدح ) ايضا.

فحنتوب مدرسة لعبت دورا كبيرا فى تاريخ السودان وشكل خريجوها قادة الطيف السياسى والحاكم والمعارض ربما إلى الآن وإن كان كثير من حنابلة (الحانتبة) تم إقصاؤهم من سُدتى الحكم والمعارضة معا !و(حنتوب) كما (طقت) و(وادى سيدنا) تعج بحكايات يصل بها (ساردوها) حد الغرابة والسحر حتى تظنها قصصا من أساطيرالأولين.

كانت الدراسة وقتها ( 4 ) سنوات  للمرحلة الثانوية مع السكن الداخلي المعد اعداد تام لكل الطلاب دون استثناء لأن يوم الطالب يبدأ عند الساعة السادسة والنصف صباحا ويستمر البرنامج الإجباري حتى الساعة العاشرة مساءا موزعا ما بين اليوم الدراسي

وتناول الوجبات الثلاث في وقت محدد وساعتين للراحة .. وساعة لممارسة النشاط الرياضي المتنوع ومن بعد ذلك برنامج المذاكرة 0

وعند الساعة العاشرة يعلن الجرس الأخيرة بداية ساعات النوم كل هذا البرنامج الدراسي والسكن الداخلي والطالب غير ملزم بدفع أي رسوم دراسية وفوق ذلك ومع نهاية العام الدراسي يسلم كل طلاب تصريح سفر مجاني عبر خطوط السكة حديد السودان ومصاريف إضافية للوصول إلى مدينته أو القرية .

مدرسة خورطقت :

في الثامن والعشرين من شتاء العام الف وتسعمائة وخمسين كانت الإنطلاقة الأولى لمدرسة خور طقت الثانوية بنين المدرسة ذات التاريخ العريق والتي تبعد حوالي تسعة كيلومترات من مدينة الأبيض ، كان السودان كله يحتوي على ثلاث مدارس (حنتوب ، خور طقت ، خور عمر ) جابت الأفاق بشهرتها والمدارس الثلاث كانت مدارس داخلية يتعلم فيها الطلاب النظام والإعتماد على النفس والحياة الجماعية .

 هي مدرسة ثانوية عليا قومية التوجه يقبل لها الطلاب الناجحون في الشهادة المتوسطة بتفوق باهر من جميع بقاع السودان ويوزعون مابين حنتوب ووادي سيدنا وخورطقت وهذه من حسنات الاستعمار الذي أنشأ هذه المدارس النموذجية الثلاثة وكان المنهج الدراسي في هذه المدارس منهجاً راقياً موافقاً لمنهج المدارس البريطانية حيث إن المواد تدرس باللغة الانجليزية عدا اللغة العربية والتربية الإسلامية حتى ان امتحانات الشهادة السودانية تطبع ببريطانيا في سرية تامة وتصل مظاريف الامتحانات في وقت محدد في سرية تامة وصرامة لا مجال فيها للتلاعب والغش وكذلك تصحيح الامتحانات ورقابتها تكون في حيدة ونزاهة تامة.

خورطقت كانت مدرسة قومية كل طلابها من جميع مديريات السودان التسعة السابقة من الشمال ومن الوسط والجزيرة ومن الشرق والغرب والجنوب التقوا كلهم في رحاب هذه المدرسة وانصهروا في بوتقة واحدة دون جهوية أو عنصرية ونهلوا من العلم والأدب والفنون وبرعوا في ذلك بفضل المعلمين ذوي الكفاءات العالية وطنيين وأجانب، وللمدرسة جو هادي بعيد عن ضوضاء المدينة وضجيج الطائرات والآليات والقطارات والصخب، والوقت منظم بدقة متناهية والجو معافى ومهيأ للعلم والتحصيل ولقد تعاقب على نظارة هذه المدرسة أشخاص مقتدرون صارمون في تعاملهم.

