العاهرة الشريفة

معاذ عبد الرحمن الدرويش

بدأ إسم العاهرة الساكنة على أطراف المدينة، يتردد على ألسنة الناس، بعد أن كثر زبائنها ، و صاروا من كل الأشكال و الألوان ،  و بدأ الناس يتداولون قصتها، فدعا مجلس المدينة إلى إجتماع طارئ لمناقشة الموضوع.

قال مختار المدينة: إن هذه الماجنة باتت تسيء لسمعة مدينتنا الطيبة.

قال رئيس البلدية : هذه المعتوهة جاءت لتفسد شبابنا.

قال القاضي: أنا جاهز لإستصدار أي حكم ترونه مناسبا بحقها.

قال رئيس الدرك: يجب علينا أن ننفيها بعيداً عن المدينة لكي نخلص الناس من شرورها، وبدون أي "شوشرة".

الحقيقة الخفية أن كل أعضاء مجلس المدينة و بدون أي إستثناء متورطون مع العاهرة، فهم زبائن سرية يتسللون إلى مخدعها خلسة و  بدون دراية أحد.

و أن إجتماعهم العاجل ليس إلا مخافة – كل واحد فيهم  - أن ينكشف سره مع العاهرة و ينفضح أمره بين الناس.

و لأنهم على عجلة من أمرهم و كل منهم كان يخاف في نفسه أن يتسرب قرار إجتماعهم الى العاهرة فتفضحهم قبل أن يتم نفيها، من أجل ذلك إتفق الجميع على أن (خير البر عاجله) و بالفعل قام رئيس الدرك بتشكيل دورية فورية و ذهبوا إلى العاهرة و حملوا حاجياتها و ذهبوا بها إلى قرية بعيدة نائية و رموها هناك.

و بقرارهم هذا زادت شعبية المجلس بالمدينة و أصبحوا مصدر ثقة أكثر لشعب المدينة.

إلا أن الحنين الى مخدع العاهرة كان يضرب بدواخل أعضاء مجلس المدينة بين الحين و الحين و كلما سنحت لأحدهم الفرصة كان يمر بها.

و مرت السنوات ، و الوضع على هذه الحال ، و في أحد إجتماعات مجلس المدينة.

قال المختار : إن ضميري يؤنبني، أشعر أننا ظلمنا تلك المرأة المسكينة الفقيرة، كانت تترزق من المدينة، و كان الناس يتصدقون عليها، و نحن قطعنا رزقها بدون أي دليل مثب، فقد جاءني خبر أن وضعها سيء للغاية.

قال رئيس الدرك: صدقت

قال رئيس المجلس: و أنا ينتابني نفس الشعور.

قال القاضي: ما رأيكم أن نصدر قرار براءة من المحكمة و بالتالي نسمح لها بالعودة إلى المدينة.

أجمع الجميع على صواب القرار، و أصدرت المحكمة قرار براءة العاهرة، و نشر مجلس المدينة بيان إعتذار عن الظلم الذي لحق بها.

و ذهبت دورية الشرطة التي أبعدتها عن المدينة، و أرجعتها إليها و أسكنتها في وسطها بدلا من أطرافها.

في الإجتماع التالي إتفق الجميع،  أنه يتوجب علينا و تكفيرا للذنب الذي ارتكبناه بحق تلك المرأة المسكينة، أن نثبت للجميع أنها كانت إمراة شريفة عفيفة، و أفصل طريقة لإثبات ذلك يجب علينا أن نزورها بالعلن ما رأيكم؟، إتفقوا بالإجماع على صواب ذلك.

 لكن بما أن الخطوة الأولى صعبة، فمن سيكون المغوار المقدام.

 من أجل ذلك، طلبوا من بائع الخضار أن يزورها أولا لكي يشق لهم الطريق. و من ثم تبعه مصلح البوابير و من ثم تبعهم أعضاء المجلس واحداً تلو الاخر. ..

و هكذا عادت العاهرة الى وسط المدينة، و أصبح الجميع يزور مخدعها في وضح النهار بدل أن كانوا يتسللوا إليه خلسة في آخر الليل .

مع تحيات الجامعة العربية في أحضان نظام الأسد.

وسوم: العدد 809