باب الحارة .. ليلة إعدام دمشق

أحد رموز الدراما السورية قال يوماً “عندما زرت القاهرة، ظننت أنني سأجد في كل منزلٍ رقاصة”، مشيراً إلى الصورة النمطية التي رسمتها الدراما المصرية والأفلام السينمائية في عقل المشاهد العربي، فما هي الصورة التي أوصلها ويوصلها (باب الحارة) عن عاصمة الأمويين للمتابع السوري قبل العربي.

يقول الكاتب والروائي السوري الدكتور موسى رحوم عباس، إن (باب الحارة) أصبح لعنة على دمشق عاصمة التاريخ التي لم يغب اسمها عن رقم حثية أو آشورية أو كلدانية أو آرامية وحتى في الآثار الفرعونية. فالمسلسل الذي بدأ إنتاجه قبل تسع سنين حوّل دمشق إلى (ضيعة) متخلفة سجنها بابٌ خشبي عتيق.

ووصف الدكتور عباس القائمين على (باب الحارة) بأنهم “لصوص التاريخ” جعلوا “سادتها سائس خيل وحلاق، ولكل منهما بطانة من (اللمم) و(الحوش)، وخلقوا مجتمعاً تسوده عادات ما عرفها أهل دمشق، بل هي من بنات عقول متخلفة، لم تعرف دمشق، ولم تكلف نفسها عناء البحث في تاريخ هذه المدينة القديم والحديث، بل رسمت لها صورة لقرية هبط أهلها من جبالهم، متخلفون في كل شيء”.

يضيف الكاتب السوري في حديثٍ لـ (كلنا شركاء): علينا أن ندقّ ناقوس الخطر من الصورة المتقنة التي يريد باب الحارة أن يوصلها لجمهوره، فالمشاهد لن يدقق في المصادر غالباً، وربما أعتقد أن هذه حقا دمشق عاصمة الأمويين.

ويرى أن “النظام العائلي العصبوي الحالي” جعل من دمشق مدينةً غير التي نعرفها، فباتت عنواناً للتهجير والحزام الطائفي، والفن الهابط، مؤكداً أنه هذه كلها أدوات تخدم آليات القبض على كرسي الحكم ومقدرات البلاد.

يتابع الدكتور عباس حديثه متسائلاً “أين شعراء دمشق وعلماؤها وقضاتها وصالوناتها الأدبية؟ أين أهل دمشق وبرجوازيتها؟ أين صحافتها؟….”.

كل ذلك اختفى خلف (باب الحارة) وبقي الحلاق طبيباً في وقتٍ كانت فيه دمشق افتتحت 400 عيادة لأطباء تخرجوا من الجامعة السورية التي كانت تصدّر الأطباء إلى بقية البلدان، وبقيت نساؤها خلف الباب لا يتقنّ سوى اليبرق والحرّاق بإصبعو ولمات المناسبات.

وفي مقالةٍ للروائي السوري “عباس” قال إن “باب الحارة” أعدم دمشق مطالباً بإنزال العقوبة بـ “تجار التاريخ” ولو بعد حين مضيفاً “إلى متى يرتبط شهر الصوم والبركة بحفلات الإعدام هذه”.

وتساءل كاتب رواية (بيلان) في مقالته “ترى لصالح من تشوه دمشق؟، لتتحول إلى مسخ مشوه، وحفنة من الأفاكين؛ دمشق بلا شعراء ولا أدباء ولا قضاة ولا فنانين ولا مهندسين ولا بورجوازية، يظنون أنهم دمشقيون إذا بالغوا في لهجة ليست لهم، هم الطارئون عليها، ترى هل ينبري بعض أبنائها للدفاع عن تاريخ بلادهم ضد السفهاء من كتبة ومخرجين ومنتجين؛ ليقيموا عليهم الدعاوى القانونية في كل مكان تسوده القوانين”.