 

الإفتتاح

افتتحت مدرسة خورطقت الثانوية رسميافي 28/1/1951 ولكن بدأت الدراسة فى مبانيها الحالية فى اكتوبر 1950م ولقد قام بإنشائها عمال مصلحة الأشغال وافتتحها السيد عبدا لرحمن على طه وزير المعارف وكان عدد طلابها في ذلك الوقت 240 طالب كونوا ثمانية فصول أربعة للسنة الثانية وأربعة للسنة الأولى أما تلاميذ السنة الثانية فقد جاء نصفهم من مدرسة وادي سيدنا والنصف الآخر من مدرسة حنتوب ويسكن في ذلك الوقت هولاء الطلاب في أربعة داخليات وكان أول مدير لها النصرى أفندي حمزة.

 

شعار المدرسة ودلالته:

شعار مدرسة خورطقت الثانوية هو شجرة التبلدى في فصل الصيف وهى خالية من الأوراق والخضرة والثمار واختيار الشعار لم يكن جزافا وإنما له دلالات ثقافية واجتماعية ... فشجرة التبلدى في فصل الصيف لها أهمية كبيرة في منطقة تعاني شح المياه حيث تستعمل كخزان للماء والذي هو عصب الحياة ومن هنا أتت أهمية شجرة التبلدى لأبناء كردفان..أما في فصل الخريف تستعمل أوراقها كطعام وثمارها كمشروب أما ظلها الوارف يستعمل للرحلات واجتماعات القبائل وأحيانا يدرس تحتها التلاميذ وكخلوة لبعض المشايخ في داخل جذعها...و شجرة التبلدى لا تفقد جمالها عندما تتساقط أوراقها ..فهذه الشجرة تمثل الخضرة والجمال والماء والغذاء وأيضا هي شجرة معمرة ولجلّ هذه المعاني تم اختيار هذا الشعار لمدرسة خور طقت ....وأيضا تم تصميم خارطة مبنى المدرسة على شكل شجرة التبلدى إذا ما نظر لها من أعلى حيث تمثل مساكن الأساتذة جذع الشجرة والفصول الأفرع الرئيسية والداخليات الأفرع الصغيرة.

سبب التسمية

المدرسة تقع على بعد ستة أميال ونصف شمال شرق مدينة الأبيض بالقرب من خور طقت الذي اشتقت منه الاسم وكان قد تم اختيار الموقع من عدة مواقع أخرى كانت مقترحة هي بارا ، ألبان جديد ، كازقيل ، أبو حراز وأبوزبد.

رسالة المدرسة

ورسالة مدرسة خور طقت ليست تعليمية وتربوية فقط وإنما وطنية وقومية بتوحيد أبناء السودان بمختلف ثقافاتهم وأجناسهم وقبائلهم. 

الموقع الجغرافي للمدرسة وطبيعتها ومساحتها

تقع المدرسة شمال مدينة الأبيض على مسافة ثمانية كيلومترات ويربطها طريق ترابي مرصوف بحصباء حمراء تتخلله بعض الوديان التي تمتلئ بماء الخريف وتحف بها أشجار التبلدي الضخمة وغابات اشجار الهشاب (أشجار الصمغ العربي) الندية وعائد انتاج هذه الغابات من الصمغ العربي يدخل خزينة المدرسة لترقية الخدمات، ومساحة المدرسة حوالي أربعة كيلومترات مربعة محاطة بالأسلاك الشائكة من جميع الجهات كالمناطق الحربية وذلك لمنع دخول السوام والمتطفلين ويجاور المدرسة بعض القرى الصغيرة ولا يوجد اختلاط بين سكانها وطلبة المدرسة نسبة لبعدها عن المدرسة.

