اللص وصاحب الدار

م. محمد ماهر مكناس

الحكمة من القصة : " لا تؤجل ما يجب عليك أن تفعله "

كان يا ما كان .. في قديم الزمان .. كان العم جابر رجلاً طيباً يحبه جميع الأصحاب والأقارب والمعارف والأغراب .. وكان من أكبر تجار المدينة .. يتاجر بالأقمشة والأثواب .. والحلي والمجوهرات .. والأواني والأدوات .. وكان يدخر في داره الواسعة الأموال الوفيرة .. والمجوهرات الفاخرة .. والتحف النادرة .

كان يعيش في داره وحيداً فريداً بعد أن ماتت زوجته الطيبة أم عبد الله ، وبعد أن تزوج جميع أولاده من الشباب والبنات وسكن كل واحد منهم في دار مستقلة قريباً من دار والدهم العم جابر .

وفي ليلة من ليالي الشتاء المظلمة البادرة .. اشتدت العواصف والرياح وهبطت الأمطار بغزارة وأخذ البرق يلمع .. والرعد يقصف في السماء بشكل كثيف ومتواصل .. قعد العم جابر جانب المدفأة يلقمها بقطع من الحطب بين الفينة والفينة ويستمتع بمنظر اللهب المتصاعد داخل المدفأة .. كما يستمتع بالدفء اللذيذ الذي ينشره هذا اللهب في مثل هذه الليلة الباردة .. وبينما هو على هذا الحال يدندن بأغنية قديمة يسلي بها نفسه ووحدته :

البلبل ناغي على غصن الفل            آه يا شقيق النعمــان

مقصدي ألاقى محبوبـــي            بين الياسيمن والريحان

وفجاة أحس عم جابر بحركة غير عادية ، فأرهف سمعه ، وأعمل بصره .. فإذا به يرى لصاً يتسور سور داره .. فكر العم جابر في الأمر وقال في نفسه ، سأستلقي في فراشي ، وأتظاهر بالنوم وأراقب اللص خلسة لأعرفه من يكون هذا اللص وماذا سيصنع .

وبالفعل استلقى العم جابر في فراشه وأغمض عينيه ، وأخذ يراقب اللص من طرف عينه الخفي دون أن يشعره بأنه يراقبه .

كان اللص يجمع بعض القطع الثمينة .. والتحف النادرة ويضعها في كيس كبير أحضره لهذا الغرض .. كان اللص يروح ويجيء بكل اطمئنان ويتجول بين الغرف لينتقي ما خف حمله وغلا ثمنه موقناً أن العم جابر يغط في نومٍ عميق .. كل هذا والعم جابر يتظاهر بالنوم ويراقب اللص من طرف عينه الخفي..  ولما امتلأ الكيس ربطه بحبل كان معه وقعد في المطبخ يأكل بعض الخضار والفواكه اللذيذة .. يقشرها ويأكلها بكل هدوء وطمأنينة ، موقناً أن العم جابر يغط في ثبات عميق ، وأنه في حالة استيقاظه بامكانه الهرب بسهولة ويسر .

وكان العم جابر يراقب كيس السارق بين لحظة وأخرى وينتنظر عودة السارق لينقض عليه ويوجعه ضرباً بالعصا الغليظة التي يخبؤها جانب السرير .. انتظر فترة أخرى ولكن السارق كان يسرح ويمرح في المآكل والمشارب الذيذة التي يدخرها العم جابر في المطبخ .. وماهي إلا لحظات حتى نام العم جابر فعلاً بعد أن غالبه النعاس لفترة طويلة .

عاد السارق إلى الصالة الكبيرة وحمل الكيس الذي ملأه على ظهره .. وفتح باب الدار وخرج بكل هدوء وطمأنينه ويسر والعم جاب يغط في نومه .

وهكذا خسر العم جابر عدداً كبيراً من القطع الثمينة والتحف النادرة ، وبعض المجوهرات بسبب إهماله وتسويفه وتأجيل ما يجب عليه أن يفعله منذ اللحظة الأولى لقدوم هذا اللص الغادر .

لذلك أقول لك يا بني ( لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد ، ولا تؤجل عمل هذه الساعة إلى ساعة أخرى ).

وسوم: العدد 802