نوافذ

يسري الغول

[email protected]

كنت متردداً هذا الأسبوع بين الحديث عن الإنشاد كفن هادف وبين ثقافة المصالحة، حتى وصلتني دعوة للمشاركة بحفل افتتاح معرض رسومات الأطفال (نوافذ) بمركز القطان للطفل، فقررت أن أتجاوز هذين الموضوعين للحديث عن الفن والرسوم كجزأ مهم من مخيلة الطفل.

فقد حدث ذات مرة أن وصل وفد أجنبي إلى بلادنا، وطلبوا الذهاب إلى مدارس وكالة الغوث المحاذية للحدود الشرقية لغزة، وكان جل اهتمامهم أن ينظروا إلى الأطفال وهم يرسمون، حيث تم إعطاء كل طفل ورقة وعلبة ألوان وقلم رصاص وانتظروا الأطفال حتى انتهوا من الرسم، فكانت كل الرسومات عن الحرب والموت والطائرات والقصف فأدرك هؤلاء الحالة التي تعيشها أطفال غزة. وعلى ذات الشاكلة فقد قمنا كمجموعة من الشبان مع انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009 بعمل برنامج تفريغ نفسي للأطفال، حيث قامت وزارة الثقافة بدعم المشروع من خلال تمويل الأنشطة على المناطق التي تضررت من العدوان، وكانت معظم الرسوم والقصص تتحدث عن الموت، الأمر الذي دفعنا للبحث عن حلول لما يعانيه أطفالنا من خلال عقد عدد من ورشات العمل والدراسات. ولقد تعلمت من تلك التجربة بأن أدفع بالأوراق ليد الأطفال في بيتي ليرسموا بأيديهم الصغيرة، وقمت بإلصاق الورق الأبيض الكبير لأدفع بأولادي للحديث عما يدور في عقولهم، ونجحت في استنطاقهم وفهم أحلامهم وتخوفاتهم، وهي نصيحة لكل فرد في مجتمعنا المحاصر بأن يفتح النوافذ ويشرعها للأطفال للحديث عما يدور في مخيلتهم، فهناك الكثير الكثير ليقولوه ولكنهم عاجزون عن الوسيلة، وأمامنا اليوم الفرصة من خلال توفير الأوراق البيضاء والأقلام حتى لو لم تتوفر الألوان، وحتى لو أصبحت بيوتنا حاويات من ورق، فما يتعلمه الطفل اليوم سيكون كنزاً كبيراً له فيما بعد.

إن الفن التشكيلي فن يشترك فيه جميع أطفال العالم، يعبرون عما يختلج بصدورهم من خلال الألوان التي يستخدمونها حال توفرها، فالألوان حسبما يقول علماء النفس إنما تعبير عن الحالة المزاجية للطفل. وفي كثير من المستشفيات يطلب الأطباء من الأطفال المرضى القيام بالرسم على الورق لتوصيف الحالة التي يعانون منها، فهذه الثقافة الغائبة عن مجتمعاتنا العربية هي بوابة لدراسة مخيلة وعقول الأطفال، واجتهد الكثيرون من الغرب لفهم سيكولوجية الطفل، ففي عام 1905 قامت جامعة ليبزج بألمانيا دراسة على رسومات الآلاف من الأطفال في العديد من أقطار العالم لتحديد احتياجات كل منطقة، كما قام الباحث بتلك الجامعة كولا باريد بدراسة نمو الأطفال وعلاقة الفنون التشكيلية بالنمو العقلي. وتوالت تلك الأبحاث حول ذلك الموضوع لأهميته. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل قامت مؤسساتنا بعمل دراسة حالة لأطفالنا من خلال الرسوم والفنون التي يرسمونها؟ وهل تهتم المؤسسات التعليمية بحصة الرسم داخل المدارس؟ وهل تدعم وزارة الثقافة تنمية مواهب وقدرات الأطفال أم أنها تبحث عن فعاليات إعلامية فقط؟ اسئلة كثيرة وجب على صناع القرار أن يجيبوا عليها إن استطاعوا.