النظام الهندسي للمدرسة

الداخليات الثمانية مبنية في شكل نصف دائرة ووسط هذه الدائرة تقع فصول الدراسة والمعامل وقاعة الاجتماعات وصالات الطعام والمكاتب الإدارية والمسرح والإذاعة والمكتبة العامرة بالمراجع والكتب المليئة بشتى ضروب المعرفة وقاعات الفنون أفران الفخار واستوديو التصوير الفوتوغرافي وتحميض الافلام وقاعة الموسيقى ومخازن مهمات الكديت والكشافة والكنتين والمسجد. اما الطرف الشمالي للمدرسة به العيادة ومنازل المعلمين والطرف الجنوبي ميادين الرياضة المختلفة وخارج السور منازل العمال والطهاة ويوجد وسط كل داخلية حديقة مزروعة بالزهور والنجايل تبعث في النفس البهجة والسرور.نظام هندسي بديع ومعدات المعامل لا يوجد لها مثيل بالجامعات.

 

نظام المدرسة

منهج المدرسة متكامل وموافق لخطة وزارة المعارف. كل شيء مرتب ومنظم وبعد انتهاء اليوم الدراسي وتناول وجبة الغذاء يأخذ الطالب قسطاً من الراحة استعداداً لمناشط العصر وغالباً ما يكون تمارين الكديت أو منافسات الداخليات الرياضية وفي المساء المذاكرة المبرمجة داخل الفصل بأشراف المعلمين وبعد وجبة العشاء النوم المبكر وبكل داخلية يسكن استاذ (House master) لفرض الانضباط وإطفاء الأنوار اما الزي الرسمي للطلاب فهو الرداء (الشورت) الكاكي والقميص الابيض نصف كم وانتعال شبط الصندل البني وشارة المدرسة عليها شعار التبلدي توضع في مكان بارز والويل لمن لا يلتزم بهذا الزي الرسمي.

المناشط الرياضية

كان هنالك برنامج منافسات الداخليات الثقافي ويشمل مناشط الرياضة والمسرح وكان على كل داخلية إحياء ليلة ترفيهية في آخر الأسبوع على مسرح المدرسة لإبراز مواهب الطلبة وهنالك لجنة تحكيم محايدة لهذا الغرض وترصد الجوائز للفائزين في نهاية العام وكانت. وللمدرسة فريق كرة قدم قوى متوارث أخذ عدة كؤوس في منافسات المدارس الأخرى، لدى المدرسة فريق رماية متدرب على أيدي قيادة الهجانة وقد نال جوائز الرماية للمدارس في مهرجان الRifle Meeting الذي يعقد كل عام بالخرطوم أيام حكومة الفريق (عبود).

 

الدور السياسي للمدرسة

وقد لعبت طقت دورا سياسيا كبيرا في الستينيات من القرن العشرين حينما كان الطلاب يخرجون للمظاهرات ضد الحكم العسكري والإعتراض على سياسته في البلاد وكان للأحزاب نشاط سياسي كبير في طقت في تلك الفترة.

من تلك الحكايات الباذخة ما روى عن أن الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميرى حضر إلى مدرسته حنتوب فى العام 1973م للإحتفال باليوبيل الذهبى حيث تأسست حنتوب عام 1923وكان أول مدير لها الإنجليزى الشهير(مستر براون) بينما أول سودانى تسنم إدارتها كان (هاشم ضيف الله) ..

نعود إلى أجواء الإحتفال باليوبيل الذهبى, فعندما حضر نميرى الرئيس آنذاك وخريج المدرسة طُلب منه السماح لزميله المعارض وسكرتير عام الحزب الشيوعى إلى الآن بحضور الحفل وإعطاؤه الأمان.. خرج( نقد (من مخبئه وحضر الإحتفال وشارك فى إدارة المباراة الرئيسية كمساعد أول لحكم المباراة التى شارك فيها نميرى.

ومن طرائف ذلك اليوم المشهود انه عند إستلام نميرى الكرة بصدره وقبل أن يسجل هدفه رفع نقد الراية ولكن الحكم لم ينتبه له حتى أحرز نميرى الهدف بعدها سأل الحكم نقد لماذا رفعت الراية؟ فأجاب: الراجل دا سارق ! ولكن الحكم لم يأبه برأيه وإحتسب الهدف, فإلتفت نقد رجل الخط المعارض والمطلوب لدى جهاز الأمن إلتفت إلى جمهور المسطبة الشرقية وقال فى سخرية لا تخلو من مكر سياسى:

أصلو حكام الزمن دا ما بسمعوا الكلام !.

على ضفة النيل الأزرق ظلت أجيال من الطلاب السودانيين ينسجون الحكايات عن مدرستهم التى تولى نظارتها الإنجليزى العتيد مستر براون, أما المعلمون عدا أساتذة الدين واللغة العربية فكانوا كلهم من الإنجليز.. ومن طلاب الدفعة الأولى: الأستاذ الفاضل سعيد وأحمد التيجانى الهادى. أما الدفعة الثانية فكان أبرزهم جعفر نميرى ومحمد إبراهيم نقد بينما ظل الترابى وعبدالله زكريا (أولاد دفعة) ..

فى إحدى جلسات السمر تحدث جمع من خريجى حنتوب عن زملائهم وأجمع كل من تحدث على أن النميرى كان (فتوة) وكان شجاعا ومهابا من الجميع لذا فالجميع كان يعمل له ألف حساب عندما إنقلب وصار حاكماً وأكد الجمع ممن ضم المجلس الحنتوبى على تمتع حسن الترابى بقدر عال من الذكاء أما نقد وبحسب المجلس المؤقر فقد كان مشاكسا عالى الشقاوة وسريع البديهة.

لم تكن حنتوب تخرج سياسيين وعسكرا لكنها خرجت مبدعين إيضا لعل أبرزهم (النجار)آنذاك (حميدة أبوعشر) الذى كتب من موقعه ك(نجار( 000

معهد بخت الرضا الماضي والحاضر 

مدينة الدويم تلك الحالمة التى تتوسد رمال النيل الابيض فى زهو وكبرياء وشموخ ذات الموقع الإستراتيجى والهدوء والجمال .. التي تحتضن بخت الرضا وهى تمثل مركز إشعاع حضارى فى المنطقة والسودان عامه .. ولد بها المعهد التربوي بخت الرضا عملاقاً في عام 1934م ، واستمر العطاء زهاء السبعين عاماً عطاءاً متجدد اشراقاً وإبداعاً .. كيف لا وهى تستند لتاريخ وإرث وتقاليد عريقة وترتكز إلي قاعدة تربوية ممتدة تزكيه للتعليم وغرساً للقيم النبيلة الفاضله .. حيث كانت الدويم من بين خيارات لإقامة هذا المعهد وأختيرت للموقع وهدوء حركتها وقلة الضجيج فهي تمثل هدوءاً نسبياً وجواً صالحاً للعلم وطلابه كادت سياسات التعليم فى فترة من التسعينيات أن تودى بهذا الصرح العظيم فلقد أهمل وكاد أن يندثر ويفنى .. لكنه نفض عن نفسه الغبار وعاد بثوب جديد أنيق ألا وهو جامعة بخت الرضا .. امتداداً للعطاء وجنى لثمرة الصبر والمثابرة والإصرار فى المضي قدماً فى العمل التربوي .. وقد حمل الراحل البروفيسير عبدالله كريم الدين ذلك الرجل المعطاء ابن الدويم البار وأول مدير للجامعة هم التأسيس وإعادة البناء عليه رحمة الله بقدر ما قدم وأعطى .. تبعه فى التطوير والإنشاء البروفيسير أنس عبدالحفيظ الذي مازال يقدم ويجزل فى العطاء ..

تلك بعض حكايات مدارس الزمن الجميل 000 فيها كثير من الاشراقات والظلال 000 ليت لنا حكايات عن مدارس اليوم و الغد نستشف من عبق الماضي إشراق غد مشرق 000

تحياتي حتى يحين اللقاء أحبتي...