وسرد الدكتور موسى عباس مشاهد من تاريخ دمشق في الفترة 1930 – 1940 (زمان أحداث باب الحارة) في ميادين عدة فقال:

في العام 1930م دمشق تنتخب ابنها محمد علي العابد (1867- 1939م) رئيساً للجمهورية كأول رئيس بهذا المسمى انتخاباً حراً، وتسقط صبحي بركات مرشح الفرنسيين، وذلك 11 حزيران/ يونيو 1930م، وهو مواطن سوري من أرستقراطية دمشق يحمل شهادتي دكتوراه الأولى في الهندسة المدنية والثانية في القانون الدولي، ويتقن اللغات العربية والتركية والفارسية والفرنسية والإنكليزية، وتخرج في السوربون هذا هو أول رئيس للجمهورية، اختاره السوريون في انتخاب حر، وقد استقال 1936م لكبر سنه؛ وليفسح المجال لتداول السلطة للكتلة الوطنية وهاشم الأتاسي.https://ci3.googleusercontent.com/proxy/VQ6fvrpeMF22ZmFxqD7V70IepoYG4-DAkI5bNCpqYiZFTwqxvRdBmM62vscCHU8L6sI9WRr6VtrFK6zfnDjUwEFRVXBcvDxUvBvoz-Dstz41bsrRV-3Cdnc=s0-d-e1-ft#http://www.all4syria.info/wp-content/uploads/2017/05/unnamed-99.jpg

الصالونات الأدبية: عرفت دمشق عاصمة الحضارة الأموية ظاهرة الصالونات الأدبية منذ فترة مبكرة من القرن العشرين، فقد أسست الرابطة الأدبية 1922م، وقامت السيدتان مريانا مراش وماري عجمي بإحياء تقليد المجالس الأدبية، فقد ضم مجلسهما وجوه الأدب والفكر من دمشق والمحافظات وضيوف البلاد المرموقين، وكذلك فعلت السيدة زهراء العابد حرم الرئيس محمد علي العابد عندما أسست صالوناً أدبياً في منزلها بداية العام 1930م ، ولا أظنها شاركت في نميمة وتفاهات حريم «باب الحارة»، كما شهدت دمشق خلال هذه الفترة التاريخية حركة غير مسبوقة في نشاطات المجتمع المدني، وسأكتفي بالجمعيات النسائية لأهميتها وسياقها التاريخي؛ فهي مؤشر حقيقي لمستوى الوعي الحضاري لأبناء وبنات دمشق، ومنها: «جمعية نقطة الحليب، يقظة المرأة الشامية، خريجات دور المعلمات، دوحة الأدب، نساء العرب القوميات، الرابطة الثقافية النسائية، النادي الأدبي النسائي،…» ويأتي تكوين الأحزاب السياسية مظهراً آخر على المستوى الحضاري والتطور الفكري وفي هذه الفترة شهدت دمشق ظهور الأحزاب الشيوعية (سوريا ولبنان)، حزب الشعب، الحزب الوطني،….

https://ci6.googleusercontent.com/proxy/lRUPo1VVhR16l3no1d-m7s5XKpDRamdsnpVx4TuQUhfMuUNlxmRinDI_x7Z7CszAxhQdboBAKbewlTXO6zYimGORStsZbonR2ugpzHrqZBSBcsoU=s0-d-e1-ft#http://www.all4syria.info/wp-content/uploads/2017/05/333-4.jpg

الجامعة السورية: من المحزن أن تظهر دمشق وأبناؤها تحت رحمة الحلاق الذي يعالج المرضى في عمل فني يفترض أن يكون سورياً، فما هي الحقيقة؟

انطلق معهد الطب (مدرسة الطب) باللغة التركية 1903م، ثم أسست مدرسة الحقوق، وأعلنت (الجامعة السورية) بعد ضم معهد الطب ومدرسة الحقوق معاً تحت مسمى الجامعة السورية في 1919م وبدأت الدفعات في الدراسة، وتقول المصادر أن أول دفعة من الأطباء الرسميين تخرجت 1930م، وقبلها دفعات قبل المسمى الرسمي وكانت أول طبيبة سورية لوريس ماهر، أي في العام 1936 لدينا سبع دفعات من الأطباء، وأعتقد أن هؤلاء لم يهاجروا بالبحر هرباً من البراميل، بل ورد ذكرهم في دليل الهاتف مع عناوين عياداتهم واختصاصاتهم، وقد تجاوز عدد العيادات الطبية (400) عيادة في دمشق عامة واختصاصية، إضافة للخريجين من أبناء البلاد من جامعات أجنبية، وهم كثر، وهواتفهم كانت رباعية الأرقام، كما وردت في الدليل، ومثلهم من الصيادلة والمحامين، نعم دمشق في تلك الفترة فيها الهاتف نصف الآلي، والميترو الكهربائي (الترومواي)، والحدائق الغناء والفنادق الفاخرة، التي تعقد فيها المؤتمرات، مثل فندق «فيكتوريا» الذي عقد فيه مؤتمر المرأة الشرقية 1930م ولعدة أيام برئاسة نور حمادة بعدما تم نقله من الجامعة السورية إلى الفندق، وقامت جريدة الشعب بالتغطية الإعلامية بعددها (869)، وأفردت المساحة الكافية لتوصياته ومناقشاته.

الصحافة الدمشقية: شهدت دمشق حركة صحفية نشطة في الفترة 1930-1940م، وسأكتفي بالصحافة الساخرة، إضافة للصحافة الجادة (جريدة الشعب،….)، فقد صدرت صحف عديدة بأسلوبها الساخر ومنها: «حط بالخرج 1909م، جحا 1911م خير الدين الزركلي، الطبل 1927م خليل زقوت، الخازوق 1928م، الكرباج 1927م، المزاج 1930م،….. وكلها كانت تعبر عن هموم الناس بأسلوب هزلي مع رسوم الكاريكاتير، وكثيراً ما كانت تثير حنق المستعمر، فيلاحق أصحابها!

الدستور السوري: في العام 1928م أعدت الجمعية التأسيسية أول دستور سوري حيث تم إعلانه 1930م، ولست معنياً الآن بالنقاشات التي أثارتها بعض مواده، بل أريد القول إن الشعب الذي يصنع دستوره هو شعب راق يستحق أفضل من «باب الحارة» إذا علمنا أن المرأة السويسرية لم تنل حق التصويت إلا في الستينيات.

وفي العام 1920 م نال مصنع «الغراوي» للمربيات في دمشق الميدالية الذهبية في معارض باريس والقاهرة وروما، ومنتجات سوريا القطنية تباع للنخبة في باريس، ترى هل أدركنا ما فعله الرعاع بمدينتنا.

https://ci5.googleusercontent.com/proxy/KD1ouk9hfPrOnxkcubi4wlH5xH0WiDfTCQ8yH9kzFe2agjZr-W2WAUHNbplQsJGQFvEuEEf6m3IbKnmq0GkCJiGZq_ShbUNf65RLQMPfsUryybCg_QT_ifo=s0-d-e1-ft#http://www.all4syria.info/wp-content/uploads/2017/05/unnamed-98.jpg

نبذة عن الضيف:

الدكتور موسى رحوم عباس                

دكتوراه الفلسفة في علم النفس العيادي ( السريري)

الإجازة في اللغة العربية وآدابها، جامعة حلب

كاتب سوري مهاجر يعتقدُ أنَّ:  

الكتابة تشبه التنفس في منطقة خانقة، والرواية بحث اجتماعي وسياسي ، يأخذكَ لمناطق قصية في وعيك ولاوعيك ، بالشِّعرِ أحاول البقاءَ حيا ، لم يعد للغربة سطوتها علي ، قهرتها بمحبة العالم كله، وقصصي القصيرة جدا هي بقعة ضوء على بعض الدماء في وطني سوريا.

صدر له:

1- الآفلون ، شعر ، دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام ،بيروت،  2010م.     

2- بيلان ، رواية ، دار بيسان للنشر والتوزيع والإعلام ، بيروت ، 2011م وقد أدرجت على القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب ، دورة العام 2012م

3- الوسواس القهري ، ماهيته، أسبابه ، علاجه ، بالاشتراك ، دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان ، 2012م .

4 – اضطراب ما بعد الصدمة، دليل إجرائي للتعامل مع ضحايا الحرب، مركز دمشق للدراسات، 2012م.

5 – فبصرك اليوم حديد، شعر، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، 2014م.

6 – بروق على ثقوب سوداء، قصص، دار فضاءات للنشر والتوزيع ، عمان، 2015م

باللغة الإنكليزية:

قرنفل أبيض، قصص قصيرة جدا، كون للنشر، سياتل، الولايات المتحدة الأمريكية 2017  –

White Carnation ,Cune press, Seattle, USA,2017  

ترجمة الأستاذ الدكتور موسى الحالول ، أستاذ الأدب المقارن في جامعة الطائف، والأستاذ الدكتور سناء الظاهر، عميدة كلية الآداب في جامعة عفت ( جدة) .  

وسوم: العدد 723