أضواء على تاريخ الإخوان المسلمين المسرحي (4)

أضواء على تاريخ الإخوان المسلمين المسرحي

(4)

بدر محمد بدر

[email protected]

وكتب عبد الرحمن البنا مسرحية "غزوة بدر"، ثم مسرحية "الهجرة"، التي تم عرضها مسرح الأزبكية في نوفمبر 1947 ونقلتها الإذاعة المصرية على الهواء مباشرة لأول مرة، وهو ما أدى إلى توافد منتجي السينما على الفرقة للاتفاق على إخراجها سينمائيا، وفي مايو 1948 عرضت دار الأوبرا مسرحية "صلاح الدين الأيوبي"، وبثتها الإذاعة المصرية، ولأن ذلك كان في أثناء حرب 48 والإعلان عن قيام الكيان الصهيوني الغاصب، ضغطت بعض الدول الأجنبية على الحكومة المصرية لإيقاف بث المسرحية على الهواء، ونجحت بالفعل في ذلك.

ويمكن القول بأن هذه المسرحية ساهمت بقوة في لفت الأنظار إلى ما يجري على أرض فلسطين على يد الصهاينة، من إرهاب وقتل وعدوان، وقال المؤلف في مقدمة المسرحية: أهدي هذا العمل إلى شهداء فلسطين الأبرار، وإلى أبطال الجهاد المقدس لإنقاذ الوطن الإسلامي وتحرير الأرض، وإلى المهاجرين والمشردين من إخوان العقيدة والإسلام أهل فلسطين المجاهدة، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله .. إليكم أهدي هذه المسرحية، التي أعدت لتعمل عملها مع قصف المدافع وأزيز الطائرات، لإدراك الغاية ورفع الراية وإصابة الأهداف".

والطريف أن الإعلان عن المسرحية أشار إلى أن ثلاثة من أعضاء "فرقة الإخوان المسلمين المسرحية" اعتذروا عن المشاركة في العمل، لوجودهم في ميدان القتال في فلسطين، وهم: إبراهيم الشامي وفطين عبد الحميد وإبراهيم القرش.

وذكر لي الأستاذ عبد الرحمن البنا أنه عندما أراد عرض مسرحية "صلاح الدين الأيوبي" على مسرح دار الأوبرا، وقد كان أهم مسرح مصري وقتها، اكتشف أن دار الأوبرا بدأت أجازتها السنوية! ومعنى ذلك أنه سوف يتم تأجيل عرض المسرحية عدة أشهر، لحين عودة العمال والموظفين من الأجازة، لكنه تحدث مع صديقه مدير الأوبرا وقتها، وكان هو الأستاذ شكري راغب (وهو مسيحي)، الذي وافق على استدعاء كافة العاملين والموظفين وقطع الأجازة، لتسهيل تقديم العرض المسرحي، وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها فتح دار الأوبرا في غير مواعيد العمل الرسمية.

وفي مقابل هذا السلوك الكريم من مدير الأوبرا، تنازل البنا عن أجره كاملا في المسرحية، لصالح العاملين في الأوبرا، لكن المسرحية لم يستمر عرضها طويلا بسبب الضغوط السياسية.

كانت هذه مرحلة مزدهرة في تاريخ مسرح الإخوان المسلمين، امتدت لأربعة عشر عاما، ولم يقتصر النشاط على القاهرة، بل امتد إلى شُعب الجماعة في المحافظات، وحين تأسست الفرقة القومية المصرية عام 1935 بقيادة خليل مطران، أوفدت البعثة الأولى من الطلاب إلى أوروبا لدراسة الفن هناك، وقد تكونت من عدد ممن عملوا في مسرحيات البنا مثل: فتوح نشاطي ومحمد متولي وسراج منير وحسن حلمي ومحمد السبع، وكان البنا حريصا على تنمية قدرات فرقته، فوجه شباب الفريق الذين أتموا دراستهم الثانوية، إلى دراسة الفن المسرحي بمعهد التمثيل العالي، ومنهم: محمد السبع وعبد البديع العربي وإبراهيم الشامي. 

واتخذ عبد الرحمن البنا لنفسه أسلوبا في الكتابة المسرحية يعتمد على اللغة العربية الفصحى، ولم يكتب بالعامية المصرية، وقد كانت هناك في تلك الفترة دعوات لإحلال العامية محل العربية، بل والدعوة إلى هجر الحرف العربي والكتابة بالحرف اللاتيني، وقاد هذه الدعوة سلامة موسى ولويس عوض وغيرهما، وبالتالي لم يكن أمامه إلا التأكيد على الالتزام بالفصحى، تنفيذا للمبدأ الذي دعا إليه حسن البنا: "اجتهد أن تتكلم العربية الفصحى، فإن ذلك من شعائر الإسلام"، والحديث موصول بإذن الله تعالى.