حبة التفاح وسيلة إيضاح

صفعه على خده الأيمن صارخا : تسرق التفاح من البسطة  ؟! أخزيتني أمام الرجل .

ورمى الرجل صاحب البسطة بنظرة ، واستنكر صمته ، لم يقل : كفى ! وجهي عليه . لن يعيدها . ولد صغير .

فاحتقره ، وأضاف ساخرا : لو طلبت من عمك حبة لأعطاك .

ولم ينطق الرجل ، فاشتد احتقاره له ، وندم على صفع ولده ، وجاشت في قلبه الشفقة عليه ،

وقال له : لا تعدها !

فانصرف ينشج واضعا ذراع يمناه على عينيه . وفكر أبو سالم : هل يدخل على زوجته ويأمرها بالتوقف عن تحضير الشاي . هذا رجل نذل . المألوف في مثل هذه الحالة أن يتدخل صاحب الحق الذي أوذي ، ويقول : كفى ! سامحه ! لن يعيدها .

                                            ***

بعد انصراف صاحب بسطة التفاح الذي وصفه أبو سالم لزوجته بأنذل من عرف ، نادى ولده ، وضمه إلى صدره ، وقبل رأسه ، وقال : سامحني يا ولدي ! شعرت بالخزي من الرجل .

السرقة حرام وعيب . لو قلت إن نفسك في التفاح لاشتريت لك ولو بعت واحدة من نعاجنا . ما دفعك لسرقة التفاح ؟! حرضك أحد ؟!

قال الولد عبد الله : أكل أستاذ الإنجليزي حبة في الصف .

فاستغرب أبو سالم : في الصف ؟! هل يأكل أحد في الصف ؟!

_ في درس الإنجليزي . البرزنت كنتنيوس .

وأراد الأب أن يعيد اسم الدرس ، وعزف عما أراد . شعر بأنه لن ينطقه مثلما سمعه لأميته .

وسأل : هل لهذا الدرس علاقة بالتفاح ؟!

_ لا . قال الأستاذ إن أكله للتفاحة يوضح كيف نكون جملة صحيحة .

_ أستاذ غريب . يأكل في الصف ، ويأكل تفاحا أمام تلاميذ فقراء .

                                ***

صباح اليوم التالي ، ودون أن يخبر ولده ، ذهب أبو سالم إلى المدرسة ، ودخل على المدير وجرس الحصة الأولى يدق ، وبعد التحية قال : تعلمون الأولاد ما ينفعهم أم تعلمونهم  السرقة ؟!

استهجن المدير كلامه ، وحملق في وجوه ثلاثة معلمين كانوا عنده كأنه يسألهم تفسيرا لما سمع ، وقال لأبي سالم : ماذا تقول يا حاج ؟!

فأجابه بهدوء : تكلمت بالعربي لا بالإنجليزي .

_ كلامك ...

هم بأن يقول : " سيء " ، فعدل ، وقال : كلامك غير واضح . ما مشكلتك ؟!

فقال أبو سالم : نادوا ولدي عبد الله ، واسمعوا منه !

فسأل أحد المعلمين : عبد الله علي ؟

فأجاب أبو سالم : عبد الله علي .

فتابع المعلم : هذا في الأول " أ " .

يقصد الأول الإعدادي . وذهب وأحضره .

سأله المدير : ماذا فعلت ؟! أبوك يتكلم عن سرقة . نحن نعلمكم السرقة ؟!

وباضطراب  ومقاومة للبكاء أوجز عبد الله كل شيء بما فيه محاولته سرقة بعض حبات تفاح من البسطة ، فقال المدير : نادِ لي يا أستاذ لؤي الأستاذ مصطفى !

وجاء الأستاذ مصطفى . طويل عريض ، بادر بريق الصلع مقدمة رأسه الأسود الشعر سوادا مسرفا مع أنه في حوالي الخامسة والثلاثين ، ومتين البنية يمكن أن يكون مصارعا بعد دورة تدريب على المصارعة .

سأله المدير : ما حكاية التفاحة والبرزنت كنتنيوس ؟!

فضحك حذرا ، وقال : شرحت لهم كيفية تكوين صيغة هذا الفعل وأنا آكل حبة تفاح . هذا كل شيء .

فسأله المدير متلطفا : وهل هذه وسيلة إيضاح مناسبة لتلاميذ فقراء ؟! حاول عبد الله سرقة بعض التفاح من بسطة في السوق بعد وسيلتك . هذا أبوه .

ونظر المعلم مصطفى إلى أبي سالم ، وقال : آسف .

وصافحه .

                                        ***

بعد الحصة الثالثة ، رأى تلاميذ الأول " أ " المعلم مصطفى يدخل عليهم رفقة تلميذ ضخم في الصف الثالث ، يحمل كيسا ، فامتدت الأعناق ، واتسعت الأحداق ، وسرت الهمسات والتساؤلات ، ونادى المعلم مصطفى أربعة تلاميذ بعدد خطوط مقاعد الصف ، وأمرهم : أعطوا كل واحد تفاحة ، وأعطوا عبد الله تفاحتين !

وسوم: العدد 821