التاجر الغشاش

م. محمد ماهر مكناس

الحكمة من القصة : ( ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) .

الدنيا لا تدوم لأحد و أموال الدنيا تروح وتجيئ بين هذا وذاك وكل ذلك بتقدير العزيز العليم ، فكم من غني تربع على سدة الغنى أعواماً طويلة ، جاءته نكسة مقاجئة أنزلته إلى الحضيض ، وجعلته في فاقة وفقر وحرمان ، لا تلوي يداه على شئ .

لقد كان التاجر أبو أحمد ، من كبار تجار المدينة فتح الله عليه أبواب الزرق من كل جانب ، لقد كان شريفاً نزيهاً ، أميناً صادقاً في تجارته يتلقى رزقه الحلال بكل طمأنينة وراحة بال ، ولكن طمع الإنسان غير المحدود يوقعه في ما لا تحمد عقباه ويودي به إلى زوال النعمة التي أنعمها الله على هذا الإنسان .

وعندما سولت له نفسه النظر إلى مافي أيدي الناس من الزرق أخذ يضارب هذا وذاك ويخفض الأسعار بشكل كبير لكي يخسر التجار المنافسين له ، ويفرغ السوق من التجار ويبقى وحده ليتحكم في السوق كما يريد ، وبالأسعار كما يشاء .

ولكي يستطيع تخفيض أسعاره بشكل كبير يسمح له ضرب أقرانه من التجار فقد لجأ إلى الغش والكذب والخداع لكي يصل إلى مأربه وغايته ولكنه في خضم هذه الحرب الباردة ضد أصدقائه وأقرانه من التجار نسي أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله .

لقد انطلت هذه الخدعة على كثير من الزبائن لفترة وجيزة ولكن سرعان ما اكتشف الناس أن الأسعار المنخفضة التي يحصلون عليها من عند التاجر ( أبي أحمد ) يكمن وراءها غش كبير لذلك أخذ كثير من الناس يرجع البضاعة التي اشتراها منه بسبب هذا الغش وما هي إلا أشهر معدودات حتى تراكمت البضائع المغشوشة في محله ، تلك البضائع التي لم يعد يجد لها من يشتريها ، وقاطعه التجار وانفضوا عنه ، وابتعد الناس عنه فلم يعد أحد يثق بهذا الرجل الغشاش .

قعد ( أبو أحمد ) يندب حظه ، ففي كل يوم خسارة جديدة ، وفي كل أسبوع يمر بضائع مردوده يطالب أصحابها بأموالهم ، وهنا فرغت خزانة ( أبي أحمد ) من النقود ، ولم يعد يملك إلا البضائع المغشوشة المتراكمة هنا وهناك ، لذلك اضطر إلى بيع هذه البضائع بنصف تكلفتها عليه لينفق على نفسه وعياله .

حاول أن يصلح مافسد بجلب بعض البضائع الجيدة بل الممتازة ولكن الناس لم يعودوا يصدقوه ، فتكدست هذه البضائع أيضاً في متجرة دون أن يجد لها سوقاً ، ذلك لأن سمعة التاجر وصدقه وأمانته هي رأسماله الحقيقي ، وليست البضائع والأموال.

أخذت أمواله تتقلص وتضعف ، وأخذ مركزه في السوق يهتز حتى أصبح كالريشة في مهب الرياح .. وأصبح يذهب إلى عمله من الصابح إلى المساء دون أن يجمع ما يكفيه لقوته وقوت عياله .

لذلك قرر العودة إلى سابق عهده وسيرته من الصدق والأمانة والإخلاص في العمل ، وأن يتوكل على الله في عمله ورزقه ، وحاول الإتصال بالتجار و بالناس يشرح لهم وضعه وأنه قد تاب وأناب وعاد إلى طريق الخير ولكن أحداً من الناس لم يصدقه بعد أن ذاع صيته في الغش والخداع لدى القاصي والداني ، وأمام هذه المقاطعة العنيدة والمستمرة من الناس ومن التجار اضطر ( أبو أحمد ) أن يرحل من هذه المدينة الى مدينة أخرى بعيده لا يعرفه فيها أحد ، وأن يبدأ عمله وتجارته هناك بالصدق والأمانة والشرف والنزاهة والربح المعقول القليل ، حتى عاد إلى سابق عهده من الغني والثراء والزرق الحلال .

لا تنسى يا بني أن رأسمال التاجر الحقيقي ( الصدق الإمانة الإخلاص و الشرف ، وأخيراً التوكل على الله الذي هو جماع كل شئ ).

وسوم: العدد 803