حمار المتمرد

عصام الدين محمد أحمد

حملت مخلتي‏,‏ وذهبت إلي حماري‏,‏ أشكو إليه حالي.

 انتصبت أدناه‏,‏ ورفع رأسه‏,‏ وعاف البرسيم المكوم أمامه‏,‏ وأخذ ينهق.

‏ خفت علي نفسي الفزع فأطلقت ساقي للريح‏ . ولكنه يا سيدي لم يدعني أفلت‏.

أنطلق خلفي كالرهوان ؛كاد يصرعني بحوافره‏,‏ ولقف ياقتي بأسنانه‏.

‏ وهنا نعيت عمري‏,‏ وكأنني صعبت عليه فتركني ،لأسترد أنفاسي المضطربة ،أو هكذا خمنت‏.

 نفر في وجهي نفورًا‏,‏ ابتللت برذاذه‏.

‏ نسيت أن أقول لك إن حماري نال درجة الدكتوراة برسالة "الزمان المهموز في علم النفوس "من جامعة السوربون الواقعة خلف عربخانة "العرايس" لصاحبها مروج الإشاعات قبل قطع لسانه‏.

 اطمأن الحمار إلي وقوفي وترهل قدرتي علي الحركة فقال‏:‏

 الحال عال العال‏,‏ والقشية معدن‏,‏ والمشكلة فيك

أأدركت الآن أفق ثقافة حماري؟‏!‏ أستطرد حماري‏:‏ ألا تدخل الحمام؟ ألا تنام؟ ألا تداعب جسدك؟ وبالطبع أنت تعرف أنه أثناء كلامه انفلتت ياقتي من خشمه‏,‏ وبدأ نفسي ينتظم ويتباطأ مما أسبغ هيئتي بالهدوء‏,‏ ومن الأدب واللياقة الرد علي أسئلته‏,‏ فقلت‏:‏ أقضي في الحمام الوقت المتمدد هاربًا من برامج التلفاز ‏.‏ علي فكرة حماري يتشدق بلكنته الغربية ،ولذلك تلمحني مدفوعاً لمخاطبته ببعض مصطلحاته فشقتي كما تعلم صغيرة‏,‏ حجرتان من غير صالة‏،وضيافتى للحمار مستبعدة تماما.‏ بال الحمار علي الأرض العفراء‏,‏ صبرت عليه حتي فرعث مثانته‏,‏ زممت أنفي‏,‏ كدت أفطس‏,‏ ففتحت فمي فتحا مبينا‏,‏ وفككت عن لساني قيوده‏:‏ أنام من المغرب وأحيانا من العصر تخلصًا من مطالب عيالي وأمهم التي لاتنفد‏,‏ تخيل أنهم بالأمس أصروا علي الأكل ثلاث مرات‏!!‏ وأهرش جسمي عمال علي بطال‏,‏ فالبراغيث تدمن طعم دمي الفاتح للشهية كالبراندي‏.‏ قرفص الحمار علي مؤخرته‏,‏ تمرغ في التراب‏,‏ عقص أذنيه‏,‏ تطوحت البردعة بعيدا‏,‏ تقلب علي الأرض حتي جلس علي البردعة‏,‏ لعق لعابه ثم قال‏:‏ هذا الكلام الفارغ لا يرضي عنه دعاة التنوير؛ هذه النتيجة خلص إليها حمير هيجل وجون ستيوارت ميل وسارتر في مبحثهم المعنون ب "تهافت ذوات الأربع علي أحذية الكعب العالي" والمنشور في جريدة‏(‏ كرباج ورا‏)‏ وملحقها كتاب‏(‏ حلق حوش‏)‏.

ما الحل ياحمار الغبراء؟

كل المطلوب منك أن تتشبه بأولاد الذوات‏,‏ الحكمدارية والباشوات ورواد مقاهي الاستاكوزا‏,‏ تصور النساء العاريات بفرشاة الشبق‏,‏ وتستميل الجان والعفاريت‏,‏ واِنس جان فالجان سجين فيكتور هوجو.

أتفيد مثل هذه الحكايات؟

أضمن لك‏.‏ خلال سنة واحدة نشر خمسة كتب‏,‏ وتصوير رواية في ال‏TV‏ وتشتري ياعم سيارة آخر موديل‏/‏ موديل مادونا‏.

الأعلام يا جحش سيتهمني بالسطحية.

‏هه..هه.. لو هاجمك واحد موتور‏,‏ ستجُند لك الصحف متهماً المجتمع بالتخلف‏,‏ وفي برنامج بدون رقابة سننصب لك عرشًا في الحقول‏,‏ علي الأقل تشاركني الكلأ‏.‏ أسكت‏,‏ أعدل ياقتي‏,‏ ولكن الحمار بن الحمار خشية خلط الأنساب نهق نهيقاً مبحوحاً . نبراتي تضطرد في الأرتفاع‏: من الذي يسطر حكاية طفل محروم من شرب اللبن والذي هرم وهو مازال في المهد صبيًا‏.

يزوم الحمار مولياً وجهه بعيدًا.

ألاحقه بخفوت:

 من الذي يدندن بحدوته‏, الغلبان الذي سافر إلي بلاد البترول ،وهناك خلطوه في خلاطات الأسمنت‏,‏ وأودعوه المشرحة‏,‏ وفي المشرحة مائة ألف رأس وعمامة. قام الحمار‏..‏ استدار عائدا‏,‏ جريت خلفه لأواجهه‏,‏ لم ينطق بحرف‏,‏ فقلت له‏:‏ عموما سأرسل هذه الحوار إلي عصبة الحمير بجنيف فأدار جسده الناحل كالبهلوان ورفسني‏(‏ بالجوز‏). 

وسوم: العدد